الفريق الاشتراكي يعقب على رئيس الحكومة خلال جلسة المساءلة الشهرية

عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي:لا بد من تقييم موضوعي ذي بعد اجتماعي

لمعرفة الآثار الحقيقية للمخطط الأخضر في المعيش اليومي للمغاربة

تلوحون بشعار السيادة الغذائية وتخلطونه عمدا مع مفهوم الأمن الغذائي

أعلنت المعارضة الاتحادية بالبرلمان، مساء أول أمس، تأكيد تفردها في المواقف وتشبثها بالقيم الوطنية النابعة من كفاح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سيرا على نهج قادته المؤسسين، وجسدت مداخلة الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية خلال المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة حول السيادة الغذائية هذا التأكيد حيث ساءلت النائبة الاتحادية خدوج سلاسي رئيس الحكومة حول استراتيجية الحكومة لتعزيز السيادة الغذائية ببلادنا، وكذا التدابير المتخذة لتطوير المردودية الإنتاجية وتعزيز السيادة الغذائية الكفيلة بالاستجابة لجل حاجيات المغاربة، إضافة إلى الإجراءات المؤسساتية والتدبيرية المتخذة من أجل تأمين المخزون الاستراتيجي الغذائي .
وفي تعقيبه على ردود رئيس الحكومة عزيز أخنوش تدخل رئيس الفريق الاشتراكي  المعارضة الاتحادية عبد الرحيم شهيد، الذي بارك للمغاربة المبادرة الملكية التاريخية بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية، كما ثمن عاليا القرار الملكي السامي الذي يعزز المكتسبات الأمازيغية منذ خطاب أجدير سنة 2001، داعيا الحكومة إلى التقاط هذه الإشارة الملكية السياسية القوية، والتحلي بالجرأة اللازمة لأجرأة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مجالات التعليم والقضاء والإدارة ومجالات الحياة العامة ذات الأولوية.
وقال شهيد في تعقيبه على رئيس الحكومة: «سنناقش السيادة الغذائية من موقعنا في المعارضة كما نفهمها ونعي جيدا التزاماتها تجاه المصالح العليا للوطن ومصلحة المواطن. فالمعارضة الاتحادية تراكم تاريخي وسياسي ترك بصماته واضحة في المسار الديمقراطي لبلادنا، وسنواصل ممارستها بكل مسؤولية، بعيدا عن الشعبوية والانتهازية واقتناص الفرص. فبقدر رفضنا لكل تبخيس لأدوار المعارضة البرلمانية ضدا على الدستور ولكل الأحكام الجاهزة والموحدة حولها، بقدر مناهضتنا لأي تضليل أو تغليط في المشهد السياسي أو التمثيلي.
إننا نحرص على الوضوح من أجل تعزيز مساحات الفرز بين المبادئ والمواقف، وعدم اللجوء إلى الاصطفافات الشكلية لأن الجوهري بالنسبة إلينا أن يكون الاصطفاف مع مصلحة الوطن، ومع تعزيز الممارسة الديمقراطية التي أكد عليها زعيمنا سي عبد الرحيم بوعبيد حين قال بأن الشعب يتعلم الديمقراطية بممارستها، ومن خلال العمل المؤسساتي الذي ساهم فيه فقيدنا سي عبد الواحد الراضي الذي سنحيي ذكراه الأربعينية غدا.
إننا سنظل أوفياء لقناعاتنا، أينما كان موقعنا، في الأغلبية أو في المعارضة، ولن نقبل أي تشكيك في مواقفنا المبدئية. فكما كان واهما سابقا من اعتقد أننا «سنسخن أكتافه»، فواهم أكثر منه من يعتقد اليوم أننا سنكون رهن إشارته لنكون حلفاءه المستقبليين، لأننا ندرك جيدا أن المشاركة في تدبير الشأن العام مؤطر بالمقتضيات الدستورية».
وأوضح رئيس الفريق الاشتراكي أن «الحرص على الوضوح والانسجام هو ما يدفعنا إلى الاستغراب من وضع حكومتكم التي تفتقد لأبسط شروط الانسجام بين مكوناتها.
