الشعب الفنية بالجامعات المغربية.. ولوج سهل إلى المهن الفنية أم إقبار لأحلام الطلبة؟

قامت مجموعة من الجامعات بفتح شعب وتخصصات في مختلف الفنون، لتكوين الطلبة في هذا المجال، ومنحهم فرص للشغل وآفاق للبحث. غير أن مستوى التكوين يتباين من مؤسسة إلى أخرى، ومن شعبة إلى أخرى، مما يجعلنا نتساءل: هل وفرت المؤسسات الجامعية طل الظروف الملائمة للتكوين؟ هل هناك اعتمادات مالية بإمكانها كسب رهان التكوين في المجال الفني؟ هل استعانت بأساتذة متخصصين في الفنون ومؤهلين لتدريس المواد الفنية؟

 

لتدارك الخلل في تكوين الطالب المغربي، ارتأت الجامعات المغربية أن تدمج تدريس الفنون داخلها في شعب تهم مجالات فنية متنوعة (مسرح، موسيقى، تشكيل، سينما…)، حيث تستقبل الطلبة المهتمين بدراسة الفنون، أولئك الذين يكون لديهم طموح في شق طريقهم الفني مستقبلا في أحد المهن الفنية المتماشية مع التخصص الذي يستهويهم ..،وذلك من خلال حصولهم على تكوين رصين بمعايير تتوافق مع اسم التخصص والمواد الدراسية المبرمجة فيه، والتي في الغالب ما تكون أكثر إثارة وإغراء للطلبة الذين تعذر عليهم الولوج إلى المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، باعتبار الشهادة التابعة له ذات سمعة فنية ومكانة عالية في الوسط الفني، إذ لم نقل الأولى على الصعيد الوطني، سواء أعلى مستوى كفاءة مدرسيه أو مهنية خريجيه، ليجد الطالب نفسه أمام اختيار بديل في أحد الشعب الفنية بالجامعة، تروي تعطشه في دراسة أحد التخصصات الفنية ورغبته في امتهانها مستقبلا.
في هذا السياق يحدثنا الطالب الباحث حسن فائز، خريج «الإجازة المهنية لمهن المسرح والدراما» بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك بمدينة الدار البيضاء، وخريج ماستر «التربية الجمالية وتدبير مهن الفن والثقافة» التابع لكلية علوم التربية بمدينة الرباط، عن السبب وراء اختياره دراسة أحد التخصصات الفنية في الجامعة، معللا اختياره التكويني بخلفيته التقنية بالدرجة أولى؛ فقد التحق بالجامعة لإتمام مشواره العلمي والأكاديمي في خط موازي مع مجال اشتغاله المهني، بحكم اشتغاله كتقني في المجال السينمائي بعد حصوله على دبلوم التقني المتخصص في السمعي البصري ومهن السينما وارتباطه بكل ما هو تكنولوجي في علاقته بهذا المجال. و»بما أن الجامعة توفر الفرصة لحاملي الشواهد والدبلومات التابعة للتكوين المهني من أجل استكمال مشوارهم دون العودة إلى نقطة الصفر، كما هو الحال في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي الذي لا تزال فيه درجة الماجستير مغيبة، أتى هذا الاختيار الذي لم يسلم من المصاعب التي استوجبت الكثير من الجهد للتعايش معها»، يقول حسن فائز.
ومن بين تلك المصاعب التي واجهها المتحدث أنه وجد نفسه في الجامعة يدرس تخصصا فنيا تحت مظلة شعبة اللغة العربية، عكس تكوينه السابق الذي كان يبنى على مفاهيم علمية دقيقة تعنى بمجال تخصصه الفني، إضافة إلى هيمنة المواد النظرية على مجمل المواد المبرمجة في الفصول الدراسية، في مقابل ضعف المواد التطبيقية التي يكاد يكون تدريسها منعدما، بخلاف تكوينه السابق الذي يلزم بضرورة مواكبة التطورات والتحولات المتعاقبة في المجال التكنولوجي المصاحب للفنون والاحتكاك بها ميدانيا، كالفوتوغرافيا وفن الفيديو والمابينغ والروسيكلاج والبوب آرت…، وغيرها من التقنيات والمجالات.
ويؤكد حسن فائز قائلا إن «شرط التكوين باعتبار الفن حرفة يظل منعدما في ظل غياب شراكة مع مهنيي الفنون الذين طوروا مهارتهم الفنية بالممارسة الميدانية للفن».
