الفن خلاص من الفزع في تجربة عمر سعدون

عزالدين بوركة

يشكل كل من الخوف والفزع الهاجسين اللذين يصنعان كل ردود أفعالنا في هذه المرحلة المتسمة بسطوة الكائن المجهري، والشبح القاتل، المسمى «كورونا»، على العالم الخارجي؛ بل إن «الخوف» لهو محرك البشرية على مر التاريخ. إذ إننا لا نخرج –اليوم- إلى الشارع إلا وقد أقمنا حدودا فاصلة بين «لحمنا»/بدننا والهواء بالقدر الكافي من وسائل العزل والحماية… كأن العالم أجمع مصاب –اليوم- بـ»اضطراب الوسواس القهري المتعلق بالنظافة»، إفراط حادة في غسل اليدين وحتى البدن، ما سيؤثر على عاداتنا حاضرا ومستقبلا في التعامل مع العالم الخارجي. فكل شيء منذور للتغير الحتمي الآن؛ الكل بلا استثناء. وهذا ما دفع بالفنان التشكيلي عمر سعدون إلى صياغة هذا «الفزع» وهذا التحول الجذري الممكن الحصول، بل الحاصل منذ الآن، في رباعيته الصباغية التي اختار لها «ألواح الدراسة» سندا [صباغة زيتية على لوح خشبي]، حيث تمثل أربعة شخوص /كائنات إنسانية/ هيئات بشرية، أو بالأحرى «هياكل بشرية» يختفي فيها كل تمييز جنسي؛ واضعةً «الكمامات»، الأقنعة الواقية. فالبشر جميعا اليوم مجبرون على الخروج وهم «مكممي الوجوه»، إن صح تعبيرنا هذا، إلى الشارع لمواجهة خطر الموت المتربص بهم أينما ولوا وجوههم، إنه الموت الذي تجسده تلك الهيئات الهيكلية الصباغية الخالية تماما من كل تعبير وشعور، باردة ومضطربة و»مُفزعة».
وجوه/شخوص أربعة في عصر الكورونا، هي تلك التي اختار عمر سعدون الوقوف عندها، لما تتميز به هذه المرحلة بالذات من «أدوار بطولية» يقومون بها، ويتعلق الأمر بالطبيب الذي يتقدم الصفوف الأمامية للمحاربين ضد هذه «العدو الخفي»، و»العسكري» الذي يضطلع بالحفاظ على الأمن بينما نغلق علينا أبواب دورنا، و»الأستاذ» الذي يواصل عمله النبيل بكل ما تستدعيه الظرفية من تحمل للصعاب والمعاناة من أجل بناء أجيال الغد، و»الموظف أو العامل أو المسؤول» الذي نتبيّنه من ربطة العنق تلك، إنه كل الموظفين والعمال والمسؤولين الذين يكافحون لإبقاء الحياة سارية المفعول داخل الإدارات والأسواق وغيرها من المرافق العمومية الحيوية… كلهم بلا استثناء عرضة للخطر المحدق بهم، لكنهم يتلبسون لباس «المغامر المقنع» الذي بقدر ما هو مجهول، فهو يمثل الكل، إنه بطل يضحي من أجل أن تستمر الحياة. وكم صورت السينما والروايات والقصص الأبطال مقنعين وهم يضطلعون بدور الحماية واثبات الأمن والعدالة !
لكل بطل من هؤلاء الأربعة سلاحه الخاص، لمحاربة عدو واحد مدفوعين بـ»الفزع» (المتمثل في الهياكل العظمية) الذي هو ذلك الحس الداخلي بالمسؤولية الكبرى والرهيبة لاختياراتنا الوجودية المتعلقة إما بالخلاص أو باللعن الأبدي (كيركغورد)، والعالم -بكل أفراده- يقف اليوم على أعتاب اختيار وجودي خطير، إما نستمر أو يقضي علينا هذا الشبح، لهذا علينا أن نتسلح بالفن علاجا وخلاصا كما يخبرنا سعدون عبر «ألواحه/لوحