العلاقات المغربية – الإسبانية وبلاغة السرد التاريخي مع عبد الحميد البجوقي

 

استهلال :

بعد ثلاثيته الممتعة ( عبسليمو النصراني – الجنيس – المشي على الريح ) حول أوضاع المهاجرين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومعاناتهم اليومية ، التي لقيت استحسانا كبيرا لدى القراء وعرفت بالتالي انتشاراواسعا في ربوع المملكة . إنه أدب المهجر الذي يطالب المنتظم الدولي بحلول عادلة، باعتباره الراعي للحقوق المدنية و السياسية والاجتماعية و الثقافية للبشرية، طبقا لما جاء في العهد الدولي عام 1966م، بعد الثلاثية، يطل علينا سي عبد الحميد البجوقي بمؤلف مختلف المضمون هذه المرة ، يحمل عنوان « عريس الموت « يتعلق الأمر برواية تسرد وقائع حرب أهلية تاريخية، راح ضحيتها عدد هائل من الإسبان الذين آمنوا بالاشتراكية و الشيوعية كبديل سياسي ناجع للأزمة التي تتخبط فيها أوربا بصفة عامة وإسبانيا بشكل خاص، ورفضوا الديكتاتورية والتسلط بزعامة فرانكو، و المغاربة الذين غرر بهم حسب ما جاء في الرواية .
وبما أن هذه الأحداث كانت تاريخية ذا طبيعة سياسية /عسكرية صرفة، فقد تطلب الأمر من صاحبها مجهودا كبيرا في البحث عن المراجع والوثائق ذات الصلة، وهو ما تأتى فعله مع البطل أحمد الذي درس علم التاريخ المعاصر، ليروي تفاصيله لمريم الصحفية حتى تطلع عليها الأجيال القادمة.
المثير في هذه الرواية، هو حفاظ الكاتب على عذريتها الفنية وجماليتها البلاغية، بالرغم من زخم الأسماء و المصطلحات التي نجدها عادة في المجالين السياسي والعسكري، إذ لولا الحس الفني الذي يتمتع به الكاتب وتجربته الغنية في رسم حبكة متقنة لأعماله، لصنفنا هذا العمل ضمن كتب التاريخ ، وقلنا لا علاقة للتاريخ بحقل الأجناس الأدبية الجميلة التي تعتمد الخيال الواسع والوصف الممتع و البلاغة السليمة المشوقة .
تأسيسا على ما سبق ، يمكن القول إن أعمال سي عبد الحميد الإبداعية، ترتكزعلى ثلاثة مرتكزات أساسية وهي :

1: العمق الهوياتي و الوطني:

حيث نجد كل مؤلفاته تتتناول حقولا دلالية تقطر بالهوية العربية الاسلامية وفي مقدمها الهوية المغربية ، سواء بتوظيف مصطلحات ذا صلة ك « الدين / الاسلام/ الله/ الرسول صلى الله عليه وسلم / الصلاة / القران الكريم الخ ، أو أسماء و ألقاب مغربية كـ: عبسليمو ورشيد والحاج ابراهيم وكريمو وأحمد وعيشوشة وفاطمة ومريم كشخوص تحرك دواليب النص ، وأسماء أماكن ومدن تكمل المراد وتضفي المعنى على التعابير السابقة، ناهيك عن إثارته للعنف اللفظي والمادي والمعاناة اليومية التي تلحق بالمهاجرين المغاربة على وجه التخصيص، والتي يأمل لها الكاتب حلولا عاجلة وعادلة تنتصر للحق والحرية والكرامة والانعتاق من القهر والتمييز العنصري المرضي.
واضح جدا ، أن سي عبد الحميد رجل وطني، يحب وطنه ومواطنيه حتى النخاع ، بالرغم من السنوات الطويلة التي عاشها خارجه، و بالرغم من المعارف والعلاقات القوية التي أنتجها هذا الأخير هناك بفضل ديناميته السياسية ، حيث عمل جنبا الى جنب مع كل من ساباتيروبوريل وألمونيا بالحزب الاشتراكي، و استقبل من طرف الملك خوان كارلوس ، والحقوقية ، حيث ترأس جمعية الدفاع عن حقوق العمال المهاجرين بإسبانيا، و الإبداعية ، حيث ألف كتبا أدبية في غاية الإبداع و الإمتاع ، مع إتقانه للغة الاسبانية، قراءة وكتابة.

2: العمق الانساني :

تتجلى آثاره البينة من خلال اعتماده لأسماء عربية وإفريقية وغربية كـ: رشيد ومامادو وإيفا و أنريكي و…. لكن يبقى البعد الإفريقي حاضرا أكثر في موازنته لإشكالية الهجرة ، ليس لكونه إفريقيا عربيا الأصل ، بل لكونه إنساان أولا و أخيرا، ينشد السلام و المحبة و السامح و التعاون بين الشعوب بالرغم من الاختلافات الموجودة على مستوى العرق والدين واللغة والجنس .

