السياحة الروحية للتحرر من قبضة البترول والاعتماد على المجتمع…8

زميلي في الوفد، الذي سبق له أن زار السعودية مرات عديدة، نبهني الى وجود سعوديات وسعوديين في خدمات الاستقبال بالفندقين اللذين كنا نقيم فيهما. واعتبر، هو الخبير في المعيش اليومي لبلد الحرمين الشريفين، أن ذلك تحول غير مسبوق في السعودية….. وقد رأى بعض المتابعين في هذا التحول رسالتين، الأولى دعوة الشباب الى الانخراط في رؤية «مجتمع عاد»ي، يتطور بتطور طبقاته الخدماتية والاجتماعية، والثانية الخروج من اقتصاد النفط الذي بدأ يتأثر بالعديد من العوامل.
الهدوء التام في المجتمع لا يكشف عن رجة التحولات التي يتحدث عنها الجميع.
لكن المتابعة الاقتصادية والاعلامية تسير في منحى أكثر وضوحا.. من جهة دخول السعوديين الى معترك السوق الجديدة.
وربما يحتاج المتتبع الى ذاكرة التاريخ والحج والاعتمار، لأنهما كانا قبل النفط يشكلان المناسبتين الرئيسيتين في الاقتصاد … ووجود الشباب السعودي، في كل محلات النشاط الاقتصادي..وفي كل مناحي الحياة والاجتماعية، كمؤشر ، تسايره أيضا الرغبة الكبيرة في تطوير السياحة الروحية.. لاسيما في التخطيط الذي سمته المملكة، رؤية 2030.
وبلغة التداول الإعلامي :» توقع تقرير اقتصادي أن يكون قطاع السياحة الدينية من أكبر المستفيدين من رؤية 2030 ومبادرات برنامج التحول الوطني 2020«، والواضح أن المملكة تخطط حالياً »لزيادة عدد الحجاج والمعتمرين بمعدل 39 في المائة و150 في المائة على التوالي مع نهاية العام 2020، وسيكون ذلك عاملاً رئيساً لنمو الشركات العاملة في هذا القطاع، مثل الخطوط السعودية للتموين، والشركة السعودية للخدمات الأرضية، ومجموعة الطيار..«. المعتمر والمعتمرة لابد أن يخرجا بالانطباع الذي تقدمه التقارير المعنية. فهما، داخل الحرم أو في محيطه، سيلاحظان أشغال الرافعات والأبنية، والتي ترافق الإرادة السياسية في توسيع دائرة الاستفادة من السياحة الروحية.…
والواضح أن التحول الذي تشاهده العين، داخل الحرم وخارجه، تحول السعي نحو ما تم إعلانه في الكثير من المخططات ، ولا سيما استقبال المزيد من الحجاج في أفق 2030 وهذه الأشغال الكبيرة في السنوات العشر الأخيرة لا تزال متواصلة ،وتشمل توسيع المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة.
ولتسهيل طواف الحجاج بالكعبة تم بناء طابقين متقابلين يرتبطان بالمستوى الارضي بسلم متحرك. ويؤدي الحجاج الطواف في ممرات مكيفة أو مجهزة بمراوح. وكانت المملكة دشنت في 2010 قطارا يربط أهم شعائر الحج….
وقد كانت الزيارة الى الطائف، زيارة بليغة .. حقا.
فنحن في الطريق إليها، زرنا جبل عرفة، باتجاه المدينة الشهيرة في تاريخ الدعوة.
كان اللافت فيها، هو أنها المدينة ذات المنتجع الأخضر وسط الامتداد الصحراوي، وهي إلى ذلك استقبلتنا «بالنشيد والأهازيج»، وكانت تلك أول انفلاتة من طقوس التبتل والانغماس الديني.. وفي ذلك المنتجع، الذي يشكل واحة في بلاد ثقيف، بنت السعودية مسابح ومدت سواقي، إضافة الى تيليفيريك، وسيارات الجولان في الجبل.
وهي سيارات استطاعت إغراء الشيوخ أنفسهم والدعاة بتجريب امتحان الطفولة، بين جبال الطائف.
هذا الإغراء الطارئ ربما يكشف لنا الفتنة التي ستكون لهكذا منتجعات في بلاد الحرمين.
هناك مدت الموائد للغذاء، وبعدها كانت لحظات ترفيه استثنائية، وتخللتها كلمات الوفود … سنعرف من بعد أن زيارة المعتمرين والحجاج، ليست هي النشاط الترفيهي المنعزل الذي قد نتخيله بل اتضح بأن السعودية » تسعى لتعزيز السياحة الداخلية برحلات لمحمية طبيعية..«.
وفي هذا السياق استرعت محمية الريم البرية اهتمام المبعوثين الصحافيين والمتتبعين لتحولات البلاد.
وقالت تقارير إعلامية متواترة إنه أصبح بمقدور السعوديين الآن قضاء يوم عطلة بعيدا عن ضغوط الحياة الحديثة والاستمتاع بالطبيعة في محمية برية على بعد 70 كيلومترا فقط من العاصمة الرياض….
ووفرت محمية الريم البرية لزوار وصحفيين، جاؤوا لها في رحلة نظمتها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، يوم الجمعة (5 يناير ) أنشطة متنوعة مثيرة، شملت قيادة دراجات نارية بأربع عجلات على الكثبان الرملية والتزلج بألواح خشبية على الرمل وركوب الخيل والرماية بالرمح وغير ذلك….


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 10/01/2018