في نبأ صباحي مفجع لم يصدقه الكثيرون بسرعة، غيب الموت الفنان والمخرج السينمائي الزياني، أحمد غزين، بخنيفرة، عن عمر يناهز 29 عاما فقط، جراء نوبة قلبية مفاجئة، والذي “سحرته” عيون الكاميرا، فاختار طريقها، وهو ينادي بضرورة الاهتمام بطاقات الهامش التي تراهن على تأصيل تجاربها وفرض ذاتها، وكان الفقيد قد تمكن من الحصول على ماستر في التربية الجمالية وتدبير مهن الفن والثقافة، بكلية علوم التربية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ومن التسجيل بالمركز السينمائي المغربي في صنف الإخراج.
وقد استطاع الفنان الشاب أحمد غزين، بطموحه الفني، ربط علاقات وطيدة بالكاميرا، منذ عام 2014، عقب مشاركته، مع عدد من الوجوه الجديدة من الممثلين، في الفيلم الأمازيغي/ الأطلس متوسطي “سانكا” sanga والذي تم عرضه على القناة الثامنة المغربية “تمازيغت”، وهو عبارة عن ملحمة شكلت إضافة نوعية في تاريخ الدراما التلفزيونية الأمازيغية، من سيناريو وحوار عبدالرحمان بورحيم، إخراج عبد الرحيم مجد، ويجسد جزء من التراث الشفهي الذي تناقلته الألسن جيلا بعد جيل.
ولم يتوقف الفقيد الشاب عن مواصلة مساره الفني واثبات ذاته، سيما بعد خوضه مجال الفن المسرحي، من خلال قيامه بتأليف وإخراج عدة مسرحيات، من بينها مسرحية “الأم” التي لقيت نجاحا كبيرا في الأوساط الجامعية، كما قام بتصوير عدة أفلام قصيرة، منها أساسا فيلم مؤثر بعنوان “فقدان صديق” الذي يجسد الوفاء لصداقة قوية لم تثنيها الأهوال والأشباح، ثم فيلم “الخيانة” أو “إساءة الظن” الذي جرى تتويجه بجائزة أحسن إخراج على مستوى الجامعة، ويحاول معالجة نموذج من الشكوك التي تعصف بالحب والزواج في المجتمع المغربي.
كما فات للمعني بالأمر أن شارك في المهرجان الوطني للثقافة، الذي نظمته وزارة الثقافة بالرباط، وكذا في عدة برامج تلفزيونية، أهمها: برنامج الكاميرا الخفية “مشيتي فيها”، على القناة الثانية، وكان فيها “جندي خفاء أساسي”، ثم برنامج “تمغارت” الذي بثته القناة الثامنة، وقام بالتمثيل في 16 حلقة منه، بينما تكلف بجانب الإكسسوار والديكور على مدى 30 حلقة من هذا البرنامج الذي تناول سيرة مجموعة من النساء اللواتي قمن بعرض انجازاتهن الهامة وتحدياتهن للاكراهات والعقبات من أجل تحقيق أحلامهن في الحياة والمجتمع والتنمية.
ويذكر أن الفقيد الشاب أحمد غزين، من مواليد 1994، بضواحي أجدير، قبيلة أيت بومزوغ، إقليم خنيفرة، تلقى تعليمه الابتدائي بمجموعة مدارس بوكدجيك، ثم انتقل إلى مدينة خنيفرة لاستكمال دراسته في إعدادية محمد الخامس، ومن ثم إلى الثانوية التأهيلية أبو القاسم الزياني، ليلتحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة المولى اسماعيل بمكناس، حيث حصل على شهادة الإجازة في شعبة اللغة العربية، وكان حينها كتابة الشعر قبل أن يضع قدمه الأولى مع الفنانة والمنتجة ماريا صاديق كمساعد مخرج لشريط وثائقي حول مدينة خنيفرة.
وكان الفقيد يهوى تكوين الناشئة على حب الفن السابع، ومن ذلك مثلا تأطيره لورشة بجامعة محمد الخامس بالرباط حول أساسيات الإخراج السينمائي، ثم استضافته في “ورشة صوت وصورة”، بمؤسسة الإبداع الفني والأدبي بخنيفرة، لتعريف تلاميذ هذه الورشة بخصائص الفيلم السينمائي، دون أن تفوته المشاركة في لقاء مخصص للتلاميذ المستفيدين في محور “أية علاقة تربط السينما بالمدرسة؟”، ساهم من خلالها بإبراز دور السينما في الفضاء التربوي، مع قراءة الصورة وتقنياتها.
وقبل أشهر قليلة، قام الفقيد في “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، بعرض مسرحية من تأليفه وإخراجه تحت عنوان “فات الأوان”، وتدور أحداثها حول أسرة متكونة من أم وابنين، وأب متوفى يظهر يوميا على شكل شبح، فيما أرملته تصاحب ابنيها، أحدهما بار والآخر عاق ومدمن على سرقة أغراض المنزل، وبعد اعتقاله يصاب بالندم، سيما بعد إشعاره بوفاة والدته، وكان أحمد غازين قد تقدم بطلب مشروع له يتعلق بالتصوير والإخراج قبل أن يختطفه الموت في صمت، مخلفا وراءه صدمة كبيرة لدى عموم معارفه وأصدقائه.