تشكل المسألة التعليمية محور التفكير الاشتراكي الديموقراطي لما للمدرسة من أدوار في بناء الدولة الوطنية، ما هي اهم عناصر المشروع الاتحادي في القضية التعليمية؟
تعتبر قضية التربية و التعليم من بين القضايا المجتمعية الحاسمة في التطور و التقدم الحضاري بوجه عام على مستوى بلدان المعمور. ذلك أن رهانات الاستثمار في الانسان فكريا و معرفيا من أجل اعداد الناشئة و الأجيال للمساهمة في تحقيق التنمية الشاملة أصبح مؤشرا حاسما لقياس مدى تقدم هذه البلدان او تخلفها.
و انطلاقا من الوعي بهذه العلاقة الجدلية بين التعليم و التنمية في جميع ابعادها ، فإن الاتحاد الاشتراكي منذ نشأته، و تحديدا منذ المؤتمر الاستثنائي 1975، جعل من قضية التعليم قضية محورية منصهرة في مشروعه المجتمعي الحداثي بمرجعية اشتراكية ديمقراطية تقوم على:
• ربط تحرر الانسان فكريا وواقعيا بضرورة تمكينه من الحق في التربية و التعليم بوصفه حق انساني يضمن مساهمته في معركة دمقرطة الدولة والمجتمع القائمة على الحرية والمساواة و العدالة الاجتماعية و تمتعه بالمواطنة الكاملة؛
• إرساء مدرسة وطنية عمومية تنهض بأدوارها ومهامها ووظائفها في التنشئة الاجتماعية والتربية على القيم الإنسانية والوطنية، مدرسة منفتحة و متجددة قادرة على أداء الرسالة التربوية و اعداد الناشئة و استدامة التعلمات على قاعدة المجانية والجودة وتكافؤ الفرص لجميع أبناء و بنات المغاربة في ربوع الوطن؛
• ربط الحزب لرهانات دمقرطة الدولة والمجتمع بمشروع تربوي يساهم في تحرر الانسان المغربي و اكسابه المعارف الضرورية واشراكه في معركة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية؛
• اعتبار ان تحقيق التنمية و التطور المجتمعي لا يستقيم من دون مواكبة المنظومة التعليمية بإصلاحات شمولية ذات نفس استراتيجي قادر على تجاوز مختلف الاختلالات البنيوية و الوظيفية التي تعتري المدرسة المغربية منذ الاستقلال وذلك من منطلق الاشراك الحقيقي للفاعلين التربويين و الارتقاء بأوضاعهم المادية و الاجتماعية و الفاعلين الاجتماعيين و السياسيين و الاقتصاديين و الأسر و الأولياء؛
• و في اطار الوفاء الحزبي لمبادئه و اختياراته الاشتراكية الديمقراطية ، فقد جعل طيلة مساره النضالي من معركة اصلاح التعليم واجهة أساسية سواء على مستوى النقاش العمومي و المناظرات الوطنية اوعلى مستوى المؤسسات الدستورية و المؤسسات الاجتماعية والنقابية سواء من موقع الممارسة الحكومية او المعارضة، كما ساهم في هذا الاطار في اثراء النقاش العمومي بمذكرات إصلاحية جسدت تصوراته الاستشرافية للمشروع التعليمي لبلادنا و القائم على الحق الدستوري في التعليم ومجانيته لجميع أبناء وبنات المغاربة بضمانات تقوم على الحكامة الجيدة في التدبير والتسيير وطنيا وجهويا، وعلى توفير الموارد المالية الضرورية وتأهيل الموارد البشرية وجعل مبدأ الانصاف وتكافؤ الفرص على المستوى الفردي والمجالي قاعدة لتعليم عصري حداثي متفتح ومتطور على المستجدات العلمية و المعرفية و على النماذج التربوية الناجحة في العالم المتقدم .
