تبرز القراءة النقدية لمختلف الكتابات والأدبيات الاجتماعية منها أو النفسية، اختلاف التفسيرات التي تناولت ظاهرة العنف المدرسي حيث يمكن التمييزيين توجهين أساسيين ،توجه يرى أن العنف من إنتاج المدرسة ويعتبر المدرسة مسؤولة على تفشي مظاهر العنف، وحسب هذا الاتجاه فإن البيئة المدرسية لها خصوصيات معينة تجعلها عاملا مشجعا لإنتاج العنف الذي يعبرعن وضع تربوي غير سليم يفتقر إلى أسس موضوعية تلبي حاجات المتعلم . فالمقررات الدراسية وأساليب التدريس وطبيعة العلاقات بين مكونات الحياة المدرسية وغياب قنوات الاتصال بين المدرسة وسوق الشغل كلها عوامل خلقت وضعا مزمنا في المؤسسة التعليمية حيث تعكس حالات العنف عند التلاميذ فشل المؤسسة التعليمية في القيام بدورها، وفشل التلاميذ في التكيف مع برامجها وأنشطتها وأساليبها، التي لا تتوافق مع قدرات التلاميذ وطموحاتهم ورغباتهم .
أما التوجه الأخر فيرى أنه لا يمكن عزل ظاهرة العنف المدرسي عن سياقها الاجتماعي العام، فالعنف المدرسي انعكاس للعنف المجتمعي و ينطلق أصحاب هذا الاتجاه من أن المدرسة مؤسسة تربوية واجتماعية ، وأن العنف الممارس في المدرسة ينتج عن طبيعة الأوضاع التربوية والاجتماعية والاقتصادية المتأزمة، ليتسرب بذلك العنف إلى المدرسة ويصبح ظاهرة تغزو الفضاءات التربوية،وأنه حسب المقاربة النسقية فإن المؤسسة التعليمية تمثل نسقا مفتوحا على المحيط الخارجي بما يحتويه من أنساق اجتماعية أخرى سواء اجتماعية، واقتصادية أو بيئية. وانطلاقا من هذه المقاربة، فإن ظاهرة العنف المدرسي تعتبر امتدادا للعنف الذي نعيشه في حياتنا.
ان هذا التوجه يرى إنّ العنف في الوسط المدرسي هو انعكاس للعنف السائد في المجتمع، إذ لا يمكن التفكير في العنف في المدرسة بمعزل عن العنف في الشارع والتلفزة والسياسة وغيرها من المجالات العامة.كماإن العنف في المدرسة مرتبط بالبيئة المهمشة، المشجعة على الاعتداء على التلاميذ وعلى الفاعلين التربويين، «لأنها تشكل أرضا خصبة للانحراف»، و أن ما يدفع التلاميذ الذين يرتكبون أعمال عنف داخل المدارس هو أنهم يتأثرون بالمشاكل الآتية من المجتمع، ما يجعلهم عرضة للقيام بسلوكات منحرفة.
لذلك سيكون «من المُجحف تحميل المدرسة وحدها مسؤولية العنف الذي يحدث داخلها، لأنّ العنف داخلها هو في كثير من الحالات مجرد انعكاس للعنف الموجود في المجتمع الناجم عن أسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية، الذي أصبح يخترق المدرسة».
ولكن هذا التوجه الاجتماعي الذي يجعل العنف المدرسي امتدادا للعنف في المجتمع لايمكن اعتماده وحده لتفسير مظاهر العنف المدرسي التي تخترق مؤسساتنا التعليمية بالرغم من المذكرات الوزارية والمقاربة الأمنية لكون عوامل انتشار العنف في الوسط المدرسي متعددة ومترابطة، منها ماهو من إنتاج المدرسة ومنها ما هو انعكاس للعنف المجتمعي، فالتوجه نحو تعميم التعليم واكتظاظ المؤسسات التعليمية افسح المجال لظهور جملة من المشاكل بسبب صعوبة التأطير داخل الفضاء المدرسي لغياب العدد الكافي من الأساتذة والأطر التربوية الإدارية وعدم مواكبة هذا التوسع الكمي بفعاليات متخصصة اجتماعيا ونفسيا لمُتابعة التلاميذ وحلّ مشاكلهم المُختلفة، كمشكلات العنف، والعزلة الاجتماعية، وضعف التّحصيل الدراسي.
كما أن من أسباب انتشار العنف في الوسط المدرسي الإقصاء الذي يعاني منه التلاميذ المنتمون إلى الفئة الاجتماعية الهشة، داخل المدرسة، مما يؤدي بهم إلى فقدان الثقة في أنفسهم، لعدم شعورهم بالاندماج في الوسط الذي يدرسون فيه، وهو ما يحكم عليهم بالفشل.
فالمدرسة تساهم بدورها في هذا العنف؛ وذلك باستبعاد التلاميذ الذين يرتبط حضورهم داخل المدرسة بحضور الأستاذ، في حين لا يجدون فضاءات أخرى داخل المؤسسة التعليمية يرتادونها خارج الفصل، مثل المكتبات والأندية…..
إن»السلطة المبالغ فيها»، التي يتم التعامل بها أحيانا مع التلاميذ في المؤسسات التعليمية، والسخرية التي يكونون عرضة لها أحيانا، تجعلهم يفقدون الثقة في أنفسهم، وتجعلهم يواجهون مصيرهم لوحدهم في حالة الفشل في غياب برامج للمواكبة والتتبع ، في حين إن التلاميذ الذين يجدون من يدعمهم ويواكب حياتهم المدرسية يتجاوزون الصعوبات ويندمجون في المجتمع المدرسي بايجابية وفعالية.
فالتلميذ حين يكون عرضة للسخرية داخل المدرسة من قبل الأستاذ، إما أنه يختار الانسحاب، أو يرفض الوضع من خلال مواجهة السخرية التي تعرض لها بممارسة العنف ضد الأستاذ وضد المؤسسة في محاولة لكسب الاحترام.
إن من مدخل الحد من العنف داخل الوسط المدرسي يكمن في تحويل المدرسة من مؤسسة ينحصر دورها في تلقي المعارف إلى مؤسسة للتربية، مُبرزا أن «التلاميذ حين يشعرون بأنهم محترمون ومشاركون في الحياة المدرسية، سيتجهون إلى بناء علاقات متوازنة مع كل أطراف العملية التربوية داخل المؤسسة التعليمية».
العنف المدرسي انعكاس للعنف المجتمعي
الكاتب : ذ/ محمد المرابيطي
بتاريخ : 31/01/2018