“السعودية ترحب بالعالم” من الشعارات التي ترددت بلغات عديدة خلال موسم الحج لهذا العام في المملكة في تلخيص لطموح البلد في تسريع تطوير السياحة الدينية التي تدر مليارات الدولارات في اجواء تراجع اسعار النفط.
وبلغ عدد حجاج هذا العام مليونين و350 الف حاج بزيادة عن موسم حج العام الماضي. وبين هؤلاء مليون و750 الف حاج قدموا من خارج المملكة ويمثلون 168 جنسية مختلفة.
واكدت وزارة الداخلية السعودية ان موسم الحج لهذا العام يجري بلا مشاكل سواء على المستوى الامني او الصحي. وقال العقيد سامي الشويرخ قائد التوعية والإعلام بالأمن العام السعودي “ان خطتنا (..) كانت بمستوى المعايير المطلوبة”.
وقال ماهر جمال رئيس الغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة “نأمل بحلول 2030 في استقبال ستة ملايين حاج و30 مليون معتمر”.
وتراجعت عائدات السعودية اكبر مصدر للنفط الخام، منذ منتصف 2014 بشكل كبير بسبب تراجع اسعار الذهب الاسود.
وذكر المؤرخ لوك شانتر المتخصص في الحج اثناء الحقبة الاستعمارية انه “حتى اكتشاف النفط كان الحج يمثل المصدر الاول لمداخيل السعودية”. واضاف “حتى قبل الاسلام كانت مكة موقعا تجاريا. كانت مكانا للتبادل التجاري الدولي اختلط فيه باستمرار الجانبين الديني والتجاري”.
في المراكز التجارية المحيطة بالمسجد الحرام بمكة يكثر الازدحام في المتاجر.
ولا تغلق المتاجر ابوابها الا في مواعيد الصلاة لفترة قصيرة.
وتجد في هذه المتاجر كافة الماركات العالمية. وحتى في جبل عرفات حيث كان ادى الحجاج ركن الحج الاعظم الخميس، كانت هناك بائعات سجاد هنا وهناك.
واوضح رئيس الغرفة التجارية ان “نفقات الحجاج (من الداخل والخارج) خلال هذا العام يمكن ان تبلغ 20 الى 26 مليار ريال سعودي (5,33 الى 6,67 مليارات دولار) مقابل 14 مليار ريال ( 3,73 مليارات دولار) العام الماضي”.
وينفق كل حاج عدة آلاف من الدولارات اساسا في السكن والتغذية والهدايا والتذكارات، هذا عدا عن مصاريف النقل الجوي.
وبحسب جمال فان الزيادة مردها “زيادة عدد الحجاج بنسبة 20 بالمئة” هذا العام.
وكانت المملكة خفضت في 2013 بسبب اشغال توسيع، بنسبة 20 بالمئة عدد الحجاج من خارج المملكة. وحصة كل بلد مسلم من الحجاج هي 10 بالمئة من سكانه.
وترافقت رغبة المملكة في استقبال المزيد من الحجاج في افق 2030 باشغال كبيرة في السنوات العشر الاخيرة وهي لا تزال متواصلة تشهد عليها اعداد الرافعات المنصوبة حول المسجد الحرام.
وتشمل الاشغال التي انتقدها البعض، توسيع المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة.
ولتسهيل طواف الحجاج بالكعبة تم بناء طابقين متقابلين يرتبطان بالمستوى الارضي بسلم متحرك. ويؤدي الحجاج الطواف في ممرات مكيفة او مجهزة بمراوح.
وكانت المملكة دشنت في 2010 قطارا يربط اهم مشاعر الحج.
نوذج الكثير من الشبان
بين الحجاج الفرنسيين
أدى آلاف الفرنسيين وبينهم عدد متزايد من الشبان، فريضة الحج هذا العام. وبعيدا عن النقاشات التي لا تنتهي في بلادهم بشأن مكانة المسلمين، يريد هؤلاء ان يختبروا الحدث الديني الفريد الذي يجمع مسلمين من كافة أصقاع الارض.