وفي هذا الإطار يؤكد الممثل المسرحي والتلفزيوني أيوب أبو النصر، وهو خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، حسب تجربته الشخصية في سلك الماستر بشعبة «الدراسات المسرحية» بكلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية، أنه «لا مجال للمقارنة بين التكوين الذي تلقاه في المعهد العالي بالرباط، والذي تتم فيه دراسة الفن المسرحي بطريقة مهنية تبنى أساسا على مواد تطبيقية تشكل النسبة الأكبر من المواد المقررة في الموسم الدراسي، وبين التكوين في الجامعة الذي يفتقر لهذه الميزة، وللوعي بالممارسة المسرحية في المغرب وما تحتاجه من كفاءات». ويتابع: «لا يسهم التكوين الفني بالجامعة في تخرج ممارسين أكثر من منظرين يعيدون تكرار المفاهيم التي حفظوها طيلة سنوات الدراسة. وهذا لا يعني أنه ليس هناك من الطلبة من اختار استكمال تكوينه الفني بالجامعة بناء عن وعي مسبق باختياره وتوجهه الفني، رغم أنه المؤكد أن شهادة الماستر هي قيمة مضافة له ولمساره الفني والإبداعي».
من جهتها، تصرح أستاذة التربية الموسيقية وخريجة الإجازة المهنية للموسيقى بكلية علوم التربية بالرباط أشراع نزهة أن «نظامنا التعليمي العام في الجامعة و خارجها لا يزال غير قادر على مواكبة التحولات السريعة في بنية الفنون، فمؤسسات التعليم الفني في المغرب لا تزال غير مواكبة للتحولات المفصلية التي عرفها تدريس الفنون في العالم. وكون خريجي هذه الشعب يجدون اختلافا بين التكوين الذي تحصلوا عليه، و ما يشترطه سوق الشغل. و هذا راجع إلى عدة أسباب منها نقص الأطر المتخصصة في المجال الفني، و هيمنة التنظير، و غياب المواكبة و آفاق الإبداع و التجربة».
من جانبه، يؤكد الأستاذ المتخصص في السمعي البصري والسيناريست والمخرج عبد المجيد سداتي، أن المبادرات التي قامت بها مختلف الجامعات بفتح شعب وتخصصات في مختلف الفنون تستحق الإشادة. فهي تكوينات منحت للطلبة فرصا للشغل وآفاقا للبحث. فإذا كانت تختلف مستويات التكوين تختلف من مؤسسة إلى أخرى، ومن شعبة إلى أخرى، فإنها تظل مع ذلك مبادرة مبتورة غير مستوفية لشروط تدريس الفن، إذ أن جل هذه المؤسسات فتحت هذه التكوينات دون الأخذ بعين الاعتبار مواردها المادية والبشرية. فلم تجلب إليها أساتذة متخصصين ومؤهلين لتدريس المواد الفنية، ولا هي وفّرت كل الإمكانيات المادية اللازمة لهذه التكوينات.
ويضيف الأستاذ سداتي، في ذات السياق، أن هذه المؤسسات تقتصر على 60 في المائة من أساتذتها وأطرها، وتلبي الخصاص بمتدخلين من خارج أسوار الجامعة. من هنا، يطرح مشكل هؤلاء المتدخلين، فالخبراء عادة ما يطالبون بتعويضات مادية مهمة ليس بمقدور هذه المؤسسات توفيرها طيلة فترات التكوين، لذا يلجأ منسقو هذه التكوينات للاستعانة بشبكة علاقاتها لسد هذا النقص، أو اللجوء إلى بعض التقنيين وهم أقل خبرة وتجربة، ويفتقرون إلى المناهج والبيداغوجية اللازمة للتدريس والتأطير الفني.
وفي سياق متصل، يضيف الممثل والمخرج المسرحي والأستاذ بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي أمين ناسو، أن «النهج الذي اختارته الجامعات المغربية بخصوص دمج تدريس الفنون بها، هو مسار جد مهم، كونه يتيح فرصا أكبر وأكثر لمجموعة من المواهب والشباب الذين يمتلكون مؤهلات فنية وإبداعية، وبهذا انفتحت الجامعة المغربية على تخصصات مهنية جديدة، ولم تبق حبيسة التخصصات الكلاسيكية المعروفة بغاية تسهيل عملية اندماج خريجي هذا النوع من الشعب مع محيطهم الاقتصادي». ويُتْمِمُ أمين ناسور شهادته، في أن «هذه الخطوة يلزمها مجموعة من الإجراءات والقوانين المؤطرة وأيضا الكثير من الجرأة، باعتبار تدريس الفن كحرفة، يحتاج إلى خبرات مهنية بالموازاة مع الخبرات الأكاديمية، وذلك من أجل تدريس القواعد المهنية للفن وأسسها العلمية، لكن، وللأسف جل من له خبرة مهنية ميدانية في المجال الفني، نجده لا يتوفر على شهادة عليا تخول له التدريس في الجامعة. وهذا الأمر يخلق فجوة من الصعب تجاوزها، لأن الاعتماد على هذه الكفاءات ضروري ومهم لكي يكتسب الطالب مجموعة من المهارات والآليات التي تسمح له بالممارسة المهنية الرصينة لإحدى المهن الفنية».
