العبء الضريبي يتركز على الاستهلاك والأجور .. الدولة تجني 88مليار درهم من TVAو 61مليار درهم من الضريبة على الدخل

الدين العمومي يتفاقم ليصل 796 مليار درهم كدين داخلي وارتفاع فوائده بـ11,6 %

عجز الميزانية يقفز إلى 68,8 مليار درهم في 11 شهرا
رغم جبايات بـ319 مليار درهم

 

في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة تحسن المؤشرات الجبائية وارتفاع وتيرة تحصيل الموارد، تكشف معطيات تنفيذ قانون المالية إلى متم نونبر 2025 عن اختلالات بنيوية مستمرة في تدبير المالية العمومية، تتجلى أساسا في تصاعد الضغط الضريبي على الاستهلاك والأجور، والارتفاع المتواصل لنفقات التسيير الإداري، إلى جانب تفاقم عبء الدين العمومي وتكلفة خدمته، بما يحد من هوامش المناورة المالية ويطرح تساؤلات حول نجاعة الخيارات المعتمدة.
وتظهر الإحصائيات الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة أن الموارد الجبائية سجلت نموا ملحوظا بلغ 15,7 في المائة، لتصل إلى 319,1 مليار درهم، غير أن بنية هذه الزيادة تكشف اعتمادا متزايدا على الضرائب غير المباشرة والاقتطاعات المرتبطة بالأجور والاستهلاك، في مقابل استمرار محدودية الإصلاحات المرتبطة بتوسيع الوعاء الضريبي أو تحقيق عدالة جبائية أفقية وعمودية. فقد ارتفعت الضريبة على القيمة المضافة، باعتبارها المورد الأول لميزانية الدولة، بنسبة تناهز 10,5 في المائة، لتدر ما يقارب 87,9 مليار درهم، مع تسجيل نمو واضح في TVA على الاستيراد والداخل، وهو ما يعكس انتقال العبء الجبائي إلى المستهلك النهائي .
وفي الاتجاه نفسه، سجلت الضرائب الداخلية على الاستهلاك، خاصة تلك المفروضة على المنتجات الطاقية، ارتفاعا لافتا بلغ 17,4 في المائة، وهو تطور يرتبط مباشرة بارتفاع كلفة المعيشة وتآكل القدرة الشرائية، لاسيما في ظل محدودية آليات التعويض المباشر. كما ارتفعت الضريبة على التبغ المصنع بأزيد من 13 في المائة، ما يعزز الطابع الريعي لبعض الموارد الجبائية المعتمدة على الاستهلاك بدل النشاط الإنتاجي .
أما على مستوى الأجور، فقد واصلت الضريبة على الدخل منحاها التصاعدي، مسجلة نموا بنسبة 14,6 في المائة، ليبلغ أزيد من 60,8 مليار درهم. ورغم أن جزءا من هذه الزيادة يرتبط بعملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية، إلا أن الأرقام تشير إلى استمرار اعتماد الميزانية على الاقتطاع من المنبع، خاصة من الأجراء النظاميين، في مقابل ضعف مساهمة قطاعات واسعة من الاقتصاد غير المهيكل، وهو ما يكرس اختلالا في توزيع العبء الضريبي ويحد من الأثر الاجتماعي للإصلاحات المعلنة.
في المقابل، تكشف معطيات النفقات عن تصاعد مقلق في نفقات التسيير الإداري. فقد ارتفعت نفقات التسيير برمتها بنسبة 16,1 في المائة، لتصل إلى نحو 298,3 مليار درهم، مدفوعة أساسا بزيادة نفقات الموظفين بنسبة 10,4 في المائة، ونفقات المعدات والخدمات بنسبة 17 في المائة، إلى جانب قفزة كبيرة في نفقات التكاليف المشتركة التي ارتفعت بأكثر من 41 في المائة. ويعكس هذا التطور استمرار ثقل الجهاز الإداري في بنية الإنفاق العمومي، رغم الخطاب الرسمي الداعي إلى ترشيد النفقات وتحسين النجاعة.
وتظهر نفس المعطيات أن ما يقارب 45 في المائة من الموارد العادية وجهت لتغطية نفقات الأجور، مقابل 28 في المائة لنفقات المعدات، وهو ما يقلص الحيز المالي المتاح للاستثمار العمومي المنتج، ويحد من قدرة الميزانية على لعب دورها التحفيزي في النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل.
من جهة أخرى، يظل الدين العمومي أحد أبرز مصادر الضغط على المالية العمومية. فقد ارتفعت كلفة فوائد الدين إلى حوالي 41,9 مليار درهم، بزيادة تناهز 11,6 في المائة، مدفوعة أساسا بارتفاع فوائد الدين الداخلي بنسبة تفوق 19 في المائة. كما بلغ عجز الميزانية إلى حدود نونبر 2025 نحو 68,8 مليار درهم، مقابل 45,7 مليار درهم خلال الفترة نفسها من السنة الماضية، ما يعكس اتساع فجوة التمويل واعتمادا متزايدا على الاقتراض الداخلي والخارجي لتغطية النفقات .
ويؤكد لجوء الخزينة إلى تعبئة ما يقارب 64,7 مليار درهم من التمويل الداخلي، إلى جانب ارتفاع صافي التمويل الخارجي، أن الدين لم يعد مجرد أداة ظرفية، بل أصبح مكونا هيكليا في توازنات الميزانية، بما يطرح إشكالية استدامة المالية العمومية على المدى المتوسط، خاصة في سياق دولي يتسم بارتفاع أسعار الفائدة وتشديد شروط التمويل.
في ضوء هذه المؤشرات، يتضح أن تحسن المداخيل الجبائية لم يواكبه إصلاح عميق لبنية النفقات ولا تحول نوعي في مصادر التمويل، بل رافقه انتقال العبء نحو الاستهلاك والأجور، مقابل استمرار تضخم نفقات التسيير وتفاقم كلفة الدين. وهو ما يعيد إلى الواجهة النقاش حول الحاجة إلى مراجعة شاملة للسياسات الجبائية والإنفاقية، بما يحقق توازنا أفضل بين متطلبات الاستدامة المالية والعدالة الاجتماعية وتحفيز الاستثمار المنتج.


الكاتب : n ع.عادل

  

بتاريخ : 17/12/2025