• حرص الحزب الدائم على تجاوز منطق الإصلاحات الترقيعية والانتقائية و ذات النفحة الأيديولوجية الضيقة للمنظومة التعليمية، اعتبارا لكون قضية التعليم قضية مجتمعية تهم الأجيال الحالية و المستقبلية و ترهن التنمية والتطور المجتمعي مما يتطلب وضع قوانين مؤطرة للعملية الإصلاحية لضمان تفعيلها دون ربطها بزمن سياسي محدد للحكومات المتعاقبة، وهذا ما يعزز مصداقية أي اصلاح تربوي ويرسخ ثقة الاسر والمجتمع في مضامينه وابعاده والزاماته؛
استأرت قضية التعليم باهتمام بالغ في العهد الجديد طوال ربع قرن، ما هي في تقديرك المراحل الأساسية لطرح االقضية التعليمية ومكتسابتها؟
يمكن القول ان العهد الجديد تميز خلال تربع صاحب الجلالة على العرش منذ يوليوز 1999 ، بانطلاق اوراش إصلاحية كبرى شهدتها بلادنا على مستويات متعددة شملت المجال الدستوري ، المؤسساتي ، التشريعي، الحقوقي ، الديمقراطي، الاقتصادي ، الاجتماعي في افق إرساء نموذج جديد و كان من بين اهم المكتسبات المتقدمة هي دستور 2011 الذي يعد محطة مفصلية داعمة لدولة الحق والقانون ولإنضاج العملية الديمقراطية وتطوير الترسانة الحقوقية لضمان الحريات والعدالة الاجتماعية ببلادنا، و على هذا الأساس اعتبر الاتحاد الاشتراكي ان مضامين الدستور شكلت نقلة نوعية على مستوى الحقوق والمكتسبات التي ناضل من اجلها و من تم فان المسؤولية الملقاة على عاتق الفاعلين السياسيين و الساهرين على تدبير الشأن العام هي التفاعل مع تطلعات المجتمع في تفعيل مضامينه بما يمكن جميع المواطنات والمواطنين من التمتع بكافة بالحقوق والحريات الأساسية، لانها تمثل اركانا أساسية للبناء الديمقراطي والتنموي وللتنافس على المستوى الخارجي في مجالات متعددة.
ولا يفوتني في هذا الاطار بأن اذكر بأن العهد الجديد في مراحله الأولى عرف حكومة التناوب التوافقي بقيادة المجاهد عبد الرحمان اليوسفي و التي دشنت لمرحلة سياسية جديدة عنوانها مباشرة الإصلاحات في شتى المجالات وفتح بوابة المصالحة في جبهات سياسية و اجتماعية بغاية التجاوب مع انتظارات المواطنات و المواطنين في الكرامة و العيش الكريم و الحقوق و الحريات مما ساهم فعلا في تقويم العديد من الاختلالات الموروثة و القائمة وقد تعزز هذا التوجه بالارادة الملكية في إعطاء هذا العهد الجديد مسارا نوعيا لتحقيق المطالب المشروعة لكافة فئات الشعب المغربي في التنمية الشاملة.
وارتباطا بموضوع التعليم يمكن الإقرار بان العهد الجديد عرف رجة إصلاحية مهمة همت قطاع التربية والتكوين بمناسبة انطلاق اللجنة الوطنية لاصلاح التعليم في مهامها التشاورية بغاية التوافق حول بلورة ميثاق وطني للتربية و التكوين 1999 والذي جسد من خلال مقتضياته ودعائمه حول اصلاح المنظومة التربوية اطارا توافقيا لتجاوز اختلالات المنظومة التعليمية عموديا وافقيا وقد شكلت هذه المحطة حدثا مهما آنذاك بالنظر لأهمية اللحظة السياسية التي كانت تحبل بانتظارات كبرى في إرساء