ومن منطلق تجربته المهنية، كأستاذ بالإجازة المهنية «الفنون والوسائط» بكلية الفنون بمدينة القنيطرة الدفعة الأولى، يقول: «واجهتني عدة صعوبات من بينها مسألة أداء التعويضات لأساتذة الفن والخبرات التي تأتي بها الشعبة من خارج الكلية، وبالتالي هذا يخلق إشكالا عويصا يعرقل استمرارية المواد التطبيقية، وهذا أمر متجاوز في دول عربية أخرى التي وجدت له حلولا تنطلق من واقعية الممارسة الفنية المهنية، في المقابل نجد تدريس الفن في المغرب لا يزال بعيدا عن مساره الأصلي، في ظل غياب تصور واضح وجاد في دمج الخبرات المهنية للفن داخل الجامعة المغربية لا يمكننا الحديث عن شعب فنية جامعية».
ويأتي الطالب الباحث وتقني السمعي البصري حسن فائز ليؤكد، في البداية، أنه «لايمكن فصل الفن عن التكوين الأكاديمي، وبالتالي عن الحرم الجامعي لأنهما يكملان بعضهما البعض، فالفن الجيد رهين بالتكوين الجيد ولا يمكن الحديث عن تكوين بمعزل عن دور الجامعة و استجابتها أمام التحديات البيداغوجية الجديدة المستمرة وهنا يكمن الخلل فحتى اليوم، وللأسف، لا يزال يُنظر للفن في الجامعة كمسلك تكميلي، يمكن الاستغاء عنه. والوضع نفسه بالنسبة للتظاهرات الفنية والثقافية التي أسست لنفسها موقعا لكنها لا تزال تقع في فخ الموسمية غافلة الدور الذي يضطلع به الفن من حيث مساهمته في بناء صناعة ثقافية متميزة داخل الحرم الجامعي و منه إلى المجتمع»….
أما بالنسبة لآفاق ما بعد التكوين، فيوضح أنها «لا تختلف كثيرا إن لم نقل هي أسوأ بكثير نظرا لعدد الخريجين الذين يجدون صعوبات كبيرة في الحصول على فرص عمل داخل المجال سواء كفنانين مبدعين أو أساتذة أو مهنيين خصوصاً مع الفصل الحاصل بين وزارتي التعليم والثقافة… فعلى سبيل التمثيل المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي، و المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان يعملان تحت وصاية وزارة الثقافة، وبعض المسالك الفنية في الجامعة تخضع لوصاية وزارة التربية الوطنية والتعليم و الرياضة… مما يجعل بنية و هيكلة خريجي التخصصات في مفترق طرق وعر».
غير أن الأستاذ سداتي يؤكد أن «البعد النظري هو أساس كل تكوين وبدونه يصبح التكوين تقنيا بامتياز، وهذا ما تضطلع به مؤسسات التكوين المهني. فالجامعة يقتصر دورها على تكوين طالب قادر أولا، على اكتساب المعرفة والوعي النقدي التحليلي، وهذا ما يؤهله لممارسة البحث العلمي. وثانيا، تمكينه من ولوج سوق الشغل. وصحيح أن التكوين في الشعب المهنية يحتاج إلى الجانب التطبيقي وهو أساسه، ولكن يمكنه أن يعوضه بالتداريب الميدانية وبالتجربة مع مرور الوقت. وهذا هو ما يحدث الفارق بين تكوين تقني محض، وبين تكوين يجمع بين الجانبين ولو بدرجات متفاوتة».
في ضوء ما تقدم، هل يمكن الحديث عن مسار فني أكاديمي داخل الوسط الجامعي، في ظل غياب مكونين ومؤطرين في المجال الفني. وهل يمكن اعتبار كل من دارس للفن قادر على تدريسه؟ وكيف يمكن تفسير غياب ارهاصات هذا التكوين منذ التعليم الابتدائي؟


الكاتب : كريمة كربيطو

  

بتاريخ : 30/07/2022