الشاعر السوري أدونيس.. يحتفي بمدينة بطنجة المغربية

طنجة: مدينة لا تشبه
إلا نفسها

لا شكّ أن بعض المدن في هذا العالم لا تشبه غيرها، ولا تُقاس بسواها. فهي ليست مجرّد عمرانٍ وأزقةٍ وأبنيةٍ، بل روح تسكن الأرض وتغري الشعراء بالبوح. من بين هذه المدن الفريدة، تبرز طنجة المغربية، مدينة تتزيّا بالسحر والغموض، وتفتح ذراعيها لكل مبدع يعبر عتباتها.
إنها ليست فقط ملهمة للرحّالة، بل محفّزة للكتّاب، وخاصةً الشعراء الذين يكتشفون فيها ما لا يُقال ولا يُرى إلا بعين القصيدة. ومن بين هؤلاء، الشاعر السوري أدونيس، الذي جعل من طنجة عنوانًا لديوانه الفريد: دفتر مقابسات في أحوال طنجيس ومقاماتها.
*طنجة كأرضية شعرية منفتحة على التاريخ والإنسان
في هذا الديوان، يتخذ أدونيس من طنجة مرآةً لرؤيته الشعرية، فيعود إلى طنجة التاريخ، وطنجة ابن بطوطة، تلك المدينة التي عبرت العصور واحتضنت الحضارات. ثم ينتقل إلى طنجة القرن الماضي، المدينة التي كانت ملتقى الكتّاب والرحالة والمجانين الجميلين، والبوهيميين، تلك التي كتبها محمد شكري وعاشها بكل تناقضاتها.
يتأمل الشاعر مآثر المدينة، ويتوغّل في أزمتها الحديثة، حيث الإنسان الجديد، الممزق بين الحياة والموت، بين الجمال والانكسار. لا يكتفي أدونيس بوصف المدينة، بل يجعل منها فضاءً لطرح أسئلة حارقة عن الوجود، عن اختفاء المعنى، وعن تحوّل الحياة إلى موت مؤجل.

خاتمة: حين يُنقذ الفن الإنسان من السقوط

ديوان دفتر مقابسات ليس فقط احتفاءً بمدينة، بل أيضًا مرآة لأزمتها ولأزمة الكائن المعاصر فيها. فكما يكتب أدونيس عن طنجة، يكتب أيضًا عن هشاشتنا كبشر، وعن عبث هذا الزمن، وعن الحاجة الملحّة للفن، لأنه وحده ما يُعيد للإنسان إنسانيته.
إن طنجة، في هذا الكتاب، تتحوّل من مدينة إلى فكرة، من جغرافيا إلى سؤال شعري مفتوح على كل الاحتمالات.
ومن خلال الديوان نكتشف الشاعر أنه لا يُمجّد طنجة بقدر ما يُصغي إلى أنينها، يرسم ملامح أزمتها، ويتأمل مفارقتها الوجودية. طنجة، كما يرسمها الشاعر، ليست فقط مدينة ضائعة بين البحر والجبال، بل مدينة ضائعة بين الأمس واليوم، بين الحضور والغياب، بين الحنين والخذلان.
ومع ذلك، يظل الفنّ ــ كما يرى أدونيس ــ هو السبيل الوحيد لإنقاذ الإنسان من سقوطه الكبير، هو اللغة التي تذكّره بأنه كائن هشّ وجميل في آن، وأن لا خلاص له إلا بالشعر، ولا وطن إلا في الكلمة.


الكاتب : إلياس الخطابي

  

بتاريخ : 29/07/2025