الفنانة التشكيلية لبنى لمزابي لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»: الإبداع وسيلتي الوحيدة لمحاربة التفاهة والانحطاط

لبنى لمزابي فنانة تشكيلية عصامية شغفها وحبها للفن التشكيلي بدأ خلال مرحلتها الدراسية حيث سنحت لها الفرصة للمشاركة في مسابقات فنية مدرسية حصلت فيها على عده جوائز تنويهية مما كان يحفزها أكثر للاستمرار ويزيد من حجم حبها وعشقها للرسم قبل أن تنطلق في احترافية هذا الفن.
فلسفتها تعكسها أعمالها التي تظل متفاعلة مع المشاعر والعواطف والألوان في لحظة إبداعية لا تخلو من الجمال والتناسق تنبثق فيها الأفكار وتتزاوج فيها الطبيعة والثقافة.
في هذا الحوار تكشف الفنانة التشكيلية التطوانية لبنى لمزابي عن خفايا هذا الفن والإشكالات التي يواجهها وكذا طموحاتها المستقبلية .

– كيف كانت بدايتك مع الفن التشكيلي وما هو أول عمل أنجزته وقررت أن يكون باكورة أعمالك؟
– بالنسبة لبدايتي مع الفن فقد كانت منذ نعومة الأظافر، حيث كنت أجد متعة لا توصف عندما كنت أشاهد إخوتي الأكبر مني سنا يمارسون نشاطهم الفني المدرسي الابتدائي في البيت ومن خلال ذلك اكتشفت عالم الرسم والصباغة والألوان فلم تكن تسلم جدران ودواليب المنزل من ولعي بالرسم.
وبعد ولوجي سوق الشغل أحسست بعدم الانتماء للمحيط الذي اعمل فيه ـ مما دفعني للبحث عن ذاتي المفقودة والعودة إلى الألوان والفن والإبداع. حاولت جاهدا تطوير مهاراتي في أوقات الراحة والعطل بالممارسة والبحث وحضور المعارض والاحتكاك بفنانين كبار وفي سنه 2016 كانت أول انطلاقة لي بشكل احترافي بمشاركتي بالمهرجان الدولي الثاني للفن المعاصر . أعتبر أول عمل فني لي وأول عمل لي على الحائط ، كان برواق المركز الثقافي لتطوان وهو عمل سريالي لفلكلور التبوريدة والثقافة الجبلية الشمالية. المراحل التي مررت بها منذ البداية إلى الآن هي مرحلة الانبهار، مرحله التجربة، مرحلة المقارنة ومرحلة الممارسة، والبحث وهذه الأخيرة تبقى مصاحبة للفنان الى آخر الحياة فكل عمل إبداعي أنتجه أعتبره مجرد سلم ينقلني إلى عمل إبداعي أخر ويرفع من نضجي ووعيي كفنانة تشكيلية ويرتقي بي إلى مستوى أفضل.

– هل هناك فلسفة أو توجه معين بالنسبة للفنانة لبنى تحاول إيصالها عبر لوحاتك ؟
– بحكم حبي الكبير لبلادي المغرب الغني بمصادر الإلهام والإبداع وبتعدد ثقافاته، فاني أحاول إيصال العديد من الفلسفات حول هذه الثقافة، مضيفة إلى ذلك موضوع المرأة والطفل كعنصرين أساسيين ولبنة مهمة في صناعة المجتمع. أما بالنسبة لتوظيفي لموضوع المرأة، فأنا اعتبرها رمز القوة والتماسك والصمود والجمال والأنوثة ليس فقط الجمال الخارجي وكذلك الداخلي، وهي رمز للأمومة والرعاية ودورها كبير في تربية الأجيال وصناعة المجتمع. أتطرق كذلك لموضوع الطفل لما له من أهمية قصوى ورمزيته تكمن في البراءة والطهارة والاستكشاف والتطور والمستقبل والأمل، فمن خلال اعتنائنا بالطفولة وتقديم الرعاية والتعليم لها يمكننا صناعة المستقبل.

