«الشِّعْرُ والهويّةُ دراسة في شعرية القصيدة المغربية» للأكاديمي عبد الفتاح شهيد

 

ازدانت الخزانة المغربية بإصدار حديثٍ موسوم بـ: « «الشِّعْرُ والهويّةُ دراسة في شعرية القصيدة المغربية» أ.د عبد الفتاح شهيد، عن مؤسسة الموجة الثقافية. يؤطر فيه الباحث ممارسته النقدية المتجليّة في تحديد المادة وآليات الاشتغال انتصارًا لسؤال الشعر المغربي، ومما جاء في تقديمه، ما نصّه: « تظلُّ العلاقة بالتراث محفوفَةً بنزوعات النفس وسموق المادة، ورغم ما تثيره المسافة بين الذات وأطرها والموضوع وأسئلته من مفارقات تنطوي على تساؤلات ملحة، ورغم ما يجتلبه سؤال المنهج والطريقة من إحراجات مثيرة، فإنّ مساحة التّحفّز والتعالي ستمكث في أثناء ذلك مهمة تسائل ما قد نظنّه بدهيّات مترسّبةً وحتميات متحكّمةً»، إنّ أوّل ما يقرع السمع هو تملّك الباحث ناصية الاستغوار والرّوْزِ لمكاشفة ومطارحة هذه المغامرة التي اصطبغت بمسمّيات من قبيل»أدب الظلّ» و»أدب الهامش» بِعُدّةٍ منهجية ومعرفية وثقافية، سيما بعد تحقيق الباحث لديوان «عبد الرحمان التمنارتي».
يقع الكتاب في سبعٍ وستينَ وخمسمائة صفحة من القطع المتوسّط، يستقرئُ أ.د عبد الفتاح شهيد في كتابه الجديد القصيدة المغربية خلال القرن الهجري الحادي عشر باستحضار أبعاد ثلاثة عبر عدّة إواليات تكشف «هوية القصيد»، أمّا الأول منهجي خالص، يسائل الإبداع، من خلال تبئير اللغة الشعرية وخلف ذلك مقاربات إيديولوجية ضمن مراحل تتنوّع وتتعدّد فيها الأسئلة، أمّا الثاني، فيتعلّق بدعائم الهوية وأُطُرها البانية لرؤاها الفكرية وتقليباتها الإبداعية الطارئة وهما اللغة «العربية» والخصوصية «المغربية»، أمّا الثالث، فقد انفرد بطابعه الإجرائي، ينطلق الباحث من الفترة الزمنية المدروسة ويحدد قضاياها وأطروحتها، من دون التقيّد بالزمن الفيزيقي لئلاّ يصادر تفرعات فرضيات القراءة. وبخصوص المنهج، نقرأ أيضا « وقد تنفتح إلى أن تخلق حوارا بين الداخل والخارج، مما يجعل القراءة تظل محتفية بالنص وباللغة وبالثقافة، تشرئبّ إلى معانقة انفتاحاتها ورهاناتها.. وبين السعي إلى التخلص من المستويات السطحية لدراسة النص الشعري، ومواجهة مفارقة التداخل والتخارج، وإحراجات التماس والحياد تعبر الشعرية عن اللابساطة المخلّصة من المناولة التجزيئية. إلى جانب التبرير المنهجي، الذي يعصم من تشظي آخر الأواصر بين الإبداع والتلقي. فلا تستحيل التأويلات هوامش مباشرة ولا استيهامات حالمة، بقدر ما تعتمد على سَننٍ محدد وقوانين واضحة تتلافى التبسيط المُخِلّ والتجريد المُمِلّ».
وتضمّن الكتاب تبويبا منهجيا، ضمّ مدخلاً تفاعليًّا وفصلا تنظيريا وثلاثة فصولٍ تحليلية. لقد خصّص الباحث المدخل من خلال عناصر مهمة وهي «الإقناع والاقتناع» و»الإضراب والتعالي» و»الأسيقة العلمية في مدارج الشعرية»، والغاية من ذلك إبراز تِيمتيْ «العلم والصراع»، مُركّزا على بنية الشعر لمراقبة مواقف الشعراء وفق ما يقتضيه منطق الصراع في إضاءة متبادلة بين الشعراء والسياسيين.انبرى الباحث في الفصل الأول الموسوم بـ: «الشعر: بنيات المفهوم وتحولات الوظيفة»، لمناقشة جوانب تخصّ الهوية الشعرية المغربية، ولأهمّيّة هذا الفصل، كان مصدرًا مُلهمًا لإثارة جملة من الأسئلة وبيانها:
ما علاقة التنظير بالإنجاز؟ هل الإنجاز محدد سلفا ببنيات التنظير أمْ إنّ أُفُقهُ يظل مفتوحا يستعصي في إدراك كُنهه حتى على المبدع نفسه في مراحله المتقدمة؟
وفي الفصل الثاني، انعقد عزم الباحث على سبر أغوار الشعرية من خلال ثلاثة مباحث تُعنى بالحديث عن «فعالية الإيقاع» و»تشاكلات القوافي» و»ظواهر إيقاعية أخرى» موازية؛ كالتكرار والتصريع.وجاء الفصل الثالث تحت عنوان «شعرية الأغراض وأبنية القصيد»، استند فيها على مبحثين، هما: « الأغراض والمعاني: التشكيل والرصف» و»الهياكل: التوجيه والتعلق».أما الفصل الرابع، تطرّق الباحث إلى «بلاغة التراكيب»، من خلال مباحث «تحولات التعبير» و»مُحسّنات الصيّاغة» و»تصاديات الاقتفاء».
وفي خاتمة هذا العمل الأدبي، عرض الباحث خلاصات، ولعلّ أبرزها، تجسّدَ من خلال البنية الإيقاعية التي حاولت التجريب في الموسيقى الخارجية، أما دلاليا، عمل الشعراء على تقوية مدائحهم تداوليا وسياسيا، واكتسب الغزل ثقافة فقهية عالمة. وفيما يخص بلاغة التراكيب، فقد كَشَفَ الباحث جمالياتها، ونَسَبَ تحولات الصياغة بمضمرات الذهن المبدع وآفاق الإدراك عند المتلقي.


الكاتب : ذ. محمد زين

  

بتاريخ : 05/03/2024