إنها علة الولادة التي جعلتكم، أثناء تشكيل الحكومة، سجناء البحث بأي ثمن عن الأغلبية العددية للهيمنة على المشهد السياسي والبرلماني والجماعاتي، بدل الحرص على الانسجام لإقناع المغاربة بجدوى الحكومات في اللحظات الصعبة.
ما نلاحظه من تناقضات صارخة في مواقف الأحزاب المشكلة للحكومة، وبلاغات نارية لحزبين حليفين تنتقد الحكومة التي يشاركان فيها وينفذ وزراؤهما سياستها، أي معنى نريده للسياسة وللعمل الحكومي في ظل التهرب من تحمل المسؤولية المشتركة، والبحث عن الخلاص الفردي،
ومع الأزمة، انفضوا من حولك وتركوك قائما، وقالوا لك اذهب وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون.
ليس بهذا السلوك السياسي نتحمل المسؤولية أمام المغاربة».
واسترسل شهيد موجها خطابه لرئيس الحكومة « لقد تسرب ارتباككم السياسي إلى المؤسسة البرلمانية بفشلكم في تعبئة أغلبيتكم حين رفضت لجنة برلمانية مناقشة مشروع المرسوم بقانون رقم 2.23.195 في سابقة خطيرة لم يشهدها تاريخ المؤسسة التشريعية.
وبلغتم ذروة الارتباك الحكومي مع التناقض والتضاد مع المعطيات الصادرة عن بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط، والمفترض أنها مؤسسات دستورية شريكة لكم.
انظروا كيف بدأت حكومتكم ولايتها بالتغول، وأوصلتها الأقدار اليوم إلى الترهل.»
«وإذ نثمن استجابتكم لمناقشة موضوع السيادة الغذائية، لأنه يتيح فرصة التقييم الموضوعي للمخططات والبرامج المعتمدة، يردف شهيد، فإننا نقول لكم بأن حكومتكم، بعد فشلها في تدبير الوضعية الصعبة لبلادنا، تعاملت مع الموضوع كشعار انتخابي مكمل لشعار الدولة الاجتماعية الذي بقي حبرا على ورق.
ها أنتم تلوحون بشعار السيادة الغذائية وتخلطونه عمدا مع مفهوم الأمن الغذائي.
ما يؤكد منطق الشعارات، أننا، منذ إعلان السيادة الغذائية موضوعا للمساءلة الشهرية قبل شهر، تفاجأنا لهيمنة الحكومة وأغلبيتها في الإعلام العمومي (استضافة وزير الفلاحة، الكاتب العام لوزارة الفلاحة، وزراء ونواب، رئيس شبيبة حزبية، …). واستغربنا الهيمنة الإعلامية على أغلبية المواقع الإلكترونية والصحافة المكتوبة والإذاعات الخاصة لتمرير الرؤية الحكومية حول المنظومة الفلاحية ومخطط المغرب الأخضر.
إننا نخشى على الديمقراطية والتعددية السياسية من مثل هذه الممارسات الإقصائية البائدة التي تحرم المعارضة البرلمانية من حقوقها المنصوص عليها في الفصل 10 من الدستور.
الأدهى من ذلك، أنه بعد أن استبشرنا خيرا بتفعيل مكتب مجلس النواب للفصلين 70 و101 من الدستور بشأن تقييم السياسات العمومية وتشكيل المجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم مخطط المغرب الأخضر، نستغرب توقف أشغالها بعد أن تمت هيكلتها منذ ما يزيد عن السنة، أي منذ 9 مارس 2022، مع العلم أن هذه اللجنة الموضوعاتية كانت بطلب من فرق الأغلبية وترأس أعمالها رئيس فريق  ينتمي إلى الأغلبية.
فهل من المفيد، يتساءل رئيس الفريق، تعطيل آليات التقييم المؤسساتي لمخطط اعتبر من أهم أدوات السيادة الغذائية، إلى جانب مخططات وصلت مداها، من قبيل مخطط «أليوتيس» ومخطط الماء؟
في غياب هذا التقييم المؤسساتي، نترك مسألة التقييم للشارع الذي تكون حجته الأولى والأخيرة هي الواقع العنيد الذي يعيشه والغلاء المستمر الذي يعاني منه.»
