كنت أمضي مسرعا، لا يجول في خلدي شيء، غير اتجاهي إلى السوق رأسًا، دون أن يلفت انتباهي شيء غير أرتال السيارات التي تزحم نهر الشارع، فجأة رأيت قامته الطويلة تمتد على مقربة مني، بينما تملأ صفحة وجهه ابتسامة واسعة ، وهو يقول:
ـ هل نسيتني؟
فهتفت في ما يشبه الهلع الذي اهتز له كل كياني:
ـ كلا، ألست عبد الرحيم ؟.
فازدادت ابتسامته اتساعا ، وقد تأكد له وقوعي في مصيدته، في مقابل ما أصبح يطل في داخلي من بوادر شك، لم تسمح لي حتى بمجرد أن أسأل نفسي خفية:
ـ ” هل هو عبد الرحيم حقاً؟”
إذ انتقل بسرعة ليتحدث عن الحادثة التي تعرض لها في المدينة الحدودية القريبة من هذا الثغر الذي أقيم به، وأنه ترك سيارته في مرأب، وليس معه ما يسدد به تكاليف إصلاحها.
كان شكي يكبر، وإن ظلت ملامح الشبيه الذي ادعى هذا الواقف أمامي أنه هو تتباعد وتغيم ، فهو لم يطلب أن أصاحبه إلى بيتي، بل بادرني بأن طلب مني مقدارا من المال ، فأدخلت يدي في جيب سروالي لأخرجها وهي لا تحمل أكثر من مقدار خمسة دراهم ومعها قطعة نصف الدرهم الصغيرة ، قلت له وكأن قوة غيبية تلهمني
ـ هذا كل ما أملك.
فهتف في صوت بين الحشرجة والصراخ الكتيم:
ـ ليس معك حتى مائة درهم؟
كنت أحرك رأسي بالنفي وأنا أبتعد بهدوء ، بينا كان هو يبتعد إلى الوراء ، وقد تأكد لي أنه ليس أكثر من شبيه لصورة صديقي، و ليس هو، وحين صار شكي يتحول إلى يقين ، لم أستطع الالتفات خلفي لأتأكد من معرفة الاتجاه الذي اختار السير عليه، أو من يكون قد وقع عليه اختياره كضحية في زحام هذه الساعة من نشاط السوق، وكيف يمكن أن يكون قد نجح في جره إلي فخه.
أسرعت إلى السوق الذي كان أرحم من فخ أي خب ” سماويٍّ ” مخادع ، أو لص صريح. وأنا أستعجل وصولي إلى بيتي لأهاتف صديقي عبد الرحيم، حيث يقيم في المدينة البعيدة التي أحب، مَن كنت على يقين من أنه لا يمكنه أن يحل بهذا الثغر في هذا الوقت من العام ،دون أن يهاتفني لأكون في انتظاره. بما يستحق من ترحيب.
ولقد استغرقنا أنا وصديقي، في لحظة لاحقة، ضحك طويل، مع تعجب عبد الرحيم من نجاتي من براثن سماوي، قلما ينجو منها إلا من كان ذا حظ عظيم.