الشعر والتشكيل في أعمال عبد الله بلعباس

لم يكن لقاء الكلمة والصورة محض صدفة، بل هو قناعة أملتها ضرورة إبداعية لانفتاح التشكيليين على الشعر والعكس صحيح، حيث توجت هذه العلاقة بعمل مشترك منذ الأزل، استنادا لمقولة الشاعر الإغريقي (سيمونيدس الكيوسي) الذي عاش بين سنة 556 و468 قبل الميلاد والتي عرف بها: «القصيدة لوحة ناطقة، واللوحة قصيدة صامتة».
من هذا المنطلق يمكن اعتبار تجربة الفنان مصطفى النافي، تصب في هذا المنحى، الذي يحاول من خلاله أن يقارب محتوى القصيدة بالعمل التشكيلي، الذي حاول من قبله عدد من التشكيليين المغاربة في إطار طرح الأسئلة الجوهرية حول علاقة الأدب بالفن، بأن يدشنوا علاقتهم من خلال مغامرة تجريبية لملامسة المحتوى التركيبي والدلالي والمخيالي للقصيدة الشعرية.
إن زواج الكلمة والصورة في العمل التشكيلي، يعتبر عتبة تواصلية بين السمعي والبصري، في إطار حوار وجوار يضمن لكل جنس عناصره وأدواته التعبيرية، التي تخول لكليهما خصوصية إبداعية للوصول إلى ماهية حسية يصعب القبض عليها، لأنها متفاوتة في الزمان والمكان بطريقة زئبقية حسب حالات مرحلية للمبدع أثناء مزاولة الفعل الإبداعي، لذلك كانت أهمية كتابة القصيدة أو إنجاز التحفة الفنية مرتبطتين بلحظات معينة، قد يحضر فيها الحس والإلهام مقترنين بالقلق الإبداعي في بعده السايكولوجي الجمالي والنفسي، وهذا ما حاولنا الوقوف عليه في تجربة الفنان مصطفى النافي كامتداد للتجارب السابقة للتشكيليين المغاربة الذين اتخذوا من القصيدة عنوانا للانفتاح على مدارات جمالية ضمنت لهم التجديد والاستمرارية في إنجازاتهم التشكيلية، من زوايا متعددة مفتوحة على اللانهائي في صياغة مشاريع ليست مرتبطة فقط بما هو جمالي، بل بما هو ثقافي وفكري كذلك.
إن الشعر والتشكيل، خطان متوازيان لا يلتقيان، لطبيعة أدوات عناصرهما التكوينية، لكن حسب المنظور الهندسي يلتقيان في الخدع البصرية، انطلاقا من نقطة التلاشي التي تجمع بينهما في نهاية الأفق، بمعنى، أن هذين الجنسين قابلان للتلاقي في نقطة أساسية ومحددة هي الإحساس، مع حفاظ كلا التعبيرين باستقلاليتهما التعبيرية، ضمن نسق الخدعة المشهدية، التي لا يلامسها غير المبدع، في اتجاه اختراق الشذرات المكونة للقصيدة في بعدها الدلالي، ليجعل منها انعراجا نحو تأسيس منظور خاضع لمنطق البحث عن استقلالية ذاتية تغرف من الفن وتصب في الشعر، بتقنية تجمع بين توليف الكلمات، وتمرس العين على التقاط المعنى الدلالي العميق للقصيدة في بعدها الخيالي والجمالي.


الكاتب : شفيق الزكاري

  

بتاريخ : 01/10/2025