وطالب رئيس الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية خلال تعقيبه بإجراء تقييم موضوعي ذي بعد اجتماعي بخصوص مخطط المغرب الأخضر، وقال في هذا الصدد: « إننا لن نقنع المغاربة بالتقييم التقني لوزارة الفلاحة، والذي خلص إلى أن مخطط المغرب الأخضر لم يعرف أي اختلالات، وهو نفس خطاب الهيئات المهنية التي تواكب وزارة الفلاحة. إن المطلوب اليوم هو إجراء تقييم موضوعي ذي بعد اجتماعي لمعرفة الآثار الحقيقية لهذا المخطط في المعيش اليومي للمغاربة.
المطلوب اليوم أن نتحلى بالشجاعة لنقر بأن أكثر من عشر سنوات لم تسعف في تمكين المغاربة من الغذاء بأسعار مناسبة، ولم تخلق طبقة فلاحية متوسطة، إذ حسب دراسة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله، اتضح أن  40 % من المستثمرين  في المجال الفلاحي  لا علاقة لهم بالمجال، وأن جل الفلاحين هاجروا إلى المدن، كما أنها  لم تحقق اكتفاء ذاتيا في أي مادة من المواد الاستهلاكية الأساسية، ولم تسعف الفلاحين الصغار والمتوسطين في الولوج إلى المواد الأولية بأثمان مناسبة لتطوير إنتاجهم الغذائي. وبدل المساهمة في التشغيل، أصبحنا اليوم أمام واقع مر حيث سجل الفصل الأول من سنة 2023 فقدان 247 ألف منصب شغل في مجال الفلاحة والغابة والصيد.
إننا، إذ نسجل بأن النمط الفلاحي الموجه للتصدير حقق نتائج ملحوظة، وينبغي تطويره وتأطيره قانونيا وجبائيا، فإننا نعلن عدم ارتياحنا لتهميش النمط الفلاحي الموجه للاستهلاك الداخلي، والاستغناء عن الفلاحة المعيشية التي كانت صمام أمان للغذاء والاستقرار.
لنتوقف عند بعض الأرقام:
بين سنة 2008 وسنة 2021 (والأرقام بالألف قنطار):
–    كنا نستورد من الفول 9 أصبحنا نستورد 336،
–    كنا نستورد من الجلبانة 3 أصبحنا نستورد 161،
–    كنا نستورد من العدس 171 أصبحنا نستورد 680،
–    كنا نستورد من الحمص 1 أصبحنا نستورد 76،
–    كنا نستورد من الفاصوليا 14 أصبحنا نستورد 102.
كيف تفسرون هذا المنحى التصاعدي المهول في استيراد القطاني والذي كان لصالح الموردين الذين أصبحوا طبقة اقتصادية تفعل فعلها في الاقتصاد الوطني؟
بالنسبة للحبوب، تؤكد معطيات وزارة الفلاحة أن مردودية الهكتار الواحد من الحبوب ارتفعت بنسبة 42 % ما بين 2003 و2019. ورغم أن محاصيل المواسم الفلاحية رهينة بالأمطار، فإننا لا نفهم ارتفاع واردات الحبوب حتى في السنوات الفلاحية الممطرة.
ولا نفهم أيضا عدم تمكين الرأي العام من المعطيات لأن المؤشرات المعروضة في الموقع الرسمي لوزارة الفلاحة حول هذا الموضوع، وحول مختلف السلاسل الفلاحية، تقف عند سنة 2019، ولا نعرف سبب حجب معطيات السنوات الثلاث الموالية.
بالنسبة لسلسلة اللحوم الحمراء، تقرون بأن مردودية القطيع تحسنت بحوالي 36 % عند الأبقار و23 % عند الأغنام ما بين سنة 2008 وسنة 2019. ولا ندري كيف يستمر العجز في الاستجابة للطلب بأثمان مناسبة، في ظل غياب سياسة متوازنة مع استهلاك الأسماك التي عرفت بدورها ارتفاعا في الأسعار.
آخر الأرقام وردت في تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم 2021 في ما يتعلق بحصيلة نظام التجميع باعتباره أحد أسس مخطط المغرب الأخضر:
–    الهدف هو إنجاز 286 مشروعا تجميعيا بحلول سنة 2020، ولم يتم تنفيذ إلا 63 مشروعا، أي بنسبة إنجاز لم تتجاوز 22.%
–    الهدف هو تجميع ما يقارب 377.365 فلاحا مجمعا بما يشمل مساحة قدرها 807.943 هكتارا من الأراضي الفلاحية وقطيعا يقدر بـ 1.583.277 رأسا من الماشية، بينما لم يتحقق إلا تجميع 56.473 فلاحا مجمعا، أي بنسبة إنجاز 15 %، وتجميع مساحة 182.853 هكتارا، أي بنسبة إنجاز 23 %، وتجميع 126.238 رأسا من الماشية، أي بنسبة إنجاز 8 %.
