تمثل قضية الشهيدة فاضمة وحرفو واحدة من أبرز المآسي الحقوقية التي خلفتها سنوات الجمر والرصاص في المغرب، حيث شهدت البلاد خلال العقود الماضية أحداثًا دامية اتسمت بالقمع السياسي والاختفاء القسري والتعذيب، وكانت فاضمة واحدة من الضحايا الذين اختطفوا وعُذبوا حتى الموت بسبب انتماء عائلتها إلى دائرة الملاحقة السياسية، ما جعلها نموذجا بارزا للمظلومية الحقوقية التي تعرضت لها المرأة المغربية خلال تلك الحقبة.
وُلدت فاضمة وحرفو سنة 1934 في قصر السونتات بقبيلة آيت يعزة التابعة لجماعة بوزمو بإملشيل، وهي ابنة المقاوم موحى وحرفو الذي حكم عليه بالإعدام ونُفذ الحكم في 27 غشت 1974 بالمحكمة العسكرية بالقنيطرة، وذلك على خلفية ما يعرف بأحداث مولاي بوعزة في مارس 1973، حيث اتهم بأنه أحد القيادات المقاومة التي شاركت في المواجهة ضد النظام المغربي. كانت فاضمة امرأة أمازيغية قوية، تنتمي إلى أسرة مناضلة دفعت ثمن مواقفها السياسية، وهو ما جعلها مستهدفة مباشرة من قبل السلطات، حيث اختطفت في مارس 1973 مع والدتها وأخيها، وتعرضت للسجن والتعذيب حتى استشهادها في 20 دجنبر 1976 بمعتقل أكدز، أحد أسوأ السجون السرية في المغرب خلال تلك الفترة الحالكة الشهيرة بسنوات الجمر والرصاص.
كان اعتقال فاضمة وحرفو قائماً على تهمة استقبال أحد المبحوث عنهم في أحداث 1973، وهو سعيد أوخويا، الذي لجأ إلى منزلها طلبا للراحة والمؤونة، لكن هذه التهمة لم تكن وحدها السبب الحقيقي وراء اعتقالها، بل كان هناك بعد آخر مرتبط بتاريخ عائلتها النضالي، حيث في زمن الاختفاء القسري والقمع الممنهج، لم يكن القانون هو المرجع الأساسي في التعامل مع المعارضين أو من يُشتبه في ارتباطهم بالمقاومة. لم يكن الاعتقال الذي تعرضت له فاضمة عاديا، فقد نُقلت بين عدة مراكز اعتقال سرية، حيث بدأت رحلة العذاب من بوزمو إلى الكوربيس ثم إلى درب مولاي الشريف، قبل أن تُلقى في غياهب سجن أكدز، حيث فقدت حياتها، وهو ما وثقته لاحقًا هيئة الإنصاف والمصالحة ضمن تقاريرها التي أكدت أن معتقل أكدز كان من أكثر الأماكن رعبا، والذي شهد وفاة العشرات من المعتقلين نتيجة التعذيب الوحشي والاحتجاز في ظروف غير إنسانية.
ظلت فاضمة وحرفو مجهولة المصير لسنوات طويلة، حيث انتشرت شائعات تفيد بأنها شوهدت في الرباط وهي تائهة ومجنونة، ما دفع شقيقها إلى البحث عنها في العاصمة، دون أن يجد لها أثرا، إلى أن تبين لاحقًا أنها استشهدت ودفنت في مقبرة أكدز، وبعد عقود من الصمت والنسيان، تم العثور على صورة لها في 9 شتنبر 2019، ما أعاد الجرح مجددا، وأحيا قصة واحدة من الضحايا اللواتي لم ينصفهن التاريخ كما يجب. هذه الصورة النادرة التي ظهرت فجأة أعادت النقاش حول مصير فاضمة، وجعلت أفراد أسرتها يعودون إلى مآسي الماضي بكل تفاصيلها القاسية، حيث أكد شقيقها زايد وحرفو أنه لم يكن يرغب في الحديث عن الأمر مجددا، لكنه مع رؤية الصورة قرر أن يكشف بعض الحقائق التي ظلت حبيسة الألم لسنوات طويلة، بالقول إن الصورة كانت بمثابة إحياء لذكرى امرأة ظُلمت ودفنت في صمت دون أن تأخذ حقها من الاعتراف والتقدير.
الحديث عن تعذيب فاضمة يقود إلى دراسة الباحثة نادية جسوس التي تطرقت إلى العنف السياسي ضد النساء في المغرب، وأكدت أن النساء خلال فترات القمع السياسي «كن يتعرضن للعنف الوحشي بطرق مختلفة، وكان الهدف من ذلك في الغالب هو الانتقام من أقاربهن الذكور أو ترويع المجتمعات التي ينتمين إليها»، وفاضمة كانت واحدة من هؤلاء النساء اللواتي قُمعن دون محاكمة عادلة، في حالة تعكس وحشية تلك المرحلة. ورغم أن هيئة الإنصاف والمصالحة عملت على كشف مصير المختفين قسرا، فإن قضية فاضمة لم تحظَ بالاهتمام الكافي، حيث ظل ملفها غامضا ولم يُتعامل معه بنفس الجدية التي حظيت بها ملفات أخرى، حتى أن وزارة التربية الوطنية التي سبق لها أن قررت إطلاق اسمها على مجموعة مدارس آيت علي ويكو بجماعة بوزمو، في محاولة للاعتراف برمزيتها، لم يُنفذ هذا القرار وظل مجرد التزام على الورق دون أي تفعيل على أرض الواقع.
على المستوى الحقوقي، جرى تنظيم «قافلة المصالحة فاضمة وحرفو» بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، في إطار مشروع حفظ الذاكرة والمصالحة مع النساء اللواتي تعرضن للانتهاكات الجسيمة خلال سنوات القمع، كما صدرت دراسات عدة حاولت توثيق هذه المأساة، لكن ذلك لم يكن كافيا لإنصافها كما تستحق، ورغم ذلك ظل اسم فاضمة وحرفو رمزا نسائيا لمأساة أكبر عاشتها العديد من النساء المغربيات.
ولم تكن فاضمة وحدها من تعرضت للاختطاف والتعذيب، بل كانت واحدة من الحالات التي ظلت غامضة لسنوات قبل أن يُكشف جزء من حقيقتها، وإنصافها الحقيقي لا يكمن فقط في إعادة ذكر اسمها أو تنظيم مبادرات رمزية، بل في الاعتراف الكامل بظلمها، وتحقيق العدالة التاريخية لكل الضحايا الذين ابتلعتهم طاحونة سنوات الرصاص، دون أن يُعرف حتى مكان قبورهم، أو تُروى قصصهم كما يجب.
الشهيدة فاضمة وحرفو رمز للنساء المغربيات ضحايا سنوات الاختطاف والتعذيب بالسجون السرية

الكاتب : أحمد بيضي
بتاريخ : 26/03/2025