اصلاح شامل من قبل الاسر والفاعلين التربويين و السياسيين والاجتماعيين غير أن عملية تفعيل الميثاق اعترتها العديد من الصعوبات على مستوى التفعيل في غياب حكامة جيدة و قانون تنظيمي يلزم كافة المؤسسات المعنية بتطبيق مضامينه مما شكل تحديا كبيرا امام تحقيق الجودة و تكافؤ الفرص على مستوى المدرسة المغربية و ضعف مردوديتها. و لم يسعف البرنامج الاستعجالي الذي تم وضعه بعد تقييم عشرية الإصلاح في وضع المنظومة التعليمية على سكة الإصلاح والذي رصدت له ميزانية ضخمة من أموال دافعي الضرائب. و السؤال الذي ظل يطرح في الوسط التعليمي هو ما مآل الإصلاح و لماذا الفشل في تطبيقه؟ و ما هي الأسباب و الآفاق؟
و اذا كانت الخطابات الملكية بمناسبات أعياد العرش و ذكرى ثورة الملك و الشعب منذ 1999 الى اليوم، قد شكلت مرجعية أساسية مؤطرة لقراءة الواقع التعليمي ورصد اختلالاته و اثارة منهجية الإصلاح المتبعة ، فإن هذه الخطابات قد حعلت من قضية التعليم قضية أولوية في التوجهات الملكية داعية الساهرين على السياسات العمومية و المعنيين بالشأن التربوي وكذا الاسر الى ضرورة تجاوز منطق الإصلاح الضيق و تمكين المدرسة من استعادة أدوارها في التربية والتكوين، انطلاقا من الوقوف على تشخيص اعطابها على مستوى الحكامة او المناهج و البرامج او اللغات المدرسة و الأجنبية او على مستوى الهدر المدرسي و ضعف البنيات التحتية او عدم ملائمة البرامج و المناهج التعليمية لمتطلبات سوق الشغل مع تأكيد هذه الخطب في مجملها على ارتهان الحكومات في دوامة إصلاح الإصلاح.
ولايفوتني ان اذكر بالمكسب الدستوري في تنصيصه على حق التعليم بوصفه حقا كونيا مكفولا لكل مواطن و مواطنة ،و على الزامية الدولة بتوفير شروط و ضمانات تحقيقه الفعلي، وعلى أهمية هذه المرجعيات التي طبعت العهد الجديد في الاستجابة لانتظارات المجتمع المشروعة والتي عبرت عن نفسها في سلسلة من النضالات التي خاضها نساء ورجال التعليم مدعومة بالاحزاب التقدمية من اجل اصلاح حقيقي للتعليم بمقومات الجودة و تكافؤ الفرص و المساواة للجميع. فان من ابرز التحديات التي فرضت نفسها في معركة الإصلاح التربوي هو تحدي القطع مع الإصلاحات الترقيعية التي عرفتها المنظومة ماقبل الميثاق ، والفشل الذي اعترى تطبيق مقتضياته رغم انه وضع اسسا جديدة للإصلاح لم تجد طريقها للتفعيل وظلت أهدافه المسطرة محدودة الأثر الا من بعض المكتسبات كتعميم التعليم وإرساء الاكاديميات و كان ذلك موضوع تقييم من قبل المجلس الأعلى للتربية والتكوين في عشريته 2000/2013، هذا التقييم الذي وقف على الاختلالات الكبرى التي تعرفها المنظومة من حيث المناهج والبرامج التعميم الكمي وليس الكيفي الاكتظاظ وظاهرة الهدر المدرسي تعميق الفوارق في التمدرس بين المجال الحضري و القروي، ضحف التحصيل المعرفي واللغوي لدى التلاميذ وغيرها من الاختلالات التي عنوانها ضعف المردودية الداخلية و الخارجية للمدرسة العمومية المغربية.
