السياسة المائية بالمغرب.. مقترحات علمية لتجاوز وضعية الإجهاد

 

يعاني المغرب، على غرار العديد من الدول، من الاجهاد المائي بسبب توالي سنوات الجفاف، بسبب التغييرات المناخية. ومن أجل تأمين المستقبل بهذه المادة الاستراتيجية (الماء)، أعلن جلالة الملك محمد السادس، في خطاب العرش الأخير، عن وعي الدولة المغربية بالتحدي الاستراتيجي الذي فرضه الإجهاد المائي وأزمة الموارد المائية، اذ أكد جلالته على أن مواجهة هذا التحدي تتطلب المزيد من «الجهد واليقظة، وإبداع الحلول، والحكامة في التدبير».
من هذا المنطلق، يستدعي تحدي أزمة الماء بالمغرب تعبئة كل الفاعلين، خاصة منظمات المجتمع المدني التي تشتغل على البيئة، والتي كانت سباقة منذ عقود إلى لفت نظر أصحاب القرار السياسي والاقتصادي إلى ضرورة نهج وتبني مقاربة التنمية المستدامة التي تأخذ بعين الاعتبار المجال في مخططات التنمية والسياسات العمومية.
تأسيسا على ذلك، نظم الفضاء الوطني للسياسات العمومية بشراكة مع المركز المغربي للدراسات والابحاث في حقوق الإنسان والاعلام، مائدة مستديرة علمية في موضوع: «السياسة المائية بالمغرب التحديات والخيارات»، وذلك يوم الأحد 29 شتنبر 2024 ، بمقر المواكبة والتأطير في البحث العلمي بالصخور السوداء بالدارالبيضاء، شارك فيها كل من: د المختار طبيطبي، نائب عميد كلية العلوم القانونية والإقتصاديّة والاجتماعية عين السبع، د حميد نعيمي رئيس الفضاء الوطني للسياسات العمومية، المرابط رشيدة دكتوراه في بيولوجيا البيئة وأستاذة التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني، أميمة الفن باحثة مختصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة، د الطاهر شاكر مهندس وخبير، امبارك افكوح عضو اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بجهة الدار البيضاء سطات، اشرف حكيم متخصص في الهندسة البيئية، بالإضافة إلى كل من الدكتورين جمال فكري وعلي كريمي.
وقد تم التطرق خلال المائدة المستديرة لأهم القضايا والأسئلة المتعلقة بالسياسة المائية بالمغرب عن طريق طرح العديد من الأسئلة للنقاش العلمي، من قبيل : ماهي مظاهر وحجم أزمة الماء وآثارها؟؛ هل تنحصر أسباب الأزمة في عوامل طبيعية وبيئية مرتبطة بالمناخ والجفاف، أم هناك عوامل أخرى تتعلق بالحكامة وتدبير هذه المادة الحيوية؟ ماهي حصيلة سياسة السدود التي نهجها المغرب منذ السبعينات؟ ما هو دور الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في تدبير أزمة المياه بالمغرب؟ ما هو دور الجامعة والبحث العلمي في النهوض بتدبير الثروة المائية الوطنية كضرورة استراتيجية وحق؟. وهذا طبعا من أجل بلورة مقترحات علمية لتجاوز هذه الوضعية الحرجة التي ستكون لها عواقب سلبية على أهداف النموذج التنموي الجديد وعلى خيارات المغرب مستقبلا في كل المجالات.
الدكتور المختار طبيطبي نائب عميد كلية العلوم القانونية والإقتصاديّة والاجتماعية عين السبع، وبصفته مسيرا للمائدة المستديرة التي عرفت حضورا وازنا ونوعيا، قدم في بداية اللقاء السياق العام الذي تعرفه بلادنا بخصوص ندرة ما اعتبره الذهب الأزرق (الماء)، الذي لا يُعتبر من وجهة نظره مجرد خصاص طبيعي فقط، بل يَتعدّاهُ إلى سوء تدبير بَيِّن لا يَرْتكِنُ إلى انتظارات المغاربة.
من جهتها، أكدت الأستاذة «رشيدة المرابط» ضرورةَ البحث العلمي، سيما مع وجود مظاهر الأزمة المائية ببلدنا المتّسمة بالندرة والإجهاد، التي ساهم فيها الموقع الجغرافي الذي يتواجد به المغرب، وكذلك ارتفاع درجة الحرارة وتغيير جغرافية التساقطات.
ودعت المتحدثة إلى ضرورة إعادة النظر في الاختيارات الزراعية، وكذلك وُجوب إدارة الموارد المائية بناء على الذكاء الصناعي واتخاذ تحلية مياه البحر كآلية لتجاوز الخصاص المائي ببلدنا.