يؤدي اكثر من مليوني مسلم من 168 جنسية منذ الاربعاء فريضة الحج في البقاع المقدسة غرب السعودية.
وبدت على محيا اسماعيل عجب (50 عاما) الآتي من منطقة باريس، علامات السرور وهو يقف على الأرضية الرخامية البيضاء المصقولة في المسجد الحرام.
وقال “مجموعتنا تضم الكثير من الشبان، وكان عددهم كبيرا في الطائرة” التي اقلت المجموعة.
واضاف “لا يمكنني وصف ما اشعر به. امر عظيم ان ترى عينات من كافة الامم” هنا.
ويشيد الشاب عادل علي الذي كان جالسا في مقهى في مركز تجاري في مكة المكرمة بالشبان الذين يؤدون مثله فريضة الحج.
ويقول علي (33 عاما) وهو مدير مخازن من ليون بجنوب شرق فرنسا، “لسنا علينا انتظار ان نتقدم في السن لاداء فريضة الحج، يمكن اداؤها حال توفر الامكانيات”. ولم يؤد والداه اللذان تعود اصولهما إلى المغرب حتى الان هذه الفريضة “خصوصا لأسباب مالية”.
ويضيف وسط تأييد رفيقه محمد (27) الآتي بدروه من ليون، “تلقى أهلنا الدين عبر موروثهم الثقافي وبلادهم أما نحن فتلقيناه أكثر عبر الكتب”.
وطلبت السلطات الفرنسية المهتمة بظاهرة الحج في فرنسا، اجراء دراسة عن الامر بعنوان “الحج : دراسة للسوق الفرنسي وتحقيق حول مستوى رضى الحجاج” على ان تسلم في سبتمبر لمكتب الاديان في وزارة الداخلية. وتعذر الاتصال بالمكتب للتعليق.
وضمنت الباحثتان ليلى سورات وجيهان صفر اللتين تعدان الدراسة انطلاقا من 150 مقابلة، التطورات الحديثة لظاهرة الحج في فرنسا.
وتقول سورات “”لاحظنا تغيرات اجتماعية مهمة فهناك عدد اكبر من الشبان ومن الفرنسيين بين الحجاج. ومنذ نحو خمس سنوات تجاوز عدد الحجاج الفرنسيين عدد الاجانب الذين يحجون انطلاقا من فرنسا الذي بلغ العام الماضي 17 الف شخص”.
وتضيف لفرانس برس “بحسب التقاليد يتم اداء الحج بعد التقدم في العمر لكن هؤلاء الشبان يريدون القطع مع الاسلام الشعبي لابائهم الذي يقولون انهم استبدلوه باسلام علمي لا صلة له بثقافة والديهم”.
وتقول المؤرخة سيلفي شيفولو المتخصصة في الحج ابان الحقبة الاستعمارية انه بعد أن كانت “تراقب الحج بشكل متشدد في عهد الاستعمار، اهملت فرنسا مسالة الحجاج الى ان بات الحج شأنا فرنسيا”، في اشارة الى تزايد عدد المواطنين الفرنسيين الذين يؤدون فريضة الحج.
وراى بعض الشبان الفرنسيين في مكة ان الحج يمثل ايضا فرصة للابتعاد عن النقاشات السياسية حول الاسلام التي كثيرا ما تكون في صدارة اهتمام وسائل الاعلام الفرنسية.
وعبر عادل علي وصديقه محمد عن الاسف للمناخ السائد في فرنسا منذ اعتداءات 2015 الدامية. ويقول علي “الفرنسيون يعتريهم الخوف من المسلمين، حتى وان كان الكثير منهم يميز” بين المسلمين والمتطرفين.
ويضيف محمد الذي فضل عدم كشف لقبه الاسري “هناك نقاشات على غرار ما تعلق بمسالة لباس البحر البوركيني ما كان يجب ان تأخذ كل ذلك البعد”.
وعبر حجاج آخرون رفضوا اجراء مقابلات ايضا عن انزعاجهم. وقالوا انهم حذرون وخاب أملهم من التغطية الاعلامية لشؤون المسلمين في فرنسا.