ومن موقعنا كحزب سياسي يجعل من اصلاح المنظومة التربوية أولوية تربوية و اجتماعية حاسمة ومصيرية للأجيال و مستقبل البلاد و استجابة لرهانات استراتجية داخلية و خارجية تتعلق بتأهيل المنظومة التربوية و جعلها دعامة للنموذج تنموي جديد معبئ للطاقات و الكفاءات المغربية و يستثمر في المعرفة و الاقتصاد ، ساهم الحزب من خلال اطره المختصة تربويا و نقابيا و سياسيا في المشاركة الفاعلة في مشاورات المجلس الأعلى لبلورة رؤية استراتجية 2015/2023 ، اعتبرت محطة هامة لضمان استدامة اصلاح حقيقي تؤطره إرادة سياسية عليا. وقد أكد الحزب من خلال مرافعاته على ضرورة إرساء حكامة جديدة لتفعيل الإصلاح و تمكين المدرسة المغربية من لعب أدوارها في اعداد الناشئة و الأجيال و القضاء على الهدر المدرسي و الاكتظاظ و ربط المسؤولية بالمحاسبة و تمكين الفاعلين التربويين الذين ينهضون بالرسالة التربوية من ظروف و شروط ملائمة ماديا و معنويا ، و من التكوين الجيد بما يعزز تكافؤ الفرص و القضاء على كل اشكال التمييز بين الجنسيين في ممارسة حق التمدرس ، و بين المجالات الترابية وذلك بجعل المدرسة قاطرة للارتقاء الاجتماعي و مؤسسة منفتحة على محيطها و ملاءمة تكويناتها مع سوق الشغل. و حتى يتسنى تعزيز المكتسبات التي تحققت على مستوى تعميم التمدرس ودعمه فإن الإصلاح الحقيقي من منظور حزبنا يستوجب سن تعاقد جديد بين المنظومة التربوية و المجتمع تعاقد يترجمه قانون إطار يحدد التوجهات و الاستراتجيات على المدى القريب و المتوسط و البعيد لتأطير السياسات العمومية المنتهجة من قبل الحكومات المتعاقبة و الزامها بالتطبيق ضمانا لاستعادة ثقة الاسر والمجتمع في المدرسة والإصلاح. و هنا لابد ان نشير أن الرؤية الاستراتجية 2015/2023 التي تضمنت 23 رافعة، جسدت مطلبا أساسيا تم تضمينه في مذكرة الحزب ويتعلق بترجمة رافعات الرؤية الاستراتجية الى قانون اطار ملزم و بالفعل تم تبني قانون اطار رقم 51.17 يتعلق بإصلاح المنظومة و الذي عرف نقاشا صاخبا في الولاية التشريعية السابقة 2016/2021 . و تم احداث لجنة وزارية لدى رئيس الحكومة للسهر على توفير ضمانات تنزيل هذا القانون المادية و البشرية . غير ان السؤال المطروح ما هو مصير هذه اللجنة ؟ و اين وصل مسار تنزيل القانون الاطار في عهد الحكومة الحالية؟ و هل تمثل خارطة الطريق 2022/2026 خطة إصلاحية تجسد النموذج البيداغوجي لقانون الاطار 51.17 ؟
تابعت منذ العهد الجديد الوضع التعليمي من مواقع عديدة : نقابية، مؤسساتية و برلمانية ، ماهي في نظرك مساهمة الحزب في خلق شروط اقلاع تربوي حقيقي؟
سؤال ذو أهمية كبيرة لانه يتعلق بتجربة شخصية في سياق سياسي ممتد لما يزيد عن 40 سنة ، وهي تجربة تقاطعت فيها مهام متعددة يصعب حصرها في إجابات محددة ومركزة ، و تشكل بالنسبة لي في الوقت الراهن موضوعا جديرا بتوثيقه و استنطاق محطاته كفاعلة في مجالات مترابطة فيما بينها لكنها متعددة على مستوى الموقع و المهام و نوعية الأداء.
