الصحة العقلية .. أعطاب بالجملة : ضعف الاستشارات النفسية، محدودية الأطر الصحية، غياب استراتيجية تواصلية وانعدام الدراسات الاستقصائية الحديثة …

 

كشف التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات عن أعطاب متعددة تطال الصحة النفسية والعقلية، التي تتعدد أسبابها، والتي منها ما يرتبط بغياب دراسات محيّنة وبرامج ومخططات، ومنها ما يتعلق بضعف وقصور في تنفيذ البرامج المتواجدة التي أضحت متقادمة، العاجزة عن المواكبة والتطوير، وفي عدم إشراك كل القطاعات والجهات التي يمكن لها أن تشكل عنصر دعم في التحسيس والتواصل والتوعية والتكفل.
أعطاب بالجملة، في مقدمتها الجهل بالأمراض النفسية والعقلية وارتباطها بصورة نمطية وغياب استراتيجية تواصلية، فضلا عن الفقر الكبير في الموارد البشرية وفي البنيات التحتية الصحية المخصصة للفحص والتشخيص والتكفل، خاصة في ظل تفشي مسبباتها سواء تعلق الأمر بالقلق والضغط والتوتر وما يرتبط بمشاكل الحياة اليومية المتعددة الأبعاد، أو باتساع رقعة الإقبال على التدخين والإدمان، خاصة في وسط اليافعين والشباب، وهنا يبين التقرير على أن سبع جهات فقط من أصل 12 تتوفر على مركز إدمان أو تقدم خدمة متعلقة به، ووحدها المراكز الاستشفائية الجامعية بالرباط والدارالبيضاء وفاس تتوفر على أسرّة مخصصة لاستشفاء هذه الفئة، فضلا عن ضعف عدد الموارد البشرية، خاصة الأطباء والأخصائيين النفسانيين، إذ لا تتجاوز التغطية بأطباء الإدمان معدل 0.82 للمركز الواحد، في حين أنها لا تتعدى نسبة 0.09 بالنسبة للأخصائيين النفسانيين وأخصائيي العلاج النفسي الحركي، مع الإشارة إلى معضلة أخرى تتمثل في النقص الحاد والانقطاع المتكرر في تزويد هذه المراكز بالأدوية؟
وكشفت أرقام تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن عدد المؤسسات الاستشفائية الخاصة بالطب النفسي في القطاع العام يبلغ 43 وحدة، 11 منها عبارة عن مستشفى للأمراض النفسية، و 32 مصلحة للطب النفسي مدمجة في المستشفيات العمومية، في حين أن عدد المصحات الخاصة لا يتجاوز الأربعة، مبرزة بأن أكثر من نصف العمالات والأقاليم لا يتوفر على هذه المؤسسات الاستشفائية. وإذا كانت فئة الأطفال وكبار السن من بين الفئات الأكثر احتياجا للرعاية الصحية النفسية، فإن الأرقام تبين على أن حاجيات كبار السن تمثل 11 في المئة من الطلب على الرعاية النفسية في القطاع العمومي وأكثر من 8 في المئة من حالات الاستشفاء، في حين أنه لا توجد سوى مؤسسة واحدة مخصصة لهذه الفئة ويتعلق الأمر بمستشفى الرازي بسلا التي تتوفر على 12 سريرا، الذي يتكفل بالاضطرابات العصبية الإدراكية، بينما يتم علاج باقي الاضطرابات الأخرى في مستشفيات الأمراض النفسية الخاصة بالبالغين التي لا تتناسب بشكل جيد مع الاحتياجات الصحية لكبار السن، الذين يعانون في الوقت نفسه، من أمراض جسدية.
ويطال واقع المسنين هذا فئة الأطفال كذلك، إذ أن عدد وحدات الطب النفسي الخاصة بهذه الفئة العمرية، حسب التقرير ذاته، لا يتجاوز 32 وحدة بكل من القطاعين العمومي والخصوصي، من بينها 13 عيادة خاصة، بما في ذلك 12 في الدارالبيضاء وواحدة في مراكش. ويقتصر العرض الاستشفائي في مجال الطب النفسي للأطفال على وحدة استشفائية واحدة بسعة 16 سريرا.
وإذا كان العرض الصحي الخاص بالصحة النفسية يطبعه غياب التكافؤ على مستوى الأسرّة، فإن إشكالية الموارد البشرية تعتبر من بين أبرز الأعطاب التي يعاني منها هذا المجال، إذ أشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى أن القطاعين العام والخاص ضمّا خلال سنة 2023 ما مجموعه 407 طبيبا نفسيا و 32 طبيبا نفسيا للأطفال، أي ما يمثل حوالي 1.13 طبيبا متخصصا لكل 100 ألف نسمة، مع استحضار أن 60 في المئة منهم يزاولون في القطاع الخاص، ويزيد الوضع تفاقما توزيعهم غير المتوازن على الجهات بالنظر إلى أن حوالي 67 في المئة من مجموع المهنيين المعنيين يزاولون بجهتي الدارالبيضاء سطات والرباط سلا القنيطرة!


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 17/12/2024