3: الحضور الإسباني :

يحمل الحضور الاسباني في إبداعات سي عبد الحميد ونقاشه الهادئ والهادف ، إشارات و دلالات حضارية خاصة ، مما يجعل أدبه يعكس إثارة المتعة لدى القراء ومجالسيه لأن ما معنى نسكن بجوار جار لا نستفيد من قربه ولا من علومه ولا من خبراته في شتى الميادين و المجالات ؟؟
فإسبانيا باعتبارها الوجهة الأروبية الأولى المجاورة للمغرب، والأمة التي يتقاسم معها المغاربة حزمة من الأسرار وعلاقات الصداقة والأحلام و التقاليد والافكار والخبرات، سواء في ميدان الطبخ وصناعة الحلويات أو في المجال الفلاحي أو البحري اوالرياضي أو الفني أو الثقافي. وهي في ذات الوقت الضفة الأكثر نشاطا واستهدافا من قبل المهاجرين السريين، القادمين من شتى معمور القارة الإفريقية . هؤلاء و في طليعتهم المغاربة الذين خدموا هذا البلد بالغالي و النفيس، حتى أضحت عقارب درجة النمو لديه لافتة لرجال المال و الاقتصاد .
لهذا السبب و ذاك، يؤكد كاتبنا على ضرورة استمرارية العلاقات المغربية الاسبانية والحفاظ على صرحها التاريخي، لأنها علاقات وجودية ومصيرية ، لدرجة أضحى وجود المغربي مرهونا بالإسباني والعكس صحيح.

المضمون :
بين ثنايا سهول التعابير الجميلة والأساليب الممتعة، تقف الرواية الرابعة «عريس الموت « للروائي عبد الحميد ، شامخة شموخ « مائة عام من العزلة « و « الهجرة إلى الشمال « و « شرق المتوسط « وغيرها من الإبداعات الخالدة ، و طافحة بمعلومات وأخبار تاريخية جد هامة، تخص الحرب الأهلية الاسبانية المقيتة التي دارت بين الجمهوريين الرافضين للدكتاتورية وعسكرة البلاد، ونظام فرانكو الراغب في وضع المجتمع الاسباني في قارورة زجاجية يكتفي من خلالها بمشاهدة ما يريد ، ولكن لا قدرة له على الكلام و التنفس .معناه أن الاشتراكيين والشيوعيين الإسبان كانوا وما زالوا الى يومنا هذا ، ضد الاستبداد والقمع والاستغلال وغصب الحرية .
والجدير بالذكر أنه إذا كانت الرواية الاجتماعية تروي عطش الجمهور التواق للعيش الكريم وتطليق الفقر وباقي ألوان الحكرة والتمييز والضيق المادي المنتج للعداوة والإحباط والجريمة الكراهية، فإن الرواية التاريخية – إذا صح التعبير – ترسم لعشاق المتن الحكائي أخاديد من الأفكار والمعلومات والحقائق التاريخيةعن ماضي القذائف المدفعية المروعة والطلقات النارية الكثيفة التي راح ضحيتها المقاومون للفاشية والتحكم من المغاربة والاسبان ما بين( 1936 و1939) بطلها عبد الرحمن / أليخاندرو ( عريس الموت ) ابن عم كريمو ، رمز الشهامة والعزة والشرف
و الدين و الإنسانية والكرامة والحرية والانعتاق ، وهب روحه فداء لوطنه ولدينه ونسبه، حيث قام بعدة عمليات خلخلت ترتيبات العدو، و نالت من جبروته وكلفته خسائر ثمينة .
مات عبد الرحمن و لم تمت الحقيقة ، التي أضحت الجماهير تتناقلها باشمئزاز وامتعاض وآلام ، بناء على ما خلفته من ضحايا ودمار وبؤس وتشرد وجوع ومرض وخوف ورعب. في طليعة هؤلاء ، هناك المناضلة الاسبانية روزاريو والمغربيان الأبيان عبد القادر و احمد ودونا اليهودية الذين يرمزون للماضي و الحاضر، و مريم الصحافية ابنة الشهيد عبد الرحمن التي ترمز للمسقبل ، خصوصا وأنها ستستعين بمعلومات المغربي أحمد باعتباره شاهدا على هذا الماضي المأساوي ودارسا لعلم التاريخ بإحدى جامعات العاصمة مدريد . يمكن اعتبار هذه الأسماء محركا أساسيا لدواليب النص ، ومفاتيح خباياه أبعاده ، الى جانب كل الذين شاركوا في صناعته ونصاعته كالشهيد عبد الرحمن (الخاندرو) و عبد الكريم( كريمو ) وزوجته عشوشة ( الممرضة) و المقدم كروحة .

الأسلوب :
اعتمد الكاتب في هذه الرواية، أسلوبا سلسا مشوقا ولغة تقريرية وضاءة ، تسرد أحداث تاريخية بجرأة عالية ، على قدر ما درسه المناضل أحمد في الجامعة ، وتوصل إليه من طرف شهود عيان ( كروصاريو مثلا ). هذه الأحداث أجبرت مبدعنا على توظيف جمل فعلية وإسمية تعود في غالبيتها إلى الزمن الماضي أ/ للجمل الفعلية : جلست صاحبة البنسيون – استأذنها أحمد – ذهل أحمد –استوى احمد –أطرقت رأسها – أشاحت بوجهها – سعد كثيرا بك – عاد الصمت من جديد.- امسك أحمد بالحقيبة…..
ب/ الجمل الإسمية : هو مغربي الأصل- – أجدادك المغاربة – زوجي مغربي ريفي – الجو معتدل –انا المقدم كروحة….مفاد هذا التنويع بين الماضي والحاضر والانتقال البلاغي، أن الكاتب لعب على آليتين ممتعتين في إيصال معلوماته وإمتاع قرائه، ألا وهما :
1- تنوير عقل القراء بمعلومات وحقائق تاريخية ، تخص الحرب الأهلية الإسبانية، التي يجهلون تفاصيلها .
2-إمتاعهم بنفس الأحداث، لكن هذه المرة بتوابل مطبخ المتن الحكائي، وفي مقدمته السرد الممتع والوصف الجميل والشفيف والحوار الهادئ والماتع، ناهيك عن أسلوب التعريف والتشبيه والمقارنة و…


الكاتب : ذ. الحسين وبا

  

بتاريخ : 22/08/2022