بينما تعيش القارة الإفريقية على إيقاع أحد أبرز أعراسها الرياضية، يبرز المغرب ليس فقط كبلد منظم للتظاهرات القارية الكبرى، بل كفضاء متكامل تتقاطع فيه الرياضة مع التعليم العالي، والتكوين، والدبلوماسية الهادئة في خدمة مستقبل إفريقي مشترك. فنجاح المغرب في احتضان البطولات الإفريقية لم يكن معزولاً عن رؤية أوسع تعتبر الرياضة مدخلاً للتقارب الإنساني، وجسراً للتبادل الثقافي، ورافعة لتعزيز التعاون جنوب–جنوب، خاصة في بعدها الأكاديمي والمعرفي.
في هذا السياق، تشكل الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية المغربية فضاءً مفتوحاً للطلبة الأفارقة من مختلف الجنسيات، حيث يستفيد الآلاف منهم من تكوين جامعي وتطبيقي متنوع، يجمع بين الجودة الأكاديمية والانفتاح الثقافي، في بيئة آمنة ومستقرة. وقد أسهم هذا الحضور الطلابي الإفريقي في إغناء الحرم الجامعي المغربي، وتحويله إلى مختبر حقيقي للتعايش، وتبادل التجارب، وبناء شبكات بشرية ستقود مستقبل القارة في مجالات متعددة، من الرياضة والإدارة إلى الهندسة، الصحة، والبحث العلمي.
ولا يمكن فصل هذا الزخم عن خيار المغرب في اعتماد دبلوماسية هادئة وفعالة، تقوم على الاستثمار في الإنسان قبل الشعارات، وفي الشراكات طويلة الأمد بدل العلاقات الظرفية. فاستقبال الطلبة الأفارقة، وتيسير اندماجهم، وربط التكوين الأكاديمي بالأنشطة الرياضية والثقافية، يعكس رؤية استراتيجية تجعل من الرياضة والتعليم معاً أدوات ناعمة لتعزيز الثقة والتقارب بين الشعوب الإفريقية. إن الملاعب التي تحتضن المنافسات اليوم، هي نفسها التي تفتح آفاقاً جديدة للتلاقي، فيما القاعات الجامعية تصنع نخبة إفريقية قادرة على تحويل هذا الزخم الرياضي إلى تنمية حقيقية في بلدانها.
وتأثير هذا النموذج لا يتوقف عند حدود المغرب، بل يمتد إلى القارة الإفريقية برمتها، عبر خريجين يعودون إلى أوطانهم محملين بالمعرفة، وقيم التعايش، وروح الانتماء لإفريقيا موحدة المصير. هكذا يصبح العرس الرياضي الإفريقي فرصة مزدوجة: احتفالاً بالإنجاز الرياضي، واستثماراً في الرأسمال البشري الإفريقي، في انسجام تام مع رؤية تنموية شاملة.
وفي الختام، إلى أشقائنا في إفريقيا، يقول المغرب: أبوابنا ستظل مفتوحة لكم، في ملاعبنا وجامعاتنا ومؤسساتنا، لأننا نؤمن أن مستقبل القارة يُبنى بالشباب، وبالعلم، وبالرياضة التي توحد ولا تفرق. ما نعيشه اليوم ليس مجرد بطولة عابرة، بل رسالة ثقة وأمل مفادها أن إفريقيا قادرة، بإرادتها المشتركة، على أن تصنع مستقبلها بيدها، وتكتب قصتها بصوت واحد.
العرس الرياضي الإفريقي بالمغرب : حين تلتقي الرياضة بالمعرفة والدبلوماسية الهادئة
الكاتب : إعداد : الحسين غوات
بتاريخ : 25/12/2025


