في مدينة الصويرة، حيث تتعانق أصوات الموج مع نفحات الرياح وأصداء العود والريشة، تبرز تجربة فنية عصامية بصوت أنثوي جريء وحس إنساني عميق. إنها تجربة الفنانة التشكيلية ثورية الحساني، التي وجدت في الفن ملاذًا ومساحة للبوح، وسط عالم يضج بالضوضاء والتكرار. بالنسبة إليها، الرسم ليس مجرد ممارسة إبداعية، بل فعل وجود وامتداد وجداني يعكس علاقة حميمية بين الذات واللون، بين المعاناة والتعبير، بين الحياة كما هي والحياة كما ينبغي أن تُعاش.
لم تلج الحساني عالم التشكيل عبر أبواب الأكاديميات أو ورش التكوين التقليدي، بل دخلته كما يدخل الحالمون عوالمهم الخاصة: بالإنصات العميق للداخل، وبالبحث عن المعنى في تفاصيل اليومي. هي فنانة عصامية بكل ما تحمله الكلمة من معان، تستند فقط إلى تجربة شخصية صادقة ورغبة جامحة في التعبير والتغيير من خلال اللوحة.
ورغم حداثة تجربتها، استطاعت أن تفرض اسمها في المشهد التشكيلي المحلي بالصويرة، لا بضجيج الأضواء، بل بعمق ما تقدمه وصدق ما تعبر عنه. اختارت التجريد كخيار تعبيري حر، بعيد عن القيود، لا يعيد إنتاج الواقع بل يفككه ويعيد تركيبه وفق رؤيتها الداخلية. ألوانها مكثفة، إيقاعية حينًا وهادئة حينًا آخر، لكنها دائمًا صادقة، تعكس حالاتها النفسية ومواقفها من الواقع، وتوثق لحظات قد تمر عابرة في نظر الآخرين لكنها تتحول عندها إلى أثر بصري حي.
ما يميز الحساني أيضًا هو انفتاحها على تجارب غيرها من الفنانين؛ لم تنغلق في مرسمها، بل شاركت في معارض جماعية جنبا إلى جنب مع أسماء وازنة، ما منحها فرصة للاحتكاك والتعلم، وجعل هذه المشاركات مختبرًا لصقل أسلوبها والانخراط في دينامية فنية حقيقية تنبض بها الصويرة.
هذه المدينة التي طالما احتضنت الأرواح الحرة والمواهب العصامية، وجدت فيها ثورية الحساني بيئتها الطبيعية لتبلور مسارها الخاص. لا تقلد أحدًا، ولا تنتمي إلى مدرسة تقليدية، بل تمضي بثبات نحو خلق أسلوب شخصي يمزج بين الجمالية والحس الإنساني.
لوحاتها ليست مجرد أعمال للعرض، بل دعوة إلى التأمل والتفكير، تضع المتلقي أمام مرآة الذات، وتحثه على مساءلة المعنى والشعور والتفاصيل الخفية. وفي مشهد فني يغلب عليه الحضور الذكوري، تثبت الحساني ذاتها كصوت نسائي أصيل، يشتغل بصمت، ويترك أثره الواضح في كل لوحة.
تجربتها تنتمي إلى مدرسة الفن كتحرر وأمل، تمنحنا من خلالها لحظة توقف في عالم سريع، لحظة إنصات للمسكوت عنه. فهي ليست فقط فنانة تشكيلية عصامية من الصويرة، بل حالة فنية وإنسانية تجسد معنى الإبداع في أعمق صوره. عبر أعمالها التجريدية تقدم مرآة لروحها، وتدعونا إلى إعادة اكتشاف ذواتنا والعالم من حولنا.
تؤمن ثورية الحساني بأن الفن ليس مجرد تعبير فردي، بل رسالة تحمل دعمًا وتشجيعًا للنساء، خاصة من يعشن على الهامش. ترى في الألوان وسيلة لتحرير الطاقات وبوابة لاكتشاف الذات، معتبرة أن الريشة قد تكون صوتًا لمن لا صوت لهن. من خلال لوحاتها تسعى إلى إلهام النساء وتحفيزهن على الإبداع وكسر القيود المجتمعية، مؤكدة أن كل امرأة تخفي في داخلها فنانة تنتظر فقط الثقة لتخرج إلى النور.
الفنانة ثورية الحساني.. لمسة تجريدية تنبع من أعماق مدينة الرياح

الكاتب : عبد المجيد رشيدي
بتاريخ : 13/09/2025