العربات المجرورة في شوارع الدار البيضاء: وسيلة نقل شعبية أم فوضى غير قابلة للحل؟

لا تزال العربات المجرورة بدواب تتخذ من شوارع الدار البيضاء مضمارا لها رغم أن السلطات المحلية بالمدينة كانت قد أصدرت قرارا بمنعها من التواجد داخل المدار الحضري مع إصدار عقوبات على المخالفين، لكن هذا القرار لم يفعل على أرض الواقع وبقي حبرا على ورق، بسبب الصعوبات التي واجهها المسؤولون في تنفيذه، أما بعض الحملات الخجولة التي تهدف إلى منع أصحابها من مزاولة أنشطتهم داخل المدار الحضري فإنها لا تدوم طويلا وتفقد فعاليتها، وسرعان ما يعود أصحابها إلى مزاولة أنشطتهم الاعتيادية والمتمثلة أساسا في نقل الخضروات وبيعها ونقل البضائع خصوصا بدرب عمر، ونقل الركاب من منطقة إلى أخرى بأحياء مثل حي مولاي رشيد أوالهراويين أو سيدي عثمان أو بحي التشارك أو سيدي مومن مثلا، حيث الكثافة السكانية مرتفعة والقدرة الشرائية للمواطنين متدنية مما يضطرون معه إلى الاعتماد على وسيلة النقل الرخيصة هذه التي لا تتجاوز درهمين أو ثلاث بما يتماشى ودخلهم الهزيل، دون إغفال الحديث عن المنقبين بين الأزبال عن مهملات ومتلاشيات من كرتون وزجاج أو نحاس أو ما قد يعثرون عليه من أشياء “ثمينة ” يعيدون بيعها أو تدويرها، وهم خلال نشاطهم هذا يرتكبون شتى أنواع المخالفات والعراقيل والازدحام لمرتادي الشوارع خصوصا السائقين الآخرين الذين يواجهون أصحاب عربات مجرورة بالدواب لا يحترمون قانون السير، وقد يسيرون في الطريق المعاكس دون أدني خوف أو وجل، وفي كثير من الأحيان تنتج عن هذه التصرفات اللامسؤولة مشادات كلامية أو حوادث مرورية خطيرة.
أصحاب هذه العربات، خصوصا من يمتهنون نقل الركاب، يعتبرون أن منعهم من مزاولة أنشطتهم هو توقيف لمصدر رزقهم الوحيد والقرارات الصادرة في حقهم تتخذ دون مراعاة وضعيتهم الهشة وحاجتهم الشديدة التي تدفعهم لاتخاذ هذه العربات وسيلة لجني القليل من المال الذي يقيهم الحاجة ومد اليد، يقول واحد من هؤلاء للجريدة : ” فين غادين نمشيو لا حيدو لينا الكراول ديالنا هاد شي باش كنعيشو، يعطيونا البديل “، ورغم ما يخلفه نشاطهم من عرقلة لحركة المرور وخلق ازدحام، كما سبقت الإشارة خصوصًا بالمناطق المكتظة بالسكان ناهيك عن مشاكل النظافة حيث بقايا وفضلات الحيوانات من حمير وبغال وخيول منتشرة وسط الشوارع، بما يسببه ذلك من إضرار بالبيئة والنظافة العامة زيادة عن حوادث السير والمخاطر التي يتعرض لها مستعملوها، وكم من عربة “كرويلة” انقلبت بركابها وسط الطريق بسبب السرعة المفرطة والتسابق بين سائقيها وعدم احترام قوانين السير، رغم كل ذلك فإن الركاب لا يجدون بديلا عنها بسبب رخص أثمنتها مقارنة بالحافلات أو الطاكسيات، أو بسبب عدم تواجد وسائل نقل بالمناطق التي يقطنون بها مما يضطرهم إلى الاعتماد على هذه العربات لنقلهم من منطقة إلى أخرى، وهذا ما أكدته واحدة منهم وهي سيدة من المعتادات على هذه الوسيلة في الوصول إلى وجهتها: ” بالنسبة لي الكرويلة رخيصة 2.5 دراهم، وحتى البلاصة فين ساكنة وسط الهراويين ما عندناش الطاكسيات ولا الطوبيسات، كاين غ الكراول والتريبورتورات….”.
مشكل النقل بالدار البيضاء يظهر بشكل جلي كل صباح حين تتراءى أمام الأعين جحافل من البيضاويين وهم يتسابقون لانتزاع مكان لهم بالقوة في وسائل النقل المختلفة وتفرض “الكرويلة” أو “الكوتشي” نفسها كخيار لا بد منه أمام الكثير منهم خصوصا في المناطق المذكورة آنفا، حيث لا يمكن تجاهل أهمية هذه الوسيلة الرخيصة في حياة بعضهم رغم التحديات الكبيرة التي يطرحها وجودها خصوصا من الناحية البيئية والنظام العام والسلامة الطرقية، وهو ما يضع المسؤولين أمام تحدي تحقيق توازن بين حماية مصدر رزق أصحاب تلك العربات وتحسين نظام النقل بالدار البيضاء، وربما يجب التفكير في إيجاد بدائل نقل قليلة التكلفة وتغطية جميع المناطق النائية بشبكة مواصلات ملائمة وتوفير فرص عمل جديدة، وذلك بهدف تحسين جودة الحياة في مختلف مناطق المدينة.
وبالرجوع إلى القرار غير المفعل الذي أصدره مجلس المدينة، والذي يعتبر جزءا من استراتيجيته لتحسين نظام النقل العام ومحاولة الحد من الفوضى التي تؤثث مختلف أحياء البيضاء فهو يمنع العربات المجرورة بالدواب بشكل كامل داخل المجال الحضري، كما يمنع استخدام الخيول، البغال، والحمير لنقل البضائع أو الأشخاص، أو حتى لبيع المواد الغذائية بالتجزئة، إضافة إلى حجز الحيوانات والعربات المجرورة وإيداعها في المحجز الجماعي وفرض غرامات مالية.
الدار البيضاء التي ليس لها من البياض إلا الاسم خصوصا بالمناطق المهمشة والجانبية والبعيدة عن المركز، وبالتالي عن أنظار المسؤولين والزوار، ورغم المجهودات المبذولة لتخليصها من مثل هذه المظاهر السلبية، لا تزال بعيدة كثيرا عن الصورة التي يتم الترويج لها بكونها مدينة المال والأعمال والاقتصاد، أو هي مدينة تسير بسرعتين، سرعة قصوى تستفيد منها الدار البيضاء الراقية الجميلة الرافلة في البياض والخضرة والوجه الحسن ومدينة أخرى رمادية معتمة مليئة صورتها بالخدوش والندوب لن تنجح بضعة ضربات من الصباغة البيضاء في مسحها وإخفائها بل هي بحاجة إلى عملية جراحية مستعجلة ودقيقة لتخليصها من تغضناتها وتجاعيدها لتكون في مستوى العاصمة الاقتصادية التي تطرح نفسها كوجهة حديثة وجذابة دون فروق شاسعة وصارخة بين أحيائها ودروبها ومقاطعاتها !


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 13/11/2024