الإبداع بشكل عام، والفن بشكل خاص، له معجزات ورسائل وجودية عميقة، ولنا في التجارب الإنسانية التي تمر علينا آيات عديدة.
الفن ليس فقط موهبة يخلقها الله في الإنسان تدخل البهجة والسرور على من يستمتع بها.
الفن قد يكون أيضا علاجا نفسيا و جسديا و اجتماعيا، كما أنه قد يجعلنا نكتشف مواهب أخرى غير فنية محضة في الإنسان/ الفنان، قوة إرادة مثلا و شخصية قوية
الفنان عبد المجيد الرديدي ، واحد من التشكيليين ذوي الإحتياجات الخاصة الذين اعتنقوا الفن بشكل عصامي، فهو شاب مزداد سنة 1972، والذي بالرغم من الظروف الاجتماعية البسيطة زادت من حدتها ظروفه الصحية الناتجة عن حادث مؤلم أودى بجزء من حركيته الجسدية و غير مجرى مخططاته وأحلامه، استطاع أن يتحدى الحواجز التي فرضته عليه الحياة ، و أوجد لنفسه نورا وسط الطريق المظلم الذي بدا له حينها، ولربما ساعده في ذلك نشأته في وسط أسرة طيبة لقنته الصبر والتواضع والبساطة، وكذا ارتشافه من الطبيعة التي ترعرع بين أحضانها، إذ أنه من مواليد دوار اولاد رحال ببني خيران جماعة الكناديز التابعة لإقليم خريبكة .
للفنانة التشكيلية إبنة خريبكة، صالحة الكانوني، شهادة شاملة في حق هذا الفنان الذي أمنت بمواهبه، إذ قالت عنه:
بعد إصابته بالشلل النصفي توقف نبض أحلامه، دخل في حالة نفسية جعلته في عزلة عن العالم بالرغم من إيمانه بقضاء الله وقدره، وفي دائرة اليأس والملل وهو طريح الفراش، فارق اعز احبابه إذ توفي أقرب أخوته الى نفسه وبعده توفي أبواه على التوالي، فتضاعف ألمه وشعر بفراغ قاتل…في تلك اللحظة وهو يستجمع شتات نفسه، عانق القلم، لكنه لم يكتب به كلمات او أشعار او خواطر، بل جعله أداة للتعبير بالشكل واللون، رسم به سيرته الذاتية، خطها بلغة نافذة: لغة الصورة التي تختزل المجلدات، وتعصر المعاني”
للغوص في تجربة هذا الفنان والتعرف عليه أكثر، أجرت جريدة الإتحاد الإشتراكي الحوار التالي :
– من هو الفنان الرديدي من وجهة نظره الشخصية؟
– نجيب الرديدي، فنان تشكيلي عصامي من ذوي الإحتياجات الخاصة من مواليد سنة 1972، بدوار اولاد رحال ببني خيران جماعة الكناديز التابعة لإقليم خريبكة. أقطن بالبادية لحد الأن
– كيف بدأ اهتمامك بالفن التشكيلي، وكيف اكتشفت نفسك في هذا الميدان؟
– كان ذلك بعد الحادث المؤلم الذي تعرضت له سنة 1997، والذي أصبت من جرائه بشلل نصفي. حيث تلي ذلك حالة نفسية صعبة و عزلة ومعاناة من جراء الإعاقة وتكاليفها الطبية الباهظة، و مرت الأيام والسنين و أنا أتنقل بين المستشفيات، وأصارع المرض بسلاح من الصبر والإيمان بالله، وفي وقت من الأوقات شعرت بالفراغ القاتل، وبدأت أحاول الإبداع وكانت بداياتي الأولى مع فن الطرز بالإبرة والخيط على قطع من الثوب، مع توالي الأيام تطورت الفكرة وبدأت أرسم على الورق بالقلم، ويمكن أن أقول أن البدايات الفعلية كانت بين سنتي 2008 و 2009 ، إذ كنت أرسم بالأقلام الجافة على أوراق من الحجم الصغير، وعندما كان يحضر شخص ليعيدني ينتبه لرسوماتي و يعجب بها فأهديها له، وكان يعني لي ذلك الشيء الكثير، فهو ثمن رمزي روحي أحصل عليه كلما أعجب زائر بإبداعاتي.
