الصناعة الصيدلية في‮ ‬مواجهة الأزمة‮: ‬أربعة أسئلة للخبير لدى المعهد المغربي‮ ‬للذكاء الاستراتيجي،‮ ‬عبد المنعم بلعالية

‮ ‬التوجهات الاستراتيجية لصناعة الادوية في‮ ‬المغرب‮ ‬غالبا ما تمليها الشركات متعددة الجنسيات المستقرة به‮

 

يستعرض عبد المنعم بلعالية،‮ ‬الخبير لدى المعهد المغربي‮ ‬للذكاء الاستراتيجي‮ ‬والأستاذ والمستشار في‮ ‬التسيير الاستراتيجي،‮ ‬في‮ ‬حوار مع وكالة المغرب العربي‮ ‬للأنباء،‮ ‬رؤيته حول تداعيات الأزمة الصحية الحالية على الصناعة الصيدلية المغربية،‮ ‬وكذا حول الفرص المتاحة‮.

 

1‭ ‬‮ ‬ ما هي‮ ‬تداعيات أزمة‮ (‬كوفيد‮‬‮91) ‬على الصناعة الصيدلية المغربية وعلى سلسلة القيمة العالمية ؟

n ‬تسببت أزمة‮ (‬كوفيد‮-‬19‮) ‬في‮ ‬حدوث شرخ على مستوى سلسلة القيمة العالمية للصناعة الصيدلية منذ الأيام الأولى للحجر الصحي‮ ‬في‮ ‬مختلف بقاع العالم‮. ‬إذ توقف تموين المكونات الصيدلية النشطة بشكل كبير،‮ ‬خاصة بالنسبة للمقاولات التي‮ ‬تعتمد على الصين والهند في‮ ‬سلاسل قيمها‮. ‬وهذا ما فتح المجال لنقاش استراتيجي‮ ‬عميق داخل الشركات متعددة الجنسيات حول مسألة السيادة الصحية التي‮ ‬طفت على السطح أكثر من أي‮ ‬وقت مضى‮. ‬ولم تكن السوق المغربية بمنأى عن هذه التقلبات‮. ‬فإذا كانت صناعة الأدوية المغربية تلبي‮ ‬حوالي‮ ‬60‮ ‬في‮ ‬المائة من الطلب الداخلي،‮ ‬فإنها تظل معتمدة على الأسواق الدولية للإمداد بالمادة الخام،‮ ‬مما‮ ‬يضعها في‮ ‬مواجهة تحدي‮ ‬تعدد الممونين مع الحفاظ على نفس معايير الجودة‮.‬
ونظرا لكون الإنتاج‮ ‬يتم توفيره أيضا إلى حد كبير من قبل الشركات متعددة الجنسيات المستقرة بالمغرب،‮ ‬فإن التوجهات الاستراتيجية‮ ‬غالبا ما تمليها الشركة الأم،‮ ‬مما‮ ‬يجعل سلسلة القيمة المغربية عرضة لتقلبات السوق والسياق الدولي،‮ ‬لا سيما في‮ ‬أوقات الأزمات‮. ‬بمعنى آخر،‮ ‬فإن هذه الأزمة العالمية تجعل من الممكن اليوم مراجعة استراتيجياتنا الإنتاجية في‮ ‬قطاعات حيوية مثل الصيدلة‮. ‬إذ‮ ‬يجب على المملكة أن تكاتف قواها للاستفادة من التغيرات التي‮ ‬تشهدها سلاسل القيمة العالمية‮. ‬وبالتالي،‮ ‬ينبغي‮ ‬التحرك بسرعة وبشكل فعال ومشترك في‮ ‬اتجاه أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء أيضا‮. ‬يجب تنفيذ الاستراتيجيات المغربية على وجه السرعة،‮ ‬خاصة بالنسبة للشركات التي‮ ‬بلغت مرحلة متقدمة من التواصل مع الفاعلين الأوروبيين المهتمين بالمغرب‮.‬

2‭ ‬‮ ‬ ما هي‮ ‬الآفاق المتاحة في‮ ‬السياق الحالي‮‬؟

n في‮ ‬السياق الحالي‮ ‬الذي‮ ‬يتسم بالضغط على أسواق التموين واشتداد حدة المنافسة بين الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة،‮ ‬لن تكون الصناعة الصيدلية بمنأى عن التحركات الاستراتيجية لما بعد‮ (‬كوفيد‮-‬19‮) ‬التي‮ ‬تهم نقل أنشطة معينة في‮ ‬سلسلة القيمة،‮ ‬وكذا التركيز والاندماج بين الشركات‮. ‬وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون القطاع المغربي‮ ‬على أتم الاستعداد من خلال تعزيز قدرته التنافسية بجملة من التدابير،‮ ‬أولها تحسين التموين الذي‮ ‬يمر عبر تعدد المصادر وتدبير دينامي‮ ‬للمخزونات،‮ ‬فضلا عن تقوية حلقات سلسلة القيمة التي‮ ‬من شأنها خلق القيمة،‮ ‬لا سيما البحث والتطوير والتسويق‮. ‬وفي‮ ‬هذا الصدد،‮ ‬يمثل البحث العلمي‮ ‬الطبي‮ ‬مجالا هاما‮ ‬يجب تعزيزه لإتاحة بروز صناعة صيدلية مغربية مقاومة للتقلبات الدولية‮. ‬بيد أن مشاكل التنظيم وتسريع الإجراءات الإدارية لا تزال تشكل عقبة أمام هذا البروز‮.‬

