1/ أزمة مفهوم :
لازالت السينما المغربية تعاني الكثير من المآسي التي تعرقل خطو تقدمها من جهة ومن أخرى تبين للجميع أنها تعيش أزمة مفهوم عميقة . يمكن إثبات أعمق هذه المآسي من خلال مجموعات اللجان التي يسهر على تعيينها في أغلب الأحيان رجال و نساء مكلفون بالتدبير الإداري للمصالح الفنية السينمائية، حيث يجعل عدم الفهم السليم للتعريف السينمائي مجموعة كبيرة من الأشخاص المنتسبين لهذه المصالح رؤساء للفنانين و مسؤولين على إعداد كل برامجهم الفنية، والتدخل في تقييم موضوعية ملفاتهم التي يتقدمون بها و أحيانا تقييم الفنان نفسه .
إننا لازلنا بعد لم نستوعب المفهوم الحقيقي للفن السينمائي ، طالما لا نتعامل مع الناقد السينمائي ، طالما لا نتعامل مع الكاتب السينمائي ، طالما لا نهتم بالفنان السينمائي المؤهل موهبة و تكوينا ، طالما لم نلجم صلاحيات بعض المتدخلين في حلقات المنظومة السينمائية الخاصة بكل عمل على حدة و منهم المنتجين و المخرجين، طالما نعهد بالموظف الإداري داخل المصلحة السينمائية بإعداد البرامج و المشاريع الفنية و الوقوف على تعيين لجانها و فقراتها .
و قد نوقش الموضوع بإسهاب من خلال كتب سينمائية ومقالات ولقاءات متعددة مع نقاد و كتاب و ممارسين ، لكن يغيب تفعيل كل المفاهيم السليمة للمجال أمام غياب الممارس الحقيقي عن دائرة التسيير الإداري ، و اقتصارهم على تأسيس هيئات و غرف تتشكل من خلال جمعيات و اتحادات لا تؤثر في إصلاح المنظومة شيء.
تتخرج مجموعة مهمة من الشباب كل سنة و قد درست و غذت روحها و صقلت موهبتها داخل المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي و باقي المعاهد و المدارس الفنية الأخرى ، منتهيا بها المطاف للبطالة، تنتظر من يوفر لها فرصة عمل في التمثيل ، والقليل منهم من يستطيع الانخراط في التدبير الإداري لبعض المؤسسات الفنية و المصالح الثقافية المهتمة بالثقافة و الفن و الفنان ، كما هي الفئة القليلة التي تنهج أسلوب عمل مضن من أجل رسم صفة مخرج أو بالأحرى خلق فرصة دعم تحت رعاية شركة إنتاج شخصية أو غيرها، ناهيك عن الاختفاء الكامل للاعتراف بالتفاعل المباشر مع الكاتب أو السيناريست بالتعريف السينمائي التلفزيوني .
أين سنضع خريجي هذه المعاهد إن لم نشكل منهم لبنات التدبير الإداري بالقطاع الفني برمته دون استيراد موظفين إداريين لا يفهمون في الفن عامة و السينما خاصة إلا من خلال تجربتهم الإدارية التي يكتسبونها داخل المؤسسات و المعاهد واحتكاكهم المباشر بالفنان.
سبق و أن راج حديثنا عن تدبير رئاسة المصالح الفنية و تساءلنا عن حظوظ دكاترة فنانينا و فناناتنا من الانخراط في تحمل مسؤوليات مصالحنا الإدارية و التكوينية ، وكان أن تنفسنا الصعداء مع بعض التعيينات التي جعلت على بعض المصالح التكوينية والأخرى المهتمة بدور العرض كالمسارح ، و فرحنا كثيرا لرئاسة المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي للفنانة لطيفة أحرار كما هو الشأن للفنان حكيم بلعباس على رأس المعهد العالي لمهن السمعي البصري ، إذ اعتبرناها خطوة إيجابية يمكنها الارتقاء بالمشهد الوطني الفني ، لأننا نؤمن بالمكانة الأكاديمية لفنانينا و تكوينهم، كما نؤمن بضرورة تأمين كراسي العمل لجميع خرجي معاهدنا ليس فقط على مستوى الممارسة الفنية و إنما تمكينهم من الممارسة الإدارية رؤساء و مرؤوسين على صعيد مختلف مصالح و مكاتب المؤسسات الثقافية و الفنية، ولو بتخصيص نسب معينة لقبول ملفاتهم أمام فتح المجال لعموم المترشحين .
