السينما العربية.. العالمية

كيف يمكن للسينمائي أن يصبح عالميا؟ وما هو الفيلم العالمي؟ أو ما هي المقاييس المحددة للفيلم العالمي؟ هل هو الأكثر انتشارا في العالم؟ أم أنه الفيلم الجيد والمعبر عن حالة إنسانية محلية وتجسيدها فنيا، في بعدها الكوني، حتى لو لم يوزع في العالم؟
بما أن السينما ممارسة فنية ثقافية، ووسيلة للتواصل الجماهيري بين الشعوب ثقافاتها المختلفة، فإن الفيلم يكون عالميا، عندما يعرف العالم بثقافته. بعد أن يحدد هويته كجزء من الهوية الإنسانية. وذلك من خلال توظيف البعد الإشهاري لهذه لهويته وثقافته. وبدون ذلك، فهو معولم. وليس عالميا. مهما طبلت له وسائل الإعلام. حتى لو كانت هذه الوسائل الإعلامية، هي الأكثر إنتشارا في العالم بأسره.
هناك أفلام لم تستطع الوصول إلى مشاعر المشاهد، فلجأت إلى غرائزه. ولم يكن لها أثر إنساني. لكنها حظيت بتوزيع عالمي. وبالمقابل هناك أفلام ذات قيمة فنية عالية، ولم تحظ بذلك. وحالة الضعف التي فرضها واقع التوزيع السينمائي على السينما العربية، يجعل من الصعب أن يحصل الفيلم العربي على انتشار عالمي. مهما بلغت جودة صنعه. ومهما بلغت الفيلم العربي.
ما سبب هذه المفارقة؟ أو ما هي العوامل التي تسمح لفيلم تجاري، كفيلم «رامبو» مثلا أن يحظى بانتشار عالمي، بينما فيلم بقيمة فنية – إذا أخذنا الجوائز الدولية معيارا – كالفيلم الجزائري «مذكرات سنوات الجمر» الحائز على اكبر الجوائز في اكبر المهرجانات الدولية، لا يحظى بتوزيع كبير في العالم؟
إذا أخذنا سعة الإنتشار مقياسا، ففيلم رامبو هو العالمي. وإذا أخذنا قوة التعبير السينمائي عن هوية و عن ثقافة مقياسا، فالعالمي هو مذكرات سنوات الجمر. فيلم رامبو نموذج هوليوودي رديء. صنع بأدوات احترافية، لكنه هزيل فنيا. ورغم ذلك تم توزيعه وحقق الانتشار الواسع، لأنه كان مسنودا بسلطة النموذج الهوليوودي. بينما فيلم مذكرات سنوات الجمر، حرم من التوزيع العالمي لأن السينما الجزائرية لم تحقق سلطة النموذج.
النموذج الفيلمي هو ذلك الفيلم الذي نتصوره في أذهاننا عندما ننطق بسينما ما. فمثلا النموذج الفيلمي المصري الذي كان مهيمنا في الوطن العربي، هو ذلك الفيلم الذي يجمع في أذهاننا ملامح كل الأفلام المصرية التي شاهدناها لحظة النطق بالفيلم المصري. وهو زخم إنتاجي سينمائي، له نجومه من الممثلين، وله صحافة، وبرامج إعلامية مختصة..الخ. فالنموذج المصري، تجتمع فيه أفلام صلاح أبو سيف وتوفيق صالح وشادي عبد السلام… مع أفلام حسن الإمام وحسام الدين مصطفى وشريف عرفة… وغالبا ما تنتشر هذه الأفلام من الفئة الثانية، أكثر من الأولى الجيدة بفعل إستغلال سلطة النموذج، وتسخيرها لأهداف إستهلاكية تجارية محضة.
ما ينطبق على انتشار الفيلم المصري وتوزيعه في الوطن العربي، ينطبق على الفيلم الهندي في بعض دول العالم، وينطبق على الفيلم الأمريكي في العالم كله.
