العيطة، الراب، ومحمد شكري: حين تقال الحقيقة خارج السطر

 

في تقاطع العيطة والراب، يتشكل مسار فني وإنساني نادر، تتحول فيه الكلمة إلى أداة كشف، لا تسعى إلى الزينة، بل إلى قول ما يخشى قوله. كلا الفنين ينبع من قلب الهامش، من أماكن لا تصلها الأضواء، لكنه يحمل قوة تعبير قد تفوق كل أشكال الخطابة والتأريخ الرسمي.
العيطة، كفن شفهي متجذر، تتطلب صنعة دقيقة في الصوت والإيقاع، ولا ترتجل بسهولة. كلماتها تستخرج من ذاكرة جماعية عميقة، وتصاغ بلغة رمزية محملة بالتجربة، تتنقل بين الحنين، الألم، والاحتجاج الصامت. أما الراب، فيقال بلغة حارقة، آنية، ومباشرة، لا تبحث عن الإقناع بقدر ما تحدث صدمة، وتحفر في الواقع كما هو، لا كما يراد له أن يرى.
في هذا السياق، يحضر الكاتب المغربي محمد شكري بحضوره القوي، لا بوصفه اسما فقط، بل كأثر.
لم يكتب من أجل الاعتراف، بل من أجل التنفس. في أعماله – خاصة الخبز الحافي – لم يجامل اللغة ولا الواقع، بل جعلهما يشتبكان داخل نصوصه بلا وساطة.
قال ذات مرة: «أنا أكتب لأنني لا أملك شيئاً آخر»، وهي عبارة تلخص ما يدفع فنون الهامش إلى التشكل: الضرورة، لا الترف.
كلام شكري يشبه الراب في جرأته، ويقارب العيطة في صدقه الداخلي. كلاهما لا يتحدث من فوق، بل من الداخل، من التجربة المعيشة، من أرض غير ممهدة، ولا تقبل التزييف. إنهم ينتمون إلى حقل رمزي لا تدخله الكلمات المصقولة، بل الأصوات التي تعرف ثقل الصمت، ومعنى أن تقال الحقيقة خارج السطر.
وفي خلفية هذا المشهد، يمكن تلمس صدى حركة «كوبرا» الفنية، التي رفضت الأشكال المكرسة للجمال، وسعت إلى فن تلقائي، حر، عفوي، ينبع من الطفولة واللاوعي. هذا التمرد الفني، وإن لم يعلن شعاراته، كان فعلا مزدوجا: تحرر من القوالب، وبحث عن تعبير لا يفلتره الخوف أو المجاملة.
إن العيطة، الراب، ومحمد شكري، يلتقون في كونهم أصواتا صادقة تنبثق من أماكن لم يطلب منها الكلام، لكنها قالت…

* فنان تشكيلي


الكاتب : عبدالقادر مسكار *

  

بتاريخ : 14/07/2025