2/ تهميش الكتاب الفني / السينمائي و عدم التفاعل معه كقيمة مضافة للمشهد السينمائي:
تساءلنا مرارا حول مدى أهمية الكتاب السينمائي الذي يعالج الموضوع من كل جوانبه ، و الذي أصبح يغني خزانتنا الفنية باستمرار، يسهر عليه كتاب نقاد و ممارسون ، منهم من يشتغل على التوثيق و التأريخ ، ومنهم من يسهر على تقديم قراءات تحليلية ، أو تجديد لبعض المواقف و تعريف بالمهمش منها و توضيح لبعض المرتكزات السليمة لتطوير المشهد السينمائي ،وغيابه داخل خزانة المعاهد ليتعرف عليه المتكون، كما لا نجد له مكانا مناسبا داخل مختلف البرامج الوطنية لتخلق له رواجا تعريفيا لدى الجميع . هذا ما لا ينتبه إليه القيمون الإداريون ويهملونه أو يستصغرون دوره في إغناء البرامج و المشاريع الفنية الوطنية التي تعلنها مؤسساتنا الفنية العليا .
يعد الكتاب السينمائي مرجعا أساسيا في تخصيب الرؤى الإيجابية الداعية و الداعمة للنمو المزدهر و الهادف للسينما المغربية و العالمية موضوعا و شكلا ، لما يحمله من مناقشة و دراسة متعددة المناكب لكل ما له علاقة بالفن سينمائيا والتلفزيوني، خاصة و أنه يوضع بالأساس رهن إشارة هذه الفئة الفنية دون غيرها من عموم الناس و القراء . تعد الخزانات الوطنية إلى جانب خزانة المعاهد والمدارس والإدارة المعنية أنسب أرشيف لحفظ الكتب الفنية، و ما نشهده من توزيع بين الأشخاص يدا بيد، خاصة ما يعنينا من كتب فنية/سينمائية لا يمكنه تعمير الكتاب لمدة أطول ، فقد يفنى قبل صاحبه و لم يبق له أثر. وإذا لم يعمم و يوضع رهن إشارة الطالب فكيف سيكون له حضور؟، و ترويج لأفكاره و مشاريعه الفنية المتجددة خاصة مع بعض الكتب التي تحمل مشاريع تجتهد في طرح الإشكال و البحث عن الحل المناسب ، متدخلة بقصد تجديد المفاهيم و تطويرها وفق ما يناسب الوضع الحالي للسينما انطلاقا من المجتمع المحتضن ، فكما قيل سابقا عند الشعراء : الشاعر ابن بيئته فكذلك السينمائي لابد أن نقرأ هويته من خلال فيلمه . لابد كذلك أن نلمس هوية الفيلم الخاصة داخل هوية السينما العامة/ الشاملة ، لأن السينما عالمية/كونية فيما الفيلم يحمل بين طياته ما يحيلنا على مجتمع بإطار زمكاني معين.
3/ إشكال تعيين اللجان بالسينما المغربية بين مطرقة التدبير الإداري و سندان صمت الممارس:
إن تعيين اللجان من أكبر المهام أهمية، إذ تعتبر اللجنة المحور الأساس في تدبير البرامج إذا تعلق الأمر بمهمة إدارية موازية للمهام المؤسساتية، أوفي تقييم مشاركات المسابقات ضمن برامج المهرجانات . لذلك وجب تعيين اللجان من داخل الحقل الفني ، لأنهم الأعرف بتفاصيل و ضوابط الميدان صغيرها وكبيرها، وكل خروج عن هذا الخط يؤدي حتما إلى ضعف في النتائج .
ليس من المعقول أن نعين شخصا ينتمي لمجال معين ضمن لجن فنية تنظر في تقييم أعمال سينمائية بقصد توزيع دعم ، أو تقييم ملفات تحمل مشاريع فنية متنوعة أو السهر على منح بطائق ، أو أحيانا كثيرة على رأس لجان تعني بترتيب أفلام سينمائية و توزيع جوائز من داخل برامج المهرجانات . ليس لهذا التعيين مبررا ، لأن هذا الشخص سيحتكم في تقييمه إلى رغبته الشخصية و سوف لن يعتمد على الضابط الفني الذي يمكننا من وضع الأفلام في خانات تراتبية . و هذا ما نلمسه مع كثير من لجان تحكيم مسابقات المهرجانات السينمائية التي يغيب منظموها معايير ترشيح أعضاء لجانها و تسند الأمر لأشخاص بعيدين عن الميدان الفني مما ينتج فسادا بقصد أو بغيره ، لكن يعود سلبا على المنظومة برمتها و يشوه الصورة الحقيقية التي من الواجب أن نرى عليها مشهدنا السينمائي : مؤسسة ، فيلما ، جمهورا ، و ممارسا .