هكذا وبالسلطة التي فرضها النموذج الأمريكي، يعطي الانتشار العالمي، الانطباع بأن العالمية تنحصر في فلك السينما الأمريكية، والغربية إلى حد ما. ويتقوى هذا الانطباع، بسيطرة هذا النموذج على القاعات السينمائية في العالم. ويزيد الاعلام الكثير من الحطب إلى نار هذا الانطباع. وبالمقابل، تجد العديد من الأفلام في إيران وكوريا واليابان وأفريقيا وأمريكا الجنوبية ذات قيمة فنية عالية. نفسها محاصرة في منطقتها بفعل هيمنة النموذج الامريكي. بل ويتم مضايقتها بأكثر النماذج رداءة في السينما الأمريكية والغربية.
هذا الانطباع يغيب عن الأذهان، وعلى نحو خطير جدا، البعد الأهم في السينما، وهو الثقافة. وقد تم تصعيد هذا التغييب، ووصل إلى حد غسل الأدمغة. وكأن السينما لم تعد مجالا للتعارف والتقارب بين الشعوب و التعريف بثقافاتها. وأصبحت مقولات ك «بقدر ما تتعمق في محليتك، فأنت عالمي» لم تعد صالحة، كما لو أن مدة صلاحيتها انتهت. وقد عبر عن ذلك ذات يوم، المخرج المصري توفيق صالح وإن بلهجة ألطف: «… أصبح العديد من المخرجين يفهمون العالمية، أنها السجاد الأحمر وفنادق خمس نجوم في المهرجانات الدولية». ومثل ذلك الفهم للعالمية، ينشر الكثير من التصورات الخاطئة حول الوصول إليها. وبضيق أفق التوزيع وإنسداده أمام السينمائيين العرب، ضاق الأفق الفكري والخيالي لبعضهم، وأفرز بعض الحالات الشاذة في الإبداع السينمائي العربي. فوجدوا أنفسهم مضطرين لتلبية الرغبات الإستشراقية والعقلية الكولونيالية في الغرب. ومع صيرورة أزمة السينما العربية وضيق الأفق، تطور الأمر إلى حد العبث بالهوية، كأنها أصبحت يافطة، يمكن تغييرها بجرة من قلم، بما يحمله ذلك من تنكر للثقافة والوطن والإنتماء. فحسب هؤلاء، لا يجب أن تحول الهوية دون الوصول إلى «العالمية». بل المهم هو إنجاز أعمال سينمائية جيدة الصنع، تنافس أفلام كبار المخرجين في العالم على جوائز المهرجانات السينمائية الكبرى في العالم. وهكذا رأينا أن بعض السينمائيين من المغرب العربي، أصبحوا فرنسيين! بل أصبح أحدهم فرنسيا أكثر من بعض الفرنسيين!! ويتلذذ بعض النقاد العرب بكيل المديح لمثل هذه الأفلام. لا لشيء إلا لأنها جيدة الصنع. فالسينما من منظور هؤلاء المخرجين والنقاد، مجرد صناعة وإنتاج فني. أما الهوية و الثقافة العربية فمغيبة. وعند بعضهم، مقرونة بالتخلف، أو يتم النظر إليه كشيء لا يبعث على الإعتزاز. وينقلب الخطاب في هذه الأفلام والكتابات النقدية، ليلغي تماما ذاتية المخاطب. هكذا أخضعت أزمة التوزيع و ضيق الأفق، بعض الأدمغة للغسيل. وحلت جودة الصناعة السينمائية، محل الهوية، ومحلية الصناعة، في الوصول إلى العالمية.
إذا إعتمدنا الانتشار العالمي كمقياس للعالمية، حسب الوضع القائم في العالم، وحسب ما فرضته سلطة النموذج الهوليوودي من وقائع على الارض، فإننا نلغي البعد الثقافي بكل ما يحمله من قيم التعارف والتعايش الإنساني بين المجتمعات. وهذا التصور زاد أزمة السينما العربية إستفحالا.
