أخيرا وبعد مرور 22 سنة، يعلن نائب العمدة الحسين نصر الله، المفوض له قطاع تدبير الممتلكات الجماعية بالعاصمة الاقتصادية، بأن سجل الممتلكات متوفر وسيصدر للعموم عبر البوابة الرسمية للجماعة.
جاء هذا التصريح، خلال الدورة العادية لمجلس المدينة، التي أجريت في الأسبوع الماضي، حين كان يتكلم عن المشاكل القضائية التي تواجهها أكبر جماعة في المغرب، وبأن عددا من الأشخاص ومعظمهم من الأثرياء، يتقاضون ضد الجماعة بسوء نية للتحصل على أموال بالملايير ليست من حقهم، وبأن الجماعة تصدت لبعضهم وأمدت المحكمة بما يفيد أن ادعاءاتهم باطلة، ما جعل القضاء يبطل بعض الأحكام السابقة التي كانت لفائدة هؤلاء المتربصين بأموال الجماعة.
ممتلكات الدارالبيضاء ظلت منذ سنة 2003، أي عند اعتماد نظام وحدة المدينة، هي عصب المشكل الذي تواجهه المصالح البلدية، وقد أسال الكثير من المداد، خاصة عندما نعلم بأن هناك ممتلكات عبارة عن فيلات وبنايات كبرى ومصانع وغيرها مستغلة من طرف الأغيار بصفر درهم، وحتى من ناحية تحديد سعر استغلالها، فالكثير منها لا يتجاوز سومة 100 درهم للشهر، ومع ذلك لا تؤدى. كان محمد ساجد وهو أول عمدة للمدينة، يقر في خرجاته الإعلامية بأن مصالح الإدارة الجماعية لا تتوفر على جرد رسمي للممتلكات، في المقابل كان بعض الموظفين يسربون جزءا من هذه الممتلكات التي تغفل الجماعة عن التعاطي مع ملفاتها، إلى أن جاءت سنة 2011، وهي السنة التي شهدت «بلوكاجا» تدبيريا كان من بين أهم مسبباته هو الممتلكات الجماعية، حيث تشكلت لجنة من داخل المجلس برئاسة المرحوم عبد الحق المبشور، التي أفادت بأن هناك منتجعات ومطاعم كبرى ونوادي مكتراة بأبخس الأثمان فيما يتحصل مستغلوها على الملايير سنويا، إثر تلك الضجة اتخذ محمد ساجد الإجراءات الأولى كي يتم تحديد الممتلكات البيضاوية بشكل رسمي، كما تم اللجوء إلى القضاء لمواجهة بعض المرتفقين المحظوظين، وفتحت حوارات مع آخرين لمراجعة سومة الاستغلال، إلا أن المستفيدين بدأوا بمطالبة الجماعة بإثبات ملكيتها لتلك الممتلكات، وظل الصراع هو سيد الموقف، وطبعا فشلت الجماعة في تلك الفترة من زحزحة المترامين على عقاراتها، لأن وثائق الإثبات ناقصة وتتطلب مجهودات وإجراءات طويلة، كما أن عمر الولاية أوشك على الانتهاء، ودخل المجلس في حرب الحصول على الكراسي في الولاية المقبلة…
الولاية المنتظرة سيتربع على كرسي تدبيرها حزب العدالة والتنمية، بأغلبية ساحقة مؤازرة، كإضافة ليس إلا، بالتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والتقدم والاشتراكية وأحزاب صغيرة أخرى، كانت عين هذا المجلس على الممتلكات لأنها ورقة رابحة على جميع المستويات أهمها المستوى السياسي، فالحزب كان في أغلبية محمد ساجد، وكان يراقب في صمت هذا الملف ويعي مدى أهميته، ويعرف بأن من بين الأخطاء التي ارتكبها ساجد هي أنه لم يعط هذا الملف الأولوية التي يستحقها، لذلك انكب منذ الوهلة الأولى من خلال النائب الأول لرئيس المجلس على الاهتمام بتفاصيله بعيدا عن أعين المتحالفين معه، وحتى بعيدا عن جل أعضاء المجلس، ولما أتيحت الفرصة حين تغيرت هيكلة شركة التنمية المحلية «الدارالبيضاء للتراث»، كان أول ملف وضعه النائب الأول عبد الصمد حيكر على طاولتها هو ملف الممتلكات، حيث تكلفت بإجراء صفقة مع مكتب للدراسات مهمته هو جرد هذه الممتلكات وتحديد مواقعها، وأعطيت التعليمات لكل مقاطعات الدارالبيضاء الستة عشر، بأن توفر ما يحتاجه مكتب الدراسات، الذي بالمناسبة قام بعمل يشكر عليه وجهد لا يساوي صراحة حجم المبلغ الذي بمقابله تبنى هذه الصفقة المهمة، وشخصيا تابعت بعض تفاصيل هذا العمل المضني الذي انطلق من الصفر، أي البحث في أرشيف المقاطعات، وبالفعل بعد مدة طويلة جدا من البحث والعمل، تمكن مكتب الدراسات من توفير سجل، يضم الممتلكات التي تمكن من رصدها وحددها فعلا بواسطة الأقمار الاصطناعية وركب خريطة حولها، مجلس العماري خلال ولايته لم يفصح عن هذا السجل ولم يصدره، ربما لأن أعضاءه كانوا يريدون جعله ورقة رابحة للولاية الأخرى حيث كانوا مقتنعين بعودتهم للمجلس في الولاية البعدية.
في الولاية الحالية، ستثير وسائل الإعلام المهتمة بالشأن المحلي موضوع سجل الممتلكات، لأنها كانت على علم بأن مكتبا للدراسات قام بتحضيره لكنه لم يظهر للعلن، بعد إلحاح كبير سيعلن النائب المفوض له تدبير الممتلكات بأن الجماعة لا تتوفر على هذا السجل، أكثر من هذا فإنه خلال عملية تسليم السلط لم يتم تقديمه ضمن الوثائق التي يجب أن توضع على طاولة المجلس الحالي، رغم أن فواتير أداء مستحقات مكتب الدراسات وضعت ضمن الواجبات المالية التي على المجلس الحالي تأديتها، مصطفى حيكر النائب الأول السابق لرئيس مجلس المدينة لم يظل صامتا، بل أعلن في واحدة من الدورات بأن مجلسه تسلم السجل لكن محتواه شابته بعض العيوب لذلك لم يقدم للمجلس الحالي، الذي أدى في وقت سابق مستحقات مكتب الدراسات بدون أن تتوفر لديه أي وثيقة، وما زاد الطين بلة هو أن شركة التنمية المحلية « الدارالبيضاء للتراث» المفروض أن السجل يوجد في مكاتبها قد تم حلها ولم يعد لها وجود، وظل الخلاف محتدما بين أعضاء المكتب المسير الحالي والمعارضة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، والتي ماهي إلا المدبرة لهذا الملف خلال الولاية السابقة…
الحسين نصر الله وإن كان قد أعلن بأن السجل اليوم موجود في خزانة الجماعة، إلا إنه لم يذكر الكيفية التي تحصل بها على هذا السجل؟!
العثور على سجل ممتلكات الدارالبيضاء!

الكاتب : العربي رياض
بتاريخ : 14/05/2025