3‭  ‬ هل أثرت الأزمة على الاستراتيجية التنموية للقطاع على المستوى الدولي،‮ ‬خاصة في‮ ‬إفريقيا؟

n لم‮ ‬يكن للأزمة تأثير سلبي‮ ‬كبير على النشاط في‮ ‬إفريقيا‮. ‬إذ أن القارة الإفريقية لم تتأثر بشدة بالجائحة حتى الآن على الرغم من القيود المفروضة في‮ ‬غالبية البلدان‮. ‬كما أن القارة كسوق تعتريها نقاط ضعف عدة تحول دون ولوج السكان إلى أدوية عالية الجودة‮. ‬فالقارة الإفريقية تمثل‮ ‬13‮ ‬في‮ ‬المائة من سكان العالم،‮ ‬لكنها لا تستهلك سوى‮ ‬3‮ ‬في‮ ‬المائة من الإنتاج العالمي،‮ ‬علما أن جزءا كبيرا من هذه الأدوية مزيفة‮. ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه،‮ ‬يشكل هذا الأمر من منظور استراتيجي،‮ ‬سوق نمو واعد إن تم الأخذ في‮ ‬الاعتبار الانفجار الديموغرافي‮ ‬والتحول الوبائي‮ ‬الذي‮ ‬تشهده عدة بلدان إفريقية‮. ‬وهكذا،‮ ‬فإن الشركات التي‮ ‬ستواكب تطور هذا السوق بشكل جيد ستستفيد منه لا محالة في‮ ‬السنوات المقبلة‮. ‬لذلك‮ ‬يجب بناء استراتيجيات على المدى البعيد،‮ ‬خاصة في‮ ‬ظل العلاقات الاقتصادية للمملكة مع العديد من بلدان القارة،‮ ‬والتي‮ ‬يمكن أن تسهل اندماج وتطوير صناعة الأدوية‮.‬
صحيح أن مكانة المغرب تظل واعدة بإفريقيا،‮ ‬لكن النجاح رهين باستراتيجية شاملة بين القطاعين العام والخاص‮. ‬فالمغرب حاضر بقوة في‮ ‬عدد من بلدان القارة،‮ ‬كما أن المبادرات والمساعدات التي‮ ‬أطلقها جلالة الملك أثارت الكثير من الاهتمام وعززت العلاقات جنوب-جنوب التي‮ ‬تربط المغرب بالبلدان الإفريقية‮.‬

4‭‬ ما هي‮ ‬الإمكانات التي‮ ‬يمثلها ورش تعميم التغطية الاجتماعية المعلن عنه مؤخرا ؟

تعتبر التغطية الصحية الشاملة مشروعا واعدا،‮ ‬ويحظى بتشجيع،‮ ‬على نطاق عالمي،‮ ‬من قبل منظمة الصحة العالمية بغية تيسير ولوج السكان للخدمات الصحية بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي‮ ‬وظروفهم المعيشية‮.‬
وفي‮ ‬المغرب،‮ ‬كان تعميم نظام‮ (‬راميد‮) ‬في‮ ‬سنة‮ ‬2012‮ ‬الخطوة الأولى على درب سياسة تتوخى توسيع التغطية الصحية لفائدة الفئات الهشة‮. ‬وفي‮ ‬هذا الصدد،‮ ‬يحمل خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش مشروعا طموحا على اعتبار أنه‮ ‬يحدد أجل خمس سنوات لتعميم التغطية الاجتماعية لفائدة جميع المواطنين‮. ‬ولتحقيق ذلك،‮ ‬يجب إعادة هيكلة كافة خدمات الرعاية الصحية حتى تتمكن من الاستجابة للمتطلبات المالية الجديدة‮. ‬وهذا ما‮ ‬يشمل أيضا سياسة جديدة لتوفير الأدوية قائمة على عرض أسعار في‮ ‬المتناول وتدبير جيد لخطوط التموين والتوزيع والاستهلاك،‮ ‬خاصة بالنسبة للقطاع العام الذي‮ ‬تعتريه اختلالات كبيرة في‮ ‬تدبير الأدوية والمعدات الطبية‮. ‬وقد‮ ‬يشكل إحداث وكالة للأدوية أحد الإجراءات الهامة في‮ ‬هذا الاتجاه‮.‬


بتاريخ : 16/09/2020