«العيطة المرساوية» تعري واقع الإفلاس الثقافي بمجلس الجهة

تم، مؤخرا، الإعلان عن تنظيم مهرجان العيطة المرساوية الذي سيشهده تراب جهة الدارالبيضاء- سطات خلال هذا الصيف، وهو المهرجان الذي منح لمندوبية وزارة الثقافة كي تدبره ولكن تتبنى الجهة تمويله، حتى أن الإعلان عنه تم من طرف هذه المؤسسة التي نظمت ندوة صحفية بمعية المديرية الجهوية للثقافة، بطبيعة الحال لا أحد يمكنه أن يقف ضد مثل هذه المهرجانات التي تؤثث فضاءاتنا وتنعش حركيتها ، وتخلق فصول الفرجة والتثقيف لدى المواطن، لكن المشكل يكمن في تفويت التدبير لوزارة، فالمفروض أن المجالس المنتخبة لها استراتيجيتها الثقافية وأهدافها حتى أن القوانين المنظمة للمجالس المنتخبة تمنحها هذا الشرف، أما وأن تعيده إلى المركز، أي للحكومة التي هي من خصصت في برنامجها المالي حصة الجهة من التنشيط الثقافي، وتقوم الجهة بصرف ذات الأموال لمديرية تابعة للحكومة كي تشرف على هذا التنشيط ، هنا نجدنا أمام مشكل لابد وأن تسلط عليه الأضواء، وأن يعرض للنقاش، حتى نصل إلى نتيجة تجيب عن جدوى منح اختصاصات ثقافية لمؤسسات منتخبة.
لب الديمقراطية هو أن تكون للمجالس حصص مالية تهم الشق الثقافي، على اعتبار أن الثقافة جزء مهم في حياة المواطنين، وبطبيعة الحال أن سياسة القرب تنفذها المجالس المنتخبة لأنها هي الأقرب في التدبير اليومي لشؤون المواطنين، ثم إن الطاقات الفنية والإبداعية والأدبية المغمورة هي تقطن في واحد من تراب هذه المقاطعات، ولعل الأنشطة التي تقوم بها هذه الجماعات هي المعبر الأول لبروز هذه الطاقات .
انطلاقا من هذه الفلسفة، نجد أن مجلس الجهة وضعنا أمام تساؤلات لابد وأن يجيب عنها ، فهو إما أنه يرى في الثقافة مجرد ترف رغم تخصيصه لها أموالا طائلة، وبالتالي فوتها للمديرية كي تقوم مقامه ويخرج هو من تفاصيل المواجهة مع الفاعلين في قطاعات المسرح والسينما والغناء والتشكيل وغيرهم، ويلتفت هو للتوفنة والمارشيات الكبرى والصفقات ذات الأرقام السمينة ؟؟ ، أو أنه مقتنع بأن له نقصا معرفيا بشؤون الثقافة وبالتالي رام خط رميها لمؤسسة حكومية تعنى بهذا الشغل وكفى الله المومنين شر القتال، ضاربا عرض الحائط مبدأ المبادرة الحرة التي ارتكز عليها المشرع في تسطير القوانين المنظمة للمؤسسات الترابية .
نحن على مشارف العمر الأخير من هذه الولاية، ومع ذلك ظل مجلس الجهة جامدا غير متحرك في هذا الباب، فيما رأيناه متسابقا في مشاريع أخرى، وكاد أن ينزلق على ” رأسه ” ، في عجلته ذات الاهتمام بما يعرف بالمشاريع الكبرى، حينما تم التوقيع مع رئيس مقاطعة مرس السلطان الذي تم عزله مؤخرا من منصبه، على إحداث قرية رياضية فوق عقار اتضح في ما بعد أنه ملك للخواص وغير محفظ باسم جماعة الدارالبيضاء، وتمت معالجة الأمر بعد التوقيع من طرف السلطات حتى لا تكون هناك مشاكل مستقبلية تعرقل هذا المشروع .
في 2026 ستكون ولاية هذا المجلس قد انتهت، ومع ذلك لم يثبت بأن له رؤية ثقافية من شأنها أن تكون رافعة للتنمية وتمنح تراب الجهة الإشعاع الدولي المنتظر منها، فنخن بصدد جهة الدارالبيضاء سطات الحاضنة للعاصمة الاقتصادية، التي أرادها جلالة الملك أن تكون عاصمة للمال والأعمال، ونقطة جذب للاستثمارات القارية والدولية، وهو ما يتطلب خططا محكمة في جميع المجالات تصب في الأفق الذي رسمه لها عاهل البلاد، بمعنى أن الشق الثقافي عند الجهة يجب أن يطاول البعد العالمي بطبيعة الحال من خلال الكنز الإبداعي والتراثي الوطني، وهو ما يتطلب دراسة رصينة بأبعاد متعددة تحقق جميع الهداف المرجوة منها، المجلس الحالي وجد إرثا أمامه خلفه المجلس السابق كمهرجان المسرح والسينما والأغنية الغيوانية وغيره، كل هذا تم طمره وانطلق انطلاقة جديدة وغريبة أهمها أنه فوت تدبير أمور التظاهرات إلى قطاع حكومي، ونعلم جيدا أن وزارة الثقافة عليها أن تهتم بكل ما هو وطني، نعم عليها أن تسهم من خلال المديريات في ما هو محلي، لكن مشاريعها يجب أن تكون أكبر تبعا للتوجهات التي وضعتها الدولة، لا أن تتحول إلى مدبر لدى مؤسسة منتخبة، ثم عليها أن تعتمد على مواردها المالية الخالصة وليس على أموال المؤسسات المنتخبة، هذا التداخل لم يفقه فيه أحد شيئا علما أن جمعيات ونوادي في كل المدن ناجحة في تنظيم تظاهرات لها وقعها، وكان على مجلس الجهة أن يعمل بشراكة مع مثل هذه الجمعيات بدل منح صلاحياته لوزارة، ولو كان للوزارة مشروع في العاصمة الاقتصادية لظهر منذ الوهلة الأولى، ويبدو أن الوزارة مع شح المال لديها لا يمكنها على الأقل في الوقت الراهن أن تخطط لتظاهرات كبرى في كل بقاع المملكة، مجلس الجهة بدل ابتكار أداء جديد استنجد بالمندوبية ونحن على مشارف الولاية، ومطلوب منا أن ننتظر ما النتيجة التي سنحصد في الأخير، وكأنه يقر بأن المجلس يعاني الخواء الثقافي وينتظر من يحل محله، وهي صورة مضرة بالمنتخب وبالمؤسسات المنتخبة !


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 17/07/2024