الدورات السنوية للأعياد أخلفت عندنا الكثير من مواعيدها الطبيعية مع الأفراح، لم يحافظ عرف اللقاءات الطيبة على طيبوبة اللحظة وغادرت الكثير من المراسم عنفوانها الجميل. أثبت الواقع أن هروب الناس نحو الاستعراض الجاف وحده يحافظ على الأجندة التي أنزلت رحمة ورأفة وغدت قسوة واستياء .
الذين يسابقون مجهود تنفيذ عيد الأضحى بما يقتضيه من شراء الخروف يعصرون، في الأغلبية، المجهود عصرا . الأمر لا يتطلب استقراء آراء، المعاني معروضة على الطريق ومفادها أن الشقاء يمشي مختالا في الأرجاء، الجموع لم تعد تستطيع التعامل مع المعادلة الإبراهيمية العادلة . بهاء العيد خرج من بهائه .
سياق الشقاء العنيد هذا تطاول على كبرياء الوجوه، هُزمت القدرات أمام اجتياح الضغوط، الشعوب التي لا تستطيع توفير لحظة فرحة، لا تساق قسرا إلى ادعاء الارتياح .
غلبني حوار مع صديق عزيز في جلسة طوت بعض الشوق المتبادل، وهو يطرح علي واقعة بدلالة حزينة. تحدث جليسي عن فنان شعبي باع آلة النغم التي يتوفر عليها من أجل جلب أضحية متواضعة يسد بها ضغط الأسرة. فنان أمازيغي من أهلنا في أطلسنا الشامخ قدم آلة « الوتار» – وهي وسيلته لكسب الرزق – كي لا يخلف أمانة نشر البسمة على وجوه أطفاله يوم يقوم جيرانه بنشر أمعاء أضحياتهم على مرأى ممن يمر قرب الديار، الأمر مؤثر حقا .
لم يتردد الرجل الأطلسي في وضع حد لمسيرته الفنية وإنهاء ملامسته لخيوط آلة «الوتار «، لم يعد للنغم جدوى أمام استحقاقات لحظة ضاغطة .
في الأحوال الأخرى للناس الأخرى، ستكون هناك الملايين من غُضون الشقاء المشمول بالعجز عن التوافق مع اللحظات الجميلة، ستتعدد الأعياد والمناسبات في تضاريس الحياة الصعبة، ستتحدث هذه التضاريس عن بؤس سرمدي عابر للأيام والأسر والجموع .
حكاية الفنان الشعبي الأمازيغي الأطلسي المغربي، تلح علينا قراءة المجال المعقد لظاهرة الاحتفال القسري ذات النزعة الفاقدة لظروف التخفيف على ذوي قلة ذات اليد . العيد الذي فهمناه من أجدادنا وآبائنا هو عيد الرحمة والمحبة المغذى من تربية إيمانية تضامنية مع الجميع. العيد فرح جماعي وليس مناسبة لعرض طبقي خادش للذوق الإنساني العام . العرض الطبقي البئيس الذي يريده المهيمنون على غذاء الناس هو هكذا يزمجر فينا جميعا، يريد المهيمنون الطبقيون احتكار العيد وترك الجموع قرابين لمداورة البؤس والشقاء، وفوق هذا وذاك تنويع الحكايات الحزينة لنعيد سردها للأشقياء مثلنا .
الأجواء غير المسبوقة المخيمة على عيدنا المنزل جماعيا ، أضحى فاقدا للكثير من مخزونه الروحاني السعيد، تعرضت المناسبة من جهة لتبويبها برجوازيا عبر تحويلها لخوصصة مقيتة تفرض علينا إرباح «كارتيلاتها» وفق سوق قاتلة للحظة « مغافرة إيمانية « ، وهي سوق مسيجة بتحصين فقهي يبقي الحوار في الموضوع متهما ومبعدا عن الحوار الاجتماعي العقلاني المنتج. ومن جهة أخرى أصبح عيدنا ( الذي كان عيدنا الجماعي ) محض مخالب استنزاف «بلطجية» من وسطاء معاملات .
الأمر وما فيه، أن المناسبة صارت فرصة للفتك بما تبقى من حياتنا التي أردناها متوازنة فقط لا غير، ولافتراس إيماننا الصافي من آراء الفقه الريعي المتزوج بـ»البلطجة» الطبقية اللعينة .
قبح الله من اغتال الفرح الجماعي النبيل !
العيد الجميل .. اختطفه خصوم الحياة و«شناقة» الإيمان
الكاتب : مصطفى رابحي
بتاريخ : 15/06/2024