إن التدبير الإداري للمؤسسة السينمائية، و الذي كما سلفت الإشارة يسهر عليه إداريون لم يتخرجوا من المعاهد الفنية المختصة ، بل هم موظفون مستوردون / وافدون من قطاعات إدارية و بالتالي لا يمكنهم التفاعل مع كل ما هو فني إلا بما يكتسبونه من تجربة عبر الزمن ، مما يجعلهم عرضة للخطأ . خاصة في تكليفهم أحيانا بتعيين لجان تحكيم فنية حيت تتضخم جسامة الخطأ بتعيين أشخاص مرتكزين على مكانتهم الأكاديمية و أحيانا الاجتماعية .
4/ تقنين شروط تنظيم
المهرجانات السينمائية :
تولي كل الجهات المركزية ، الوصية على الثقافة و الفن ، كمجال يعد ركيزة أساسية في بناء لبنة تطور المجتمعات اهتماما كبيرا ، ويعتبر المهرجان السينمائي ضرورة فنية ملحة ، إذ يسهم في نشر الثقافة السينمائية عبر فعاليات و برامج متعددة و متجددة عبر العالم . يتهافت عليه الفنانون كل من خانته المناسبة ، و يفتخر الجميع بحضوره و مواكبة أنشطته ، بل أصبح قاعة مهمة للعرض و الترويج للأفلام و مدرجا علميا و فكريا للدراسة و التحليل و التكوين ، حيث تلتقي حلقات المنظومة السينمائية على كرسي واحد.
من بين العلل التي ينبغي محاربتها من طرف الإدارة السينمائية ، و التي في مواجهتها جزء مهم من إنجاح خطوات التقدم و الازدهار السينمائي المغربي هو تقليص صلاحيات تنظيم التظاهرات و المهرجانات السينمائية من طرف جمعيات و أندية المجتمع المدني التي يقودها أشخاص لا تجمعهم صلة بالفن، إذ يؤدي ذلك إلى تضخيم الكم دون الكيف ، هذا يؤثر سلبا على صورة المهرجان السينمائي و يخلق تنافسا مريبا من طرف أشخاص بعيدين عن المجال مما يحدث ارتباكا في التنظيم ، كما يعود بالمهرجان السينمائي إلى ما يماثل صبحيات و أمسيات الأطفال بدور الشباب و مراكز المخيمات و الإيواء ، و كما هي احتفالات التلاميذ بمختلف المناسبات .
و لكي نعيش أجواء حقيقية لأي مهرجان سينمائي ، بأهدافه و أبعاده الرامية إلى المشاركة في تطوير عجلة النمو السينمائي الوطني، يجب أن نقنن شروط تنظيمه خاصة على مستوى الأشخاص القائمين عليه ، و إذا كان الأمر يمنح حق التنظيم للجميع فلابد من اللجنة المنظمة غير المستوفية للشروط الفنية الخاصة بكل عضو أن توظف مديرا من داخل الحقل الفني حتى يغني برنامجها بما يناسب الفن و السينما خصوصا . ولعله الحل الأنسب للخروج من عنق زجاجة إشكال المهرجان السينمائي المغربي المصنف في المرتبة الثالثة و ما يليها . و ما هذا الترتيب إلا فصل بين نوعين من المهرجانات : مهرجانات سامية و أخرى عادية ، و ليس هناك أخرى ثالثة .
يعد المهرجان السينمائي الدولي بمراكش أهم المهرجانات المغربية لما يحمله من إشعاع عالمي ، إذ أصبح قبلة سينمائية عالمية بمقاييس عالية ، ثم يليه المهرجان الوطني بطنجة قبلة الفنانين المغاربة و شاشة الفيلم السينمائي المغربي بكل أصنافه ، إذا كان مهرجان مراكش يتشكل من خلال المفهوم الشامل / الكوني للسينما ، فمهرجان طنجة يحافظ على الهوية الموسعة للسينما لكن بتيمة مغربية محضة . ثم باقي المهرجانات التي تشتغل في مجملها على فعاليات تقليدية لا تخلو من برنامج أي منها، فقط ما يميزها من تيمات و شعارات موازية تحدد مواضيعها ونوعية أفلامها و رؤى إخراجية متفاوتة الجودة حسب القيمة المادية الموضوعة رهن إشارة كل منها.