على هذا الأساس فإن ما تفضلت بالاجابة عنه في التساؤلات السابقة حول مواقف الحزب واختياراته و توجهاته بخصوص قضية التعليم و تحديات الإصلاح و علاقة ذلك بانتظارات المجتمع و تنميته و تطوره وبالسياقات السياسية السابقة الراهنة و المستقبلية و ما عرفته من سجالات ونقاشات داخل الأوساط التربوية والنقابية والحزبية والمجتمع المدني و داخل الاسر كل ذلك طبع مساري الشخصي و المهني سواء كأستاذة لمادة الفلسفة خريجة شعبة سوسيولوجيا التربية او كمسؤولة نقابية قيادية وطنية ومركزية ( النقابة الوطنية للتعليم و الفديرالية الديمقراطية للشغل ) او كإطار باحث في المجلس الأعلى للتربية والتكوين (2007/2016)او كنائبة برلمانية للولاية التشريعية 2016/2021، إن هذه المواقع بتعدد أدوارها و مهامها في الفعل التربوي و السياسي والنقابي والجمعوي والفكري و المؤسسي ساهمت انطلاقا من تبني مرجعية حزبية تنهل من الفكر الاشتراكي الديمقراطي و من الممارسة الميدانية في الفعل النضالي السياسي والنقابي و المدني و من العطاء الفكري و المؤسسي في المجالات المذكورة وفي الندوات و المؤتمرات الدولية و الوطنية في تنمية رأسمال لامادي يعد موردا هاما يجسد إرادة حقيقية للترافع والدفاع عن القضايا الوطنية في جميع جبهات النضال و خاصة ما تعلق منها بقضية التعليم التي اعتبرها ام القضايا نظرا لدورها الحاسم في الارتقاء بالإنسان المغربي افرادا و جماعات . و من شأن تطبيق اصلاح حقيقي ان يعيد الاعتبار للمدرسة العمومية و لوظائفها المعرفية و اللغوية و التربوية والاجتماعية والثقافية بوصفها قاطرة للتنمية والتقدم و ان يعزز الثقة في أدوارها و في ترسيخ قيم المواطنة و التسامح و التضامن، و ان يعيد الاعتبار لمكانة و أدوار المدرسات و المدرسيين على أساس الاستحقاق المهني و الكرامة في مجتمع يتطلع الى رفع تحدي التنمية الشاملة و استدامة التعلم والتكوين بمواصفات الجودة وتكافؤ الفرص، في ظل تحولات متسارعة وثورة رقمية تقوم على اقتصاد المعرفة و العلوم والابتكار و من وجهة نظري فان تبني هذا التوجه العقلاني الحداثي «النابع من المرجعية الحزبية و من تراكم التجربة و غنى الفكر»، في التعاطي مع قضية مجتمعية يطبعها التراكم و التعقيدات و الترابطات وتتطلع الاسر المغربية من خلال تضحيات جسام لتعليم ابناءها و بناتها تعليما جيدا يضمن الارتقاء الاجتماعي و الادماج الاقتصادي هو الكفيل بتوفير ضمانات اصلاح يجنب المجتمع تكلفة باهضة على مستوى هدر الكفاءات و عدم استثمارها بما يجب و توسيع رقعة الامية و منسوب الاحتياط من بطالة الشباب و الهشاشة الاجتماعية لان من شأن ذلك اتساع حدة الفوارق المجالية و عدم مواكبة التطورات الهائلة التي تجري في العالم في العديد من البلدان التي أعطت الأولوية لمنظومتها التربوية. لذلك فإن تطلعات العهد الجديد لارساء نموذج تنموي من بين دعائمه الأساسية هو استئناف مهمات اجرأة جدرية لتحقيق الإصلاح التربوي الشامل.
مازالت الساحة التعليمية ساحة للصراع والتوتر ما الذي يستلزم القيام به من اجل ان ترتقي المعالجة الى طموحات العهد الجديد من صميم مشروع الحداثة؟
بالفعل عرفت الساحة التعليمية نضالات متتالية خاضها الأساتذة نساءا ورجال و هي ليست جديدة بل جاءت في خضم مطالب مشروعة ظلت معلقة لسنوات و قد ساهم ذلك في خلق أجواء من التوتر و انعدام الثقة في المسؤولين عن القطاع مما نتج عنه هدر للزمن المدرسي و تواتر الاحتجاجات التي خلقت نقاشا حادا وواسعا داخل الوسط التعليمي والنقابي و الحزبي وكذلك الاسر و الوسائل الإعلامية. و استقطبت اهتمام المجتمع بكل فئاته معبرة عن منسوب الوعي بضرورة رد الاعتبار لهيئة التدريس التي تعد ركيزة أساسية لأي اصلاح تربوي يروم تحقيق الجودة و الانصاف وتكافؤ الفرص.