الفيلم العربي يصبح عالميا عندما تكون لديه الرغبة في تعريف العالم بالثقافة العربية. أي أن يخاطب صانع الفيلم العالم إنطلاقا من ذاتيته كمخاطب بهوية عربية محددة، وفي بعدها الإنساني والكوني. أما القول بأن العالمية مشروطة بالتوزيع العالمي الواسع، فذلك مرتبط بواقع التوزيع السينمائي القائم في العالم. لأن الثقافة العربية، وذاتية المخاطب العربي، «ثابت». بينما واقع التوزيع العالمي، قابل للتغيير، «متحول». وحسب مسار الإنتاج السينمائي العربي، وما أفرزه من أفلام لكبار المخرجين في الوطن العربي، لا يمكن الحديث عن السينما العربية العالمية، من منظور (العالمية هي الإنتشار) إلا في حدود ضيقة جدا وتكاد تكون منعدمة. وتبقى بعيدة كل البعد عن القدرة على نشر الثقافة العربية في العالم. لكنها وحسب الواقع الذي فرضه النموذج الامريكي من إكتساح للقاعات السينمائية في العالم، فهي أفلام عالمية. ومن الغباء أن ننتظر أية جهة في العالم لتقر أن هذه الأفلام عالمية.
حسب موقع ويكيبيديا، فإن الافلام الاربعين الحاصلة على أكبر إيرادات (أكثر أنتشارا) في تاريخ السينما كلها، كلها أفلام أمريكية. أما باقي بلدان العالم، فتأتي حصتها بعد هذه الأربعين فيلما. وإذا وضعنا أمامنا مئة فيلم الأكثر تحقيقا للإيرادات في تاريخ السينما. و نزعنا منها الأربعين الأولى الأمريكية. كم حصة السينما الأمريكية من الستين؟ و كم حصة سينما باقي البلدان الغربية وهي سينما عتيدة، وكم هي الحصة التي ستبقى لباقي دول العالم؟ مع العلم أن السينما الهندية مثلا تنتج نحو 2000 فيلما في السنة، و منتشرة في العديد من بلدان العالم. وكم هي حصة البلدان العربية من هذه الحصة؟ (…!!). من هذه المعطيات، يمكن أن نتصور مدى محدودية عالمية السينما العربية. حسب منظور العالمية هي الإنتشار العالمي.
لدينا في السينما العربية فيلمان عربيان يمكن إعتبارهما فيلمان عالميان بكل المقاييس. فقد حظيا بتوزيع وإنتشار عالمي، وعرفا فعليا بالثقافة العربية. والأهم من كل هذا، أنهما أثرا في الجمهور السينمائي العربي بشكل لا مثيل له على مدى تاريخ السينما العربية. وهما الرسالة 1976 وعمر المختار 1981.
صحيح أن الفيلمان من نوع الإنتاج الضخم. لكن هذا ليس سر نجاحهما.لأن نجاح الفيلم يكون بجودة الصنع، والقدرة على التعبير والتأثير. وليس بضخامة الإنتاج. وفي الوطن العربي مواهب سينمائية كبيرة في الإبداع والتعبير، قدمت أفلاما ذات قيمة فنية عالية على المستوى التعبيري. رغم أنها لم تكن لديها القدرة الكبيرة على التأثير. وفيه من المواهب في التمثيل ما يمكن أن يضاهي أو يتفوق على العديد من نجوم السينما في العالم، وعندما شاهدت النسخة الإنجليزية لفيلم الرسالة، فوجئت بالتفوق الواضح للممثلين العرب في النسخة العربية التي شاهدتها سابقا، على الممثلين الاجانب في النسخة الإنجليزية. و لاحظت أن قدرة الممثل على التأثير في المشاهد، يستمدها من المخرج و إدارته للممثل. ولا أرى أن بطل الفيلم عبد الله غيث، يقل لمعانا عن كبار نجوم هوليوود، بما فيهم مارلون براندو أو دجون واين. ويمكن أن أقول أن أداء عبد الله غيث في الفيلم، اكثر لمعانا و تأثيرا مما شاهدته من أفلام لكبار الممثلين الاوروبيين ك جان پول بيلموندو وألان دولون ومارتشيلو ماستروياني. وفي الوطن العربي من الأموال ما يمكن به انتاج مثل هذه الأفلام. لكن باستثناء الرسالة و عمر المختار، لم تستطع السينما العربية أن تنتج أفلاما على نفس القدر من التأثير. والشيء إذا زاد عن حده، إنقلب إلى ضده. عندما فقدت السينما الجادة و الجيدة قدرتها على التأثير، أصبحت سينما الميلودراما ودغدغة العواطف والعقليات المراهقة، (سينما المقاولات) تتربع على عرش التوزيع والانتشار في الوطن العربي، وتستقطب المشاهدين أكثر بكثير من الأفلام الجادة و الجيدة.
