الشاعر عاطف معاوية .. بين البحر والقصيدة

طفل لا يريد أن يكبر، يحب البحر وتسكنه القرية والقصيدة. «يد طويلة تخلع الكلام « أول ديوان له كان يدا طويلة مليئة بالألم والأوجاع، «أجراس متوسطية» ثاني تجاربه الشعرية، كان تجربة لإجراء التعديلات والنقد الذاتي لنصه الشعري، وديوانه القادم لا يراهن عليه، بل يتريث كثيرا فيه حتى لا يبتلعه تنين التكرار. في هذا الحوار، يجيب ابن قرية الصيادين، عاطف معاوية، عن البحر وما فيه من موج وكلام، عن القصيدة الجديدة، عن رهانات المهرجان المتوسطي للشعر المضيق.

p شكرا جزيلا على قبول الدعوة. بداية كيف تقدم نفسك للقراء؟

n مرحبا إلياس، ولأن كلمة البداية توجد في السؤال، فمن البداية دائما لا أحب هذا السؤال، لا أعرف صراحة أن أعرّف عن نفسي، سأختصر، طفل لا يريد أن يكبر، يحب البحر تسكنه القرية والقصيدة، طفل يبلغ من العمر 31 عام، ولد هنا على البحر، شمال المغرب، أحب الحياة والشعر الذي يسع الكرة الأرضية، ونشيد البحر وما يقوله هذا الساحل الطويل المتوسطي من موج وكلام.

p لا شك أن لكل مبدع ذكرى خاصة مع بداياته في الكتابة. ما الشرارة الأولى التي جعلتك تكتب الشعر؟

n لم تكن شرارة واحدة، بل هي شرارات، وأيضا هي ذكريات متعددة، لا أذكر حقيقة ما الشرارة التي جعلتني أكتب الشعر، لأنها كما قلت متعددة، لكن أذكر أن قراءتي لقصائد لوركا جعلتني أبحث أكثر عن النصوص الشعرية والدواوين، لأن تلك القصائد أغنت المنظور الجمالي لدي وقدمت لي بالتقسيط شعراء لازلت أقرأ لهم وأتعلم منهم. ومع الوقت بدأت تلك القراءات تكسبني حاسة النقد الذاتي لما أكتبه، واعتبر دائما أنني في مراهقتي الشعرية، والشرارات إلى يومنا هذا لازالت موجودة وتأتي بفترات وبتجارب مختلفة. لكن أعتبر ما جعلني أكتب الشعر وأعرفه تلك الأنشطة الثقافية التي كنا نشترك فيها في مرحلة الإعدادي.

p فزت بجائزة مهمة في مصر عن ديوانك، يد طويلة تخلع الكلام، ماذا تعني لك الجائزة؟

إذا قلت لك أن الديوان هو من يعني لي أكثر من الجائزة.
الديوان كان تجربة عشتها بألم شديد وحزن وحالة أتمنى أن لا تتكرر معي، كانت حقا يدا طويلة مليئة بالألم والأوجاع، لهذا الديوان بكل قصائده يعني لي الكثير.
لكن لا أنكر أن الجائزة ساهمت وبشكل كبير في نشأة صفة الشاعر، ولعبت دورا مهما في حياتي، لولاها لما كنت سأنشر قصائدي، كانت بالنسبة لي امتحانا لما أكتبه، هل ما أكتبه شعر يستحق أن أشاركه مع القارئ، ولو أن الديوان عبارة عن قصائد مراهقة شخصية وشعرية.
لهذا أن ممتن للجائزة، التي فتحت لهذا الطفل نافذة فرح، منحتني ولادة شعرية، ولادة مشروعي الشعري إن صح القول. لهذا اليد الطويلة ستبقى طويلة تخلع الكلام بداخلي لأكتبه

p أجراس متوسطية، هذا الديوان أعجب به الكثير. ما السر في كتاباتك وصوتك الشعري؟

n مجموعتي الشعرية» أجراس متوسطية»، كانت تجربة أو إطلالة أخرى، أعتبر «أجراس متوسطية» تجربة التعديلات والنقد الذاتي لنصي، كانت نظرة أخرى ولو عمرها قصير مقارنة بالديوان الأول، إلا أن الأجراس كانت ولادة وشرارة أخرى متعددة الثيمات والمواضيع.
كانت تجربة صعبة بالنسبة لي، فيها انتباه واضح وعمل على عدم تكرار نفسي، واجتهاد على أن أفتح القصيدة أكثر على لغةٍ يمكنني منها أن أحل مأزق مراهقة القصيدة من العيوب التي نقرأها كثيرا أو نمارسها في قصائد أخرى.
كانت محاولة ومغامرة وفرصة للإجابة عن أسئلتي التي دائما تقلقني، وأيضا لتصحيح أشياء كثيرة من الصوت الذي عرفه القارئ في نصوصي الأولى.
السر هو أن على الشاعر أن يراجع نفسه تجاه قصائده وأن يكون ديكتاتوريا مع ما يكتبه وما يقرأه، وأن يحذف إن أتيح له الحذف، أن يكون واقعيا مع نصه ومع صوته ومشروعه الشعري، وأن يقرأ الكثير الكثير من الشعر من الكتب.