– أعمالك و لوحاتك هل تتطلب معرفة وتخصصا معينا لمعرفة معانيها و دلالتها أم أن الأمر متاح للجميع ؟
– أعمالي الواقعية والانطباعية تتطلب معرفة وتخصصا معينا لفهم معانيها ودلالاتها بشكل كامل، لكن يمكن للجميع فهمها وتذوقها والاستمتاع بها بدرجات مختلفة. فمثلا الأعمال الواقعية غالبا ما يتم التركيز فيها على التفاصيل الدقيقة ومن خلالها يمكن معرفه تاريخ العمل الفني والتقنيات التي تمت بها وكذلك الأدوات، وإذا كان العمل الواقعي رمزيا فيحتاج من المتلقي معرفة الرموز والاستعارات المستخدمة. أما بالنسبة للسياق التاريخي فقد يلعب دورا كبيرا في اكتمال الرؤية الكاملة للوحة. أما بالنسبة للأعمال الانطباعية فتحتاج إلى فهم التأثيرات النفسية والأحاسيس التي يراد إيصالها كتأثير الألوان والضوء على المشاعر، وفهم كيفية استخدامها وفهم كيفية استخدام الحركة والتناسق لخلق تأثير معين ولا ننسى السياق الثقافي والفني الذي تم فيه إنشاء العمل.
– هل الموهبة وحدها كافية للإبداع أم أنها تحتاج لدراسة وتكوين ؟
– الموهبة هي أساس الإبداع في الفن التشكيلي، لكنها ليست كافيه بذاتها الدراسة والتكوين يلعبان دورا هاما في تطوير المهارات الفنية والفكرية، مما يساهم في إنتاج أعمال فنية متقدمة ومتميزة. ما يميز الإنسان الموهوب هو رؤيته للعالم بطريقة فريدة ومختلفة عن الأشخاص العاديين وكذلك قدرته على الإبداع الطبيعي بشكل تلقائي وعفوي يعبر من خلاله عن مشاعره وعواطفه بسهولة، أما بالنسبة للدراسة والتكوين فهي تساهم في تطوير المهارات الفنية من خلال التقنيات والمهارات وفهم نظريات وتاريخ الفن وتطوير الفكر النقدي وتحليل الأعمال الفنية ، وكذلك تحسين الإنتاج الفني وجودة الأعمال. ومع إنني فنانة عصامية، فهذا لا ينفي إصراري الدائم لتطوير مهاراتي ومعرفتي الفنية من خلال البحث المستمر والاحتكاك بالفنانين وزيارة المعارض لتحقيق التوازن بين المعرفة والموهبة لتطوير هذه الأخيرة ، وتحقيق أعمال فنية تصبو إلى طموحاتي.

– ما هي طموحات الفنانة لبنى التي تسعى إلى تحقيقها من خلال هذا المجال ؟
– من بين طموحاتي التعبير عن الذات وإيصال مشاعري ورؤيتي الى الجمهور والابتكار والتجديد، حيث أقدم أعمالا فنية مبتكرة ومتميزة ترضي شغفي وكذلك التأثير في المجتمع من خلال الفن والتعبير عن المواضيع التي تهمني سواء كانت ثقافية، اجتماعية او وطنية. ومن جهة أخرى أرغب في التوسع والانتشار من خلال الحصول على اعترافات دولية والمشاركة في معارض رفيعة المستوى، والحصول على جوائز فنية وإنشاء تعاون مع فنانين من مختلف أنحاء العالم. وبالنسبة للطموحات الشخصية فإني أصبو دائما للتطوير المستمر لمهارتي وتحقيق الاستقرار المادي الذي يشكل في الحقيقة تحديا كبيرا بالنسبة للفنانين المحترفين المغاربة.

– كيف تقيمين الحركة التشكيلية بتطوان بصفة خاصة، والمغرب بصفة عامة ؟
– تطوان تجمع بين الفن القديم والحديث مع تأثيرات ثقافية عربية وأمازيغية واسبانية، الجميع يعلم أن أول مدرسة للفنون الجميلة كانت بمدينة تطوان وتضم هذه الأخيرة حاليا مراكز فنية متعددة مثل المتحف الوطني للفنون التشكيلية والمركز الثقافي لتطوان ، مركز إكليل وقاعة برتوتشي بدار الصنائع ومراكز أخرى، إضافة إلى مقاه فنية، مما يخلق حركة تشكيلية غنية ومتنوعة تساهم في خلق معارض بانتظام وتشجيع المواهب الشابة على إبراز أعمالها. مع ذلك هناك تراجع مشاركة بعض الفنانين المحترفين والمرموقين في الساحة الفنية التطوانية. ربما هو موقف أو احتجاج غير مباشر على وضعية الفن التشكيلي في المدينة. شخصيا لا يمكنني الجزم ولا يمكنني تقييم وضعية الفن بتطوان من وجهة نظري فقط، ولكن الأمر يحتاج دراسة معمقة من قبل باحثين ونقاد .
المغرب كان دائما رمزا للفنون التقليدية والأمازيغية والإسلامية التي تتجلى في كل جزء من الثقافة وجاءت الحركة الفنية المغربية، لتنتج فنانين كبار ساهموا في كتابة تاريخ الفن المغربي وإنشاء مراكز فنية مثل المتحف الوطني للفنون الحديثة بتطوان والمتحف الوطني للفنون التشكيلية بالرباط.
أخيرا كل الشكر لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» على هذه الاستضافة الجميلة وأتمنى من المسؤولين والفنانين المبدعين و المجتمع المدني أن يتحدوا لرقي هذا المجتمع ومحاربة التفاهة والانحطاط. .


الكاتب : مكتب تطوان:  عبد المالك الحطري

  

بتاريخ : 22/01/2025