من يريد أن يعرف سر نجاح وتفوق الرسالة وعمر المختار، سيجده في هوليوود. ومن يعرف حقيقة هوليوود، يعرف أين تكمن تحديدا تلك القدرة على إثارة وجذب المشاهد. وفيلما الرسالة وعمر المختار، هما في الحقيقة، إستثمار عربي للنموذج الهوليوودي والاسلوب السينمائي الهوليوودي, وتوظيفه لتحقيق مصالح سينمائية عربية . فالمخرج والمنتج مصطفى العقاد. درس السينما في الولايات المتحدة الأمريكية. وانطوني كوين امريكي. والطاقم الذي اشتغل مع العقاد، متعدد الجنسيات و معضمها أمريكي. وتحدث العقاد عن أصدقاء له من الموزعين العالميين. والاهم من هذا، إستثمار الأسلوب الهوليوودي. بحيث تم اختيار شخصية حمزة كشخصية رئيسية في فيلم الرسالة، لما له من قوة الشخصية والحضور (القدرة على التأثير). وأضفت عليها الكتابة السينمائية الكثير من الجاذبية والإثارة. وتم توظيف الرسول ص، كخلفية يستمد منها الفيلم القوة الأخلاقية والروحية لرسالة الفيلم. أما فيلم عمر المختار، فبنيت رسالته على الموقف الأخلاقي للمقاومة الليبية ضد الإستعمار الايطالي، بقيادة عمر المختار. فبطلنا في الفيلم لم يكن شابا قوي البنية الجسدية أو وسيم الوجه. بل شيخا بزي بدوي ليبي وهو مجرد لحاف يلفه على جسده. استمد الفيلم قوته في الإثارة والتأثير من ذلك الموقف الأخلاقي. فهو بطل حقيقي لأن ذلك بني على ذلك الموقف. أما تلك الشكليات: الوجه والزي، فتتوارى خلف الموقف.
بعيدا عن الخطابات الرومنطيقية العدائية لهوليوود، علينا أن نكون واقعيين و نسأل: كيف اكتسح النموذج الهوليوودي القاعات السينمائية وشاشات العالم؟
منذ أن غزى الرجل الأبيض أرض ما يسمى الآن بالولايات المتحدة الأمريكية. وذلك الإحساس بالتفوق والانتصار والبطولة، يسيطر على شعور وخيال الرجل الأبيض هناك. وبالإعلام والسينما، ومختلف وسائل التواصل الجماهيري، إستطاعت هوليوود والإعلام الأمريكي تغليف تاريخ طويل حافل بعنصرية الرجل الأبيض تجاه الآخر: الهنود الحمر أحيانا ودووا الأصول الإفريقية أحيانا أخرى. و اللاتينيين وغيرهم. وكيفت تلك الصورة بالشكل الذي يتوائم مع المصالح الأمريكية. بالمقابل، رسخت في أذهاننا صورة الساكن الاصلي وما يسمى بالهندي الاحمر مثلا، على أنه الرجل المنطوي في غموضه على وحشية قاسية جداً. وأحيانا صورة شبح لا نراه، وإنما نرى ما تركه من وحشية عندما يغزو مساكن البيض «الطيبين المتحضرين».وأحيانا صورة قبائل من الهمج البدائيين الفتاكين بلا رحمة. وانتقلت صورة الرجل الأبيض القوي الشخصية المنتصر والمتفوق بموقفه «الأخلاقي» إلى شاشة السينما لسرد حكاياته البطولية. وللتبرير ذلك الموقف، كانت الكتابة السينمائية للفيلم الهوليوودي،تركز كثيرا على «معانات» البيض من غزوات الهنود الحمر.
وبما أن السينما لا تؤمن بالتاريخ، وإنما بقوة الخطاب السينمائي. إستطاعت هوليوود مع توالي الأفلام، أن تغير جلد خطابها السينمائي، وتغلف تلك الصورة الجبروتية اللا إنسانية، المتمثلة في إلغاء السكان الأصليين وثقافتهم. بصورة جبروت آخر مفعمة بعظمة البطل الأمريكي المهيب راعي البقر.