p كيف ترى مفهوم الشعر الجديد في المغرب اليوم؟

n أرى أن مفهوم الشعر الجديد في المغرب اليوم، يخطو خطوة للأمام، وهذا لا يُنكر السابق، القصيدة الجديدة أصبحت تساهم في شق طريق لابد منه، كي نعبر إلى مواضيع وأشياء لابد من مواجهتها بالقصيدة، لهذا أرى أن الشعر الجديد هو الأقرب لكسر هذه الهواجس التي تقلقنا والجميل أيضا فيها هو أنها لا تخطو مع المفهوم التقليدي، بالعكس المفهوم الجديد يصارع الموت والحياة معا ويؤسس علاقة بين القارئ وبين النص عكس ما سبقها، حيث أن الإنسان متجدد دائما ولهذا يجب أن نقدم للقارئ القادم أو الحالي اتجاها ومفهوما جديدا غير مستهلك وغير مستنفذ بل متطور ويكبر بجمالية اللغة والبحث المشبع بقلقه قلق القارئ، أرى أن المفهوم الجديد هو الأكثر اجتماعيا وغير محاصر بالنمطية.

p كيف ترى واقع الشعر اليوم، داخل المغرب وخارجه؟

n واقع الشعر اليوم داخل المغرب وخارجه. سأتحدث هنا كقارئ للشعر، الشعر حقيقة، بخير، بصحة جيدة داخل المغرب هناك أصوات شابة أقرأ لها باندهاش كبير وبحب لما يكتبونه، شعر جميل بمستوى راق ولغة جميلة.
بالمغرب كما بالعالم العربي هناك أصوات تحمل أعباء القصيدة وتجتهد وتقيس أهميتها، كما أصبح الشعر معبرا بصوت جماعي أو فردي في تحقيق الكتابة الشعرية الناضجة، وأيضا في كتابة متمردة على الطقوس وهذا ما يعجبني في الأصوات الشابة أنها تتحرر من كل شيء قديم لتمنح للقصيدة الجديدة نفسا غير مصاب بزكام الخطوط الحمراء، وغير فقير من اللغة، من الصور الشعرية المدهشة والمبدعة من تجربتهم.
الشعر بخير ويبحث عن أسئلة عديدة، قادرة أن تخترق المجهول والنقد المسكون بهاجس المقدس.

p ما الذي يراهن عليه المهرجان المتوسطي للشعر المضيق؟

n منذ الدورة الأولى للمهرجان المتوسطي للشعر بالمضيق، وهو يراهن على خلق إيقاع جسدي بطريقة مختلفة للشعر المتوسطي، هذا المتوسط الذي عبر التاريخ كان مليئا بشعراء وتجارب مختلفة، لهذا يراهن المهرجان على جمع كل هذه التجارب واللغات و الثقافات في كل أبعادها، ومزجها في مكان صغير وهو قرية الصيادين ليصبح البحر اللغة المألوفة وغير العادية، التي تجمعنا بشعراء يتقاسمون أفكارهم ومفرداتهم وإنسانيتهم في فهم لغة المحبة والملوحة التي تشرب من دمنا، وأيضا المهرجان يُعرف بأسماء شابة مغربية وأخرى متوسطية، كما ينفتح على تطوير الذائقة المتلقية واستيعاب وظيفة الشعر خاصة المتوسطي بكل أساطيره ورموزه ولغاته، والجميل في المتوسط أنه غني ومتعدد اللغات والثقافات ويتسع لقصائد مشدودة إلى السؤال، وهذا ما يطمح له المهرجان في كل دورة أن يتلقى الجمهور بالقصائد وبالأسئلة.
وفي الأخير يراهن المهرجان بصفة محلية في خلق مساحة حقيقية للقصيدة في هذه القرية، وجعلها مكانا يؤمن بأن الشعر مرجع مهم كالبحر، لهذا دائما يفتح المهرجان المتوسطي أبوابه للجمهور العام وللمدرسة في ترسيخ ثقافة القصيدة، وتقريبها للناشئة في تعلم الإصغاء والتأمل والتأثر وطرح السؤال، والمهرجان ليس فقط أياما للقصائد بل منظومة أفكار تشمل كل مستويات المجتمع، وهو مشروع مهم في حفظ مكانة الشعر وفي رفع وتجويد الذائقة الشعرية والأدبية بشكل عام.
لهذا دائما هناك اصطدام بالتجارب الشعرية التي تفتح نفسها الشعرية للمهرجان، ولا أشك في أن المهرجان يلعب دورا مهما في تسويق القرية سياحيا وجعلها مكانا إبداعيا ضمن مشهدنا الثقافي: المغربي والمتوسطي.كما حافظ المهرجان على استقلاليته وحضوره المستمر رغم العراقيل، والجميل في المهرجان المتوسطي في السنوات الأخيرة أو الدورات الخمس الأخيرة أن المشرفين والقائمين عليه شباب من هذه القرية، بعد دورات أولى كان يقام بشراكة مع اتحاد كتاب المغرب.

p أخيرا ما مشاريعك الشعرية القادمة؟

n في هذه الأثناء أشتغل على ديواني الثالث، لكن لا أراهن عليه ولا أعد القارئ بشيء، لأنني كسول صراحة في جمع نصوصي، العكس أنني مشغول بالنص كمفرد أو كشيء أخاف منه فعلا، وقلقٌ بشأن هذه الصعوبات التي أصبحت تواجه قصيدتي، بدأ الفراغ ينحت كوسيلة لوجوده داخل صفحتي البيضاء، لهذا أشتغل لوقت كثير على نصوصي، وهذه الأيام أحذف أكثر، وأحتفظ بالقليل، ذلك القليل الذي قد أحذفه أيضا، لكن على العموم أنا الآن أشتغل على ديواني الجديد وببطء شديد وأعتقد أنني سأتأخر لأن في كل مرة أكتشف ما لا أريده، لكنني أحاول وأتمنى أن أنجح أيضا هذه المرة في ألا أسقط في التكرار.


الكاتب : حاوره: إلياس الخطابي

  

بتاريخ : 24/11/2025