بعد ذلك، تناول الأستاذ «مبارك أفكوح» الأسس القانونية للحق في الماء، فتحدث عن المادتين 11 و 12 اللتين تُوَطنان للحقوق المتعلقة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية. كما تحدث عن 52 توصية أتى بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الشأن. داعيا إلى ضرورة تنزيل السياسات العامة التنزيل الصحيح في السياسات العمومية حتى يتسنى توضيح الرؤى الصائبة وتحقيق الانتظارات المرجوة.
من جانبها، تحدثت الأستاذة «أميمة خليل الفن» عن ضرورة الإلمام الشامل بالإشكالية، باعتبار أن لدى المغرب مناخا جافا وشُحا كبيرا في التساقطات مع ارتفاعات ملحوظة في درجات الحرارة. وتساءلت هل الإشكالية إشكالية موارد طبيعية أو إشكالية هيكلية أم إشكالية تدبير وحكامة؟ وهل 22 مليارا مكعبا قادرة على تغطية الطلبات كما كان الشأن في الخمسينيات والسبعينيات، سيما وأن نسبة التمدن بلغت 67% وتتطلب موارد مائية تستجيب لهذه النسبة التي هي في تصاعد.
وتابعت: تخصيص 87% من الماء الموجهة كلها إلى الفلاحة هو ضرب من التخبط غير المبني على أسس سليمة، اعتباراً لأن المغرب -في نظرها- ليس بلدا فلاحيا بالنظر إلى حجم الواردات الفلاحية الكثيرة.. وبالتالي فهذا المُخَصّص المئوي هو ضرْبٌ من التناقض الذي يجب إعادة النظر فيه حتى يتم استغلال الماء الاستغلال الصحيح والسليم..
وأضافت المتحدثة أن «المخطط الأخضر» هو مخطط فاشل بكل المقاييس ويعكس سياسة الحكومة البعيدة عن انتظارات المواطن. ومن جملة هاته التناقضات إقحام هذا المخطط في مناطق لا تتطابق مع الغاية من هذا الأخير، وهذا استنزاف للفرشات المائية بكل تأكيد.
إلى ذلك، تحدث الأستاذ «أشرف حكيم» عن وجود إشكالية مركبة مُتفتّقة عن ارتفاع الكثافة السكانية وطبيعة الأنشطة وبالتالي يجب وضع مقاربة شمولية خيارا بديلا لا يقبل التجزيء. كما تحدث عن الجانب التوعوي، إذ يؤمن بأن التوعية هي من بين الرهانات للحفاظ على الماء، فضلا عن البنيات التحتية التي تتجلى في سياسة السدود التي تبلغ 153 سدا كبيرا، وهناك أيضا 141 سدا صغيرا ومتوسطا، وهي السياسة التي اعتمدها الملك الراحل الحسن الثاني، إذ كانت بحق سياسة ناجعة ساهمت بشكل كبير في ترشيد استغلال الماء بشكل معقلن.
أما الأستاذ «الطاهر شاكر»، فقد تناول التدبير المجالي والتوازنات الإيكولوجية والغطاء النباتي. وقال إنه يلزم وجوب اعتماد زراعة ملائمة حسب طبيعة التربة المزمع الزراعة فيها، كما تطرق إلى مسألة محورية تستدعي التأمل وهي بأن العِلم المغربي يُصدَّر ولا يُستثمَر وخير دليل على هذا هو أن علماءنا رائدون في مجالات عدة، ولا تُعطاهم الفرصة لتحقيق ذلك في بلدهم الأم.
وأردف الأستاذ «شاكر» بأنه شخصيا كان من بين أطر عدة يتبعون طريقة الاستمطار في عرض البحر، وكانت تجارب ناجحة، و بالتالي نجاح التجارب ليس بِبَعيد عن أطرنا الوطنية.
وفي عرضه الكرونولوجي، أوضح الأستاذ «شاكر» بأن الفضل في إخراج قانون الماء يعود للجنرال «ليوطي» الذي كان سببا في إدخال التحفيظ العقاري حيز التنفيذ بالمغرب على غرار التجربة الأسترالية وذلك سنة 1913.
وتحدث المتدخل عن المجلس الأعلى للماء والبيئة والمخطط الخماسي، وعن الأحواض المائية كحوض نكور وحوض اللوكوس والسدود، إذ اعتبرها تدابير ناجعة للحفاظ على الماء، لكن عقليات التسيير تقف عقبة أمام الانتظارات المُعوَّل عليها، إذ أن تسييس قطاع الماء يَحُول دون تفعيل تلك الانتظارات، ناهيك على أن المسيرين لا يَمُتون لعالم الفلاحة بأي صلة و هذا ما يحيلنا على سؤال الإرادة بشكل كبير.


الكاتب : عبد الهادي بكور

  

بتاريخ : 05/10/2024