مع تغير صيرورة الخطاب الهوليوودي، لم يعد الهندي الأحمر خصمه وعدوه، وحل محله بنو جلدته من الاشرار. فيلم: الرجل الذي قتل ليبيرتي فالاتس. لدجون فورد. وأحيانا المكسيكي. فيلم: المرتزقة السبعة. لدجون ستردجيس. والعصابة المتوحشة. لسام بيكنباه. الطيب، البدائي، والشرير. لسيرجيو ليوني.
بسينما الويسترن، إستطاعت السينما الأمريكية أن تحقق نوعا سينمائيا خاصا بها، لا يمكن أن يكون له مثيل في العالم. لأنه منبثق من الخصوصيات الأمريكية. ومن التاريخ والجغرافيا الامريكيين. وحقق هذا النوع السينمائي لمعانا وشهرة وقدرة كبيرة على التأثير وألهب خيال وحلم المشاهدين في العالم، ما لم تحققه أية سينما واية نوعية سينمائية أخرى في العالم. بل أصبح نموذجا يقلد (سينما الويسترن سپاغيتي في إيطاليا). وتطور هذا التقليد فاحتوته هوليوود وضمته.
لم يستمد فيلم الويسترن تلك الإثارة والتأثير، من الهيبة المحاطة بشخصية البطل في الفيلم فقط، بل أيضا من الخصوصيات الجمالية للعناصر الظاهرة على الشاشة: زي و لباس الكوبوي. المسدس والبندقية. الحصان. الديكور والعمران… وقدمت السينما الأمريكية العديد من أفلام الويسترن. وبرز في هذا النوع العديد من المخرجين الأمريكيين. ومن نجوم التمثيل. لكن كانت أفلام المخرج دجون فورد مع الممثل دجون واين. هي الأبرز والأكثر عمقا.
بهذا النوع السينمائي، إستطاعت هوليوود مند سنة 1903، أن تتميز عن باقي سينمات العالم وتتفوق عليها. حيت تم آنذاك انتاج اول فيلم الويسترن. وبناء على هذا النوع، أخذت تؤسس لأنواع سينمائية أخرى. وتزايد إنتشارها وهيمنتها في العالم، إلى درجة أن بعض الإحصائيات تفيد بأن 90 بالمئة مما يعرض في القاعات السينمائية في العالم، هي أفلام أمريكية. مما يعني أن العشرة بالمائة تتقاسمها باقي دول العالم. ويمكن أن نتخيل كم هي حصة الدول الغربية من العشرة بالمئة؟ مع العلم أن فرنسا تنتج أكثر من 200 فيلم في السنة. وهي صاحبة ثاني أكبر إيرادات سينمائية في العالم بعد هوليوود. رغم أن الهند تنتج 2000 فيلم في السنة. ولنا أن نسأل، كم هي حصة البلدان الأخرى في العالم؟ وكم يتبقى للأفلام العربية من الإنتشار العالمي؟
سر هيمنة السينما الأمريكية واكتساحها للعالم، يكمن في أضفائها صفة البطولة الحقيقية على البطل، منذ بداية السينما. الشيء الذي لم تقم به أية سينما في العالم، ماعدا السينما الفرنسية، وهكذا برز بعض نجومها في التمثيل: جان غابان جان پول بيلموندو وألان دولون وإلى حد ما ايڤ مونتان. لكنها لم تستطع مقاومة المد والهيمنة الامريكية الكاسحة، لأن البطل الفرنسي تظهر عليه بعض النواقص على الشاشة. وبخلافه كان البطل الأمريكي مكتملا في صفات شخصيته وليس فيه نقص. يصل إلى ما يريد ولا يهاب أحدا. لانه متوازن نفسيا تماما. واتق من نفسه كل الوثوق. كل هذه الصفات وغيرها، هي استجابة للنقص النفسي الذي يعاني منه المشاهد في العالم. ومشاهدة البطل الأمريكي على الشاشة بتلك الصفات التي لا تجتمع إلى في الخيال، يحقق تلذذا لدى المشاهد. لأنه استجابة لذلك النقص النفسي. هكذا حققت هوليوود نموذجها السينمائي بنجوم لامعين. ابتداء من دجون واين وكاري كوبر وكلارك غيبل ومارلون براندو وكلينت ايستوود وشون كونري وبول نيومان وروبرت ريدفورد وتشارلز برونسون وروبرت دونيرو وحتى براد بيت وليونارد ديكابريو…