–    انعدام العدالة المجالية إذ لم تتجاوز نسبة الإنجاز 24 % في جهات فاس مكناس، وبني ملال خنيفرة، والدار البيضاء سطات، والرباط سلا القنيطرة، ومراكش آسفي، وطنجة تطوان الحسيمة، والعيون الساقية الحمراء، والداخلة وادي الذهب.
–    بالنسبة لسلسلة الحليب، تم إنجاز 8 مشاريع فقط من أصل 32 مشروعا متوقعا، أي بنسبة 25 .%
–    بالنسبة لسلسلة اللحوم الحمراء، تمت برمجة إنجاز 20 مشروعا، غير أنه لم يتم تنفيذ سوى مشروعين فقط، أي بنسبة 10 % فقط.
–    بالنسبة لسلسلة الحبوب، تقرر إنجاز 27 مشروعا للتجميع، غير أنه لم يتم إنجاز سوى خمسة مشاريع.
–    بالنسبة لسلسلة الحوامض، تمت برمجة إنجاز 41 مشروعا، وتمت المصادقة على 27 منها من طرف اللجان التقنية المختصة، ولم يتم إنجاز سوى 14 مشروعا.
–    بالنسبة لسلسلة الزيتون، تم وضع هدف تطوير 170 مشروعا، ولم تتم المصادقة إلا على 19 مشروعا من أصل 43 مشروعا متوقعا، أي ما يعادل 44 % من الهدف المسطر، ولم يتم إنجاز سوى 5 منها، أي بنسبة إنجاز لم تتجاوز 12 .%
–    بالنسبة لسلسلة الأشجار المثمرة، تمت برمجة 23 مشروعا، غير أنه تم إنجاز 6 مشاريع فقط، أي بنسبة إنجاز بلغت 26 .%
وبدل تحلي الوزارة المعنية بالجرأة والإقرار بفشلها في تحقيق الأهداف التي سطرها مخطط المغرب الأخضر، لم تجد حرجا في جوابها على ملاحظات المجلس بأنها ستأخذ ذلك بعين الاعتبار أثناء تنفيذ استراتيجية الجيل الأخضر التي لم تخضع لأي مشاورات مجتمعية.
ولذلك، نسائلكم اليوم: هل تعكس النتائج المحققة حجم الاعتمادات المالية المرصودة للمخطط؟ وما هي كلفته المائية والبيئية والعقارية للمخطط؟
نسائلكم أيضا عن الآثار الاجتماعية، لأن المخطط أفرز لنا، مع كامل الأسف، تكتلات مهنية سلمناها رقاب المغاربة، وفي غالبها تكتلات بأهداف سياسية ؟».
وألح شهيد في ختام مداخلته على ضرورة إعادة النظر في السياسة الغذائية لبلادنا، والقطع مع النموذج الفلاحي الحالي من خلال التقييم الحقيقي للمخططات الحالية، مع إشراك الفاعلين السياسيين في أي مرحلة جديدة، لأن القضايا الاستراتيجية الحيوية ليست حكرا على أي طرف حكومي أو سياسي واحد، داعيا الحكومة إلى إرساء نموذج فلاحي جديد لتكريس السيادة الغذائية من خلال مراجعة الخريطة الزراعية، والرفع من الإنتاج الفلاحي الوطني، وتوفير المخزون الغذائي من خلال الإسراع بوضع المنظومة الوطنية المتكاملة للمخزون الاستراتيجي التي دعا إليها جلالة الملك.
«على حكومتكم، يقول رئيس الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، القيام بإصلاح مؤسساتي شامل يعيد النظر في مهام وصلاحيات المتدخلين لتحقيق التناسقية في تنفيذ السياسة العمومية الفلاحية، وعليها تعزيز المنافسة ومواجهة أشكال المضاربة والريع والاحتكار، مع إعادة تنظيم سلاسل التسويق وتقنين دور الوسطاء.
إن تعزيز السيادة الغذائية لا يحتاج لحكومات تجيد رفع الشعارات أوترتكن إلى تبرير الأوضاع الصعبة، بل يتطلب حكومة متماسكة وجريئة لها الشجاعة في معالجة المشاكل الحقيقية للمغاربة، وابتكار سياسات عمومية مستجيبة لانتظارات المغاربة، وفي مستوى تطلعات الدولة الاجتماعية».


الكاتب : محمد الطالبي - الرباط

  

بتاريخ : 10/05/2023