الفنانة التشكيلية بشرى زروق: حيث يولد الضوء من الصمت

 

في زمن تتسابق فيه الصور على جذب الانتباه، وتتنافس الألوان في الصخب، تأتي لوحات الفنانة التشكيلية بشرى زروق كأنفاس هادئة تعيد للمشاهد حقه في التأمل والعودة إلى ذاته. أعمالها لا تفرض نفسها، بل تدعو العين بلطف إلى عالم يخترق فيه الضوء المادة، ويحيي اللون الذاكرة، ويتحول الصمت إلى لغة بصرية راقية.
في مشاركتها الأخيرة ضمن المعرض الجماعي بمكتبة مؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، قدمت بشرى ثلاث لوحات من سلسلتها الجديدة «الضوء الداخلي»، التي تتجاوز الجمال البصري لتطرح سؤالاً وجودياً رقيقاً: ما العلاقة بين ما نراه وما نشعر به في أعماقنا؟ وتقول: «الضوء في لوحاتي ليس مجرد تأثير بصري، بل رمز للوعي والتحول، فكل طبقة من اللون تمثل تنفساً ومساحة من الصمت والطاقة في آن واحد.» هذا النور ينبعث من داخل اللوحة، ومن داخل المشاهد نفسه، ليعيد ترتيب فوضى العالم من الداخل.
بشرى زروق لا تنتمي إلى مدرسة فنية واحدة، بل تنسج مسارها الخاص حيث يلتقي التجريد الحديث بالحس الشعري، وتصف رؤيتها: «عملي يتأرجح بين التجريد والشعرية، أترك للون والشفافية والإيقاع الحركي أن يقودوني.» سلسلتاها «المناظر الشعرية» و»الضوء الداخلي» ليستا مجرد مناظر طبيعية، بل فضاءات حسية مستوحاة من إيقاعات المغرب: ضوء البحر، حرارة الصحراء، همس الجبال، وزخرفة الزليج، كل عنصر يتحول في يدها إلى طبقات لونية شفافة كأن اللوحة كائن حي يتنفس بين الجدار والعين.

تستخدم بشرى الوسائط الفنية بذكاء يخدم رؤيتها، من الزيت للأعمال ذات الكثافة العاطفية أو البعد الواقعي، إلى الأكريليك والتقنيات المختلطة، لخلق سطوح تتداخل فيها السيولة مع البنية، وتولد مساحات مفتوحة للتأمل. لوحاتها، صغيرة كانت أو كبيرة، تُنفّذ على إطارات خشبية أو ورق سميك، ما يمنحها حضورا مادياً يعزز بعدها الروحي ويجعل المشاهد شريكاً في حوار صامت.
رغم الطابع التأملي لفنها، لا ينعزل عن الواقع، فهي ترى في اللوحة فضاءً للالتقاء وليس مجرد تعبير فردي، وتطمح لأن تجد أعمالها مكاناً ليس فقط في المتاحف والمعارض الدولية، بل في الحياة اليومية والذاكرة الجماعية. تقول بشرى: «أتمنى أن تُشعر لوحاتي المتلقي بالسكينة والانفتاح، وأن تدعوه إلى التمهل والتأمل، ليعود إلى ذاته وإلى الضوء الداخلي الذي يسكنه.»
ولدت بشرى زروق وترعرعت بمدينة تازة، حيث شكل التلاقح بين تضاريس الجبال وجمال النور حسها البصري منذ الطفولة، وانعكست روح المكان في أعمالها، حاملة تأثيرات ضوء جبال الأطلس وتفاصيل الحياة اليومية المغربية، لتتبلور لغتها التشكيلية الخاصة، عميقة الجذور، مغربية الروح، وإنسانية الرسالة.
في معرض مكتبة مؤسسة مسجد الحسن الثاني، لا تبحث بشرى زروق عن الإعجاب، بل عن اللقاء، لقاء المشاهد مع ذاته، مع ذاكرته، ومع ذلك النور الخافت الذي لا ينطفئ. لأن فنها في جوهره ليس رسماً على قماش، بل تنفس بصري، صمت ملون، وضوء يُضيء من الداخل.
اليوم بدأت بشرى زروق رحلتها خارج الحدود، حاملة رسالة بسيطة لكنها عميقة: الجمال الحقيقي لا يُرى بالعين، بل يُشعر بالروح، وستواصل تطوير رؤيتها الفنية بين التجريد والحس الشعري، مشارِكة بانتظام في معارض مميزة، منطلقة من قناعة أن الفن جسر بين الذات والعالم.


الكاتب : عبد المجيد رشيدي

  

بتاريخ : 17/11/2025