وقد شكل النظام الأساسي نقطة محورية في جدول الحوار الاجتماعي مع النقابات الأكثر تمثيلية و اخص بالذكر النقابة الوطنية للتعليم التي اعتز بالانتماء اليها كرافد ديمقراطي جماهري له بصماته في تاريخ الكفاح النقابي منذ 1965 الى اليوم . و من هذا المنبر اهنئ المناضلات و المناضلين وجميع المدرسات والمدرسيين في ربوع الوطن و ممثليهم في قدرتهم على انتزاع العديد من المكاسب لصالح الارتقاء بالمدرسة والتلميذ وبهيئة التدريس.
و انطلاقا مما سبق ذكره، يمكن التأكيد على أن حكامة اصلاح المنظومة التربوية اذا كانت تشكل عنصرا مركزيا في مطالب التنزيل الفعلي للإصلاح فإن تبني قانون الاطار 51.17 وتفعيل مقتضيات الرؤية الاستراتجية، يبقى احد المطالب الأساسية المطروحة في اجندة النضالات ، ذلك ان توفر الإرادة السياسية للرفع من نجاعة المنظومة وجودتها لايكفي من دون تهيئة الحكومة و الوزارة الوصية للضمانات والشروط المادية و الموارد البشرية و المؤسساتية للتنزيل بما يضمن توفير التمويل اللازم للإصلاح و تعبئة الاسر و كافة الفاعلين في المجالات الترابية و كذا الاجتماعيين و السياسيين والاقتصاديين لانجاح مهمات الإصلاح وتحديد خرائطه واستراتجياته على المدى المتوسط والبعيد، لأن قضية التعليم لا يجب ان تشكل مجالا لتكتيك سياسوي ضيق او مقاربة انتقائية محدودة لا تأخد بعين الاعتبار الأولويات و الرهانات و الحاجات والمتطلبات الضرورية لإقلاع تربوي حقيقي. إن الامر يتعلق حصرا بقطاع وازن استراتجي مصيري حيوي و منتج يؤثر في التوازنات المالية والقطاعية و في معادلات التجاذبات السياسية والفكرية والثقافية والتنموية ، كما يشغل رأسمالا بشريا ومؤسساتيا مهم من اطر تربوية وإدارية و متعلمين و متعلمات و اسر و مؤسسات إدارية و تربوية. وبذلك يجب الحرص و اليقظة في تدبير اليات الإصلاح و كسب ضمانات انجاحه بكل الوسائل المتاحة والضرورية.
ويمكن في هذا الباب العمل على تبني تقييم موضوعي لخطة العمل التي تنهجها الحكومة بخصوص تفعيل مقتضيات الإصلاح المعتمد او ما يسمى بخارطة الطريق 2022/2026 التي تنهجها الوزارة والسؤال الذي يمكن طرحه هنا هو الى أي حد تستوفي هذه الخارطة الأهداف العامة و الخاصة التي تضمنها قانون الاطار و هل تترجم بالفعل الإرادة الملكية في تبني اصلاح شامل بنفس استراتجي يجيب عن اهم الإشكاليات التي ظلت عالقة في الخطط الإصلاحية السابقة ونذكر على الخصوص: إشكالية الهدر المدرسي / إشكالية المناهج و البرامج والمضامين / إشكالية النموذج البيداغوجي/ إشكالية التوجيه و الامتحانات/ إشكالية ملاءمة التكوينات للمهن المستقبلية / إشكالية اللغات وغيرها.
استنادا الى ما سبق يمكن القول، ان العهد الجديد من خلال تراكم اوراشه الكبرى و الإرادة العليا المؤطرة لإنجاح هذه الاوراش واحداث التحولات الرصينة و الهادئة في مختلف الجبهات و البنيات من اجل استكمال البناء الديمقراطي و المؤسساتي ، فإن الرهان على التعليم واصلاحه سيظل ورشا مفتوحا على التدبير الجيد و الحكامة الناجعة جهويا وإقليميا ومحليا وفق رؤية استباقية و استشرافية تؤسس لمشروع مجتمعي حداثي يجعل من الاستثمار في الرأسمال البشري للإنسان المغربي منذ التعليم الأولي الى التعليم العالي عنوانا لإرساء دعائم مجتمع ينعم بالتنمية و التطور.
* عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
مسؤولة نقابية وفاعلة نسائية..
نشر ايضا في خاص 29/07/2024