فرضت جائحة «كورونا»، ومن دون إشعار مسبق، قرار حظر التجول على الفنانين التشكيليين، ما جعلهم يغلقون أبواب بيوتهم ومحترفاتهم عليهم طواعية وكرها، ويلتحقون بالعالم الافتراضي كرواق بديل للمشاركة عبر الملصق أو التصوير، إسهاما في التحسيس بخطورة الجائحة .
اختلف الفنانون التشكيليون في أمر هاته العزلة الإنسانية المضروبة عليهم، هل يمكن اعتبارها فترة انكفاء على الذات في البعد الديني والبعد الروحي، أم شد خناق على حرية البدن والنفس، أم مناسبة لإطلاق العنان للفكر والخيال والإبداع وإعادة ترتيب أوراقهم والتزاماتهم والتأقلم مع الوافد الجديد.. من خلال منجز تعبيري يوثق لهواجسهم وقلقهم وتوترهم وتجاربهم اليومية، ينفذون بعضها بما لديهم من مواد وأخرى بواسطة الفن الرقمي.
ولئن كان الفنان التشكيلي يترقب منذ وقت طويل اعترافا رسميا به..ولم يتأت لحد الآن، فإن كورونا ضاعف من معاناته، وأعاق تحركاته. فثمة من يشكل الفن التشكيلي دخله الوحيد !
نحاور اليوم نور الدين فاتحي فنان تشكيلي من مواليد1962 بالمحمدية.يعيش ويشتغل بالمحمدية.خريج المدرسة الوطنية للفنون الجميلة،ديجون-فرنسا.ينتمي لجيل الثمانينات الموسوم بالاشتغال على التشخيصية الجديدة.مستشار وممثل الترينالي العالمي لفن الحفر-شامليار-فرنسا.عضو اتحاد كتاب المغرب.له عدة معارض داخل المغرب وخارجه.وطائفة من المؤلفات في إطار التشكيل المغربي الحداثي المعاصر.مهندس عدة معارض جماعية في الداخل والخارج.
– كيف تُمضون الوقت في البيت في ظل الحجر الصحي؟ وهل تعتبرون هذا الواقع المستجد، بمثابة فترة استراحة محارب، أم حجرا على الحرية؟ أم مناسبة للتأمل ومزيد من الخيال والإبداع؟
وضعت جائحة كورونا العالم وجها لوجه أمام وضعيته الهشة ونظامه المعطوب، وخصاصه الأخلاقي، وعزوفه عن الانضباط بقواعد العيش قبل التعايش،
والالتزام بحقوق الآخر، كشرط للحفاظ على حقوق الذات، كما أكدت على ارتباط الإنسانية رغم اختلافها وتعددها وتفاوت قواها. ضمن هذا الطرح، خصصت زمن الحجر أولا للاشتغال الصباغي على موضوع عنونته»استحالة الطفرة»، والكتابة، في نفس الموضوع طبعا.
«استحالة الطفرة»، ممكن تلخيصها فيما نشهد عليه في مرحلتنا الراهنة من محاولات مخبرية للتدخل في الجينات البشرية والحيوانية، قصد التوصل إلى واقع غير معهود، قد يفضي إلى ما لا تحتمله الطبيعة ولا تتقبله مبادئ الخلق والخليقة.
– هل توثقون لجائحة كورونا في لوحاتكم؟ وما الأبعاد التي تركزون عليها؟
منذ مدة ، أشتغل على علاقة الفكر التاريخي من جوانبه الأسطورية والفلسفية والسياسية بالفعل الإبداعي. وحسب سياقه، لاحظت انجرافه نحو اتجاه لم يكن معهودا تم الاشتغال عليه في سرية، وفي نطاق جد خاص،أسفر عن حضارة معتوهة، ربما وضعنا الحالي،هذه الجائحة المعاصرة، هي من نتائجه.لكن في الآن نفسه،لابد من الاعتراف بالقدرة الهائلة التي حققها الإنسان على تنظيم حركاته وتحركاته، مهما كان ويكن.
– تسببت كورونا في خلق حالة تذمر واستياء عام وسط نسبة كبيرة من الفنانين التشكيليين خاصة ذوي الدخل المحدود بسبب صعوبة مواجهة إكراهات المعيش اليومي،ما قولكم؟
تأثير هاته الجائحة، بدأ يظهر في جميع المجالات، إذ من البديهي، أن يتأثر الفن كما تتأثر الثقافة، والأمر كذلك، لكن وهذا ما كنت أدافع عنه دائما، فالعوالم الرقمية مهما تطورت واكتسحت واقعنا الجسدي،
فالحضور الجسدي مسألة حيوية ضرورية لضمان تطور الإنسان ومجالاته، وما العودة إلى الطباعة الورقية الآن(جرائد-مجلات-كتب) إلا خير دليل على علاقة الإنسان كجسد بباقي الأجساد والمجسمات والمواد.
– هناك دعوات في مواقع التواصل لاقتناء أعمال الفنانين التشكيليين وبيعها في المزاد، من أجل مساعدتهم اجتماعيا، ما رأيكم؟
عرضُ الأعمال الفنية في مواقع التواصل الاجتماعي، شيء محمود.لكن، لا يمكن أن يحل محل العمل نفسه. فالعمل الفني في حد ذاته، رامز للوجود، مكان،زمن، مادة، ألوان، نظرة المشاهد المسجلة لحضوره.
العمل، في مواقع التواصل، ما هو إلا صورة، والصورة لاتحل محل الشخص مهما كانت وفية له.
– الاقتناء الذي ستقوم به مؤسسة المتاحف المغربية،هل هو عملية لدعم الفنانين المتضررين،أم عملية اقتناء للمتحف؟
اقتناء الأعمال الفنية من طرف المؤسسة الوطنية للمتاحف، هو إثراء لتراث البلاد.فالتراث لايعني القديم، بل هو إضافات عبر الزمن، مصاحبة للإبداع نحو مستقبل يخدم حاضره ، ويستوعبه، ويمنح له طاقة الاشتغال. ضمن هذا المفهوم، أرى مشروع»صفة الاقتناء» من لدن المؤسسة، ومن لدن الوزارة الوصية.إذن، كجميع الفنانين المغاربة،أرى أن العملية محمودة.وفي هذا السياق،أن يتم الاختيار حسب ضوابط ابداعية مقترنة بحضور الفنان وطاقته الإبداعية، ومدى ارتباطه بزمنه، وواقعه، من خلال الأسئلة التي يطرح في عمله، ومدى استطاعته فتح آفاق إبداعية أخرى غير متوقعة ولا معهودة، تمنح للإبداع الوطني سبلا ومسالكَ تمتد على تاريخه وتضاريس جغرافيته.
– كلمة لابد منها
لا تكتمل الساحة الثقافية-الفنية إلا بتوحد وتكامل الفاعلين الفنيين من فنانين ومفكرين وسياسيين ممن يصاحب الحركة الإبداعية ويلازم تضاريسها.
السيد اليوسفي رحمه الله،كان من هؤلاء..زيارته للمعارض أو حضوره لحفلات افتتاحها كان بمثابة نسيم يضفي على أجوائها طابعا خاصا أكثر حميمية وأكثر ارتباطا بالهوية الذاتية وبأسئلة الذات ووجودها، وهو الذي ينتمي لجيل امتد على جغرافية تاريخه رغم تباين تضاريسها.