مرت الأيام وتكاثرت رسوماتي التي كنت أحتفظ بها في بيتي المتواضع ، إلى أن التقيت ذات يوم بالفنانة المبدعة والجمعوية صالحة الكانوني، اتي اكتشفت لوحاتي ورسوماتي وشجعتني، جازاها الله خيرا،على المضي قدما
-هل سبق للفنان الرديدي أن شارك في معارض فنية، وفي أي إطار؟
-كما سبق وصرحت، كان اكتشافي من طرف صالحة الكانوني رئيسة جمعية البيئة والتراث بمدينة خريبكة واقترحت علي عرض أعمالي، وبالتالي كان أول معرض لي بفضاء هاته الجمعية التي تترأسها هاته السيدة الفاضلة. و أود أن أصرح من هذا المنبر بأنني جد ممتن لها ، فبفضلها بعد الله تعالى ، استرجعت الأمل، فقد أخرجتني للحياة الاجتماعية ومن عزلتي ومن الكآبة التي عانيت منها بسبب إعاقتي وضيق اليد.
منذ معرضي الأول بدأت أساهم في معارض أخرى متى أتيحت لي الظروف ذلك، وطورت تقنياتي في الرسم التي كانت بدائية في الأول
وفي سنة 2017 ساهمت بأول معرض وتم تكريمي خلاله، وهي ذكرى لن أنساها ما حييت ولن أكف عن الحديث عنها فهي فخر لي وقطرة الأمل التي تحفزني على الاستمرار في الإبداع.
شاركت في ملتقيات أخرى بالرغم من صعوبة التنقل بحكم وضعيتي الصحية، شاركت حضوريا في مدن قريبة مثل خريبكة بني ملال سطات، وشاركت أيضا في عدة ملتقيات وطنيا ودوليا عن بعد، وحصلت خلالها على مختلف الشواهد والتكريمات
علاوة على كل هذا، نظمت معرضا فرديا يحمل عنوان “تحدي و إبداع”، وشاركت بما يقارب 40 لوحة ، وذلك بالمكتبة الوسائطية بمدينة خريبكة
-ما هي مشاريعك المقبلة؟
-أستعد لتهيئ معرض فردي يتمحور موضوعه حول الشخص المعاق بصفة عامة وعن المعاق الذي يعيش في البادية بصفة خاصة، حوالي 20 لوحة، تتناول موضوع الشخص المعاق ومعاناته اليومية وأيضا نبذة عن أحلامه، أحاول من خلالها أن أعكس تلك الأحلام والمعاناة لأكون المتحدث بلسان المعاق وأقرب حياته اليومية وأفكاره وآماله، من خلال الإبداع والفن، وأتمنى أن أكون موفقا في ذلك.
المعرض سيقام إن شاء الله يوم 3 دجنبر المقبل، الذي يتزامن مع اليوم العالمي للمعاق، وذلك بالخزانة الوسائطية بمدينة خريبكة.
بالموازاة مع هذا لدي مشاريع أخرى بحيث أستعد للمساهمة في معارض أخرى مستقبلية سأعلن عنها في وقتها
– ما هي الرسالة التي تتمنى توجيهها أو أي إضافة للمعنيين بالأمر والقراء؟
– رسالتي المهمة التي أود تبليغها سواء للشخص الذي يعاني من إعاقة جسدية أو للمجتمع ككل، هو أن الإعاقة في حد ذاتها هي مسألة لا تعيق أي طاقة أيا كان نوعها، بل بالعكس قد تصبح حافزا للإبداع والتعبير، والتقليل من وطئ المعاناة والحزن وتدفع بالشخص أن يكون مفيدا للمجتمع وجزء فاعلا فيه، كما أنه مع الإرادة قد تحفزه على التحدي وإثبات الذات.