كيف استثمر المخرج مصطفى العقاد الاسلوب والنموذج الهوليووديين؟
سر قوة حضور فيلمي الرسالة وعمر المختار في الشاشة العربية، يكمن تحديدا في قدرة البطل على ملإ الشاشة وجذب عين المشاهد وأسرها، ف شخصية حمزة في الرسالة، لم يظهر عليها أي نقص. وكذلك على عمر المختار في فيلم عمر المختار.رغم أنه كان يعاني من ظلم الاستعمار، إلا أن المخرج بمخيلته استطاع أن يغطي على ذلك النقص. بل جعل المعانات تقوي الموقف الأخلاقي للبطل، دون أن ينحرف الفيلم عن الواقعية. وهذ هو سر قوة الفيلم. وقدرته على التأثير. وكان مشهد قدوم حمزة إلى الكعبة، في فيلم الرسالة، لإنصاف الرسول ص وأصحابه، وخاصة تحديه لأبي الحكم (ابو جهل) وإسقاطه أرضا، أكثر المشاهد إثارة وجاذبية في تاريخ السينما العربية كلها. لأنها تلبي رغبتنا المكبوتة في نفسيتنا كمشاهدين عربا ومسلمين. وتشفي غليلنا البصري. الذي لطالما حلمنا به عندما كنا نشاهد الأفلام المستوردة.
أنجزت السينما العربية العديد من الأفلام التي تجاوزت المحلية، وتتوق إلى الانتشار العالمي. لكن الهيمنة المهولة للسينما الأمريكية على الشاشات في العالم، والتي تصل الى 90 في المئة. ترك باقي سينمات العالم تتصارع على العشرة بالمئة. وبدون التدقيق في الحساب، لن يكون من نصيب السينما العربية إلا أقل بكثير من 1 بالمئة من التوزيع والانتشار العالميين. ومقارنة فيلم رامبو بفيلم مذكرات سنوات الجمر. يعبر بوضوح عن هذه الحقيقة المرة. والآن يصعب التفكير في سينما عربية عالمية الانتشار، إلى درجة تفوق التصور.
هذه الصعوبة خلقت حالة إحباط في مجال الإبداع السينمائي العربي. وأخضعته لمجموعة من التصورات التي لا يمكن وصفها إلا بالهروب من الواقع، في أحسن حالاتها، وبالمازوشية في أسوئها، بحثا عن «الإعتراف» من المهرجانات الدولية وجوائزها، خاصة عندما يتم تسويق التخلف وصوره الغرائبية، أو أفلام تعتبر بكل جرأة ووضوح أن ثقافتنا هي سبب تخلفنا.
هذه الحقائق المرة، ليس أمامنا سوى مواجهتها بواقعية. وعلينا أن نبدأ من معرفة هوليوود وكيف جذبت المشاهد العربي، وهيمنت على القاعات السينمائية العربية؟ وعلى السينمائي العربي، أن يعيد النظر في الكتابة السينمائية لفيلمه القادم. وقبل أن يضع الحرف الأول، أن يسأل كيف ينجح في إعطاء المشاهد المحلي قيمته، و كيف يحقق رغبته في فيلمه؟ على أن تكون رغبة تجنح بخياله إلى الحلم و تفتح شهيته للحياة، ولآفاق مستقبلية أفضل. لتغيير واقعه، وليس الإغراق في الواقعية السينمائية وإستعراض قسوة الواقع (التخلف) كذريعة. وانجاز أفلام يصد عنها، ويذهب إلى أفلام هوليوودية أبعد ما تكون عن الواقع ك سوبرمان و سبيدرمان وأفاتار… فبدون تحرير السوق السينمائي العربي من الهيمنة الهوليودية، لا عالمية ولا هم يحزنون. لأن العالمية تأتي ولا يؤتى إليها.


الكاتب : محمد الحجلي

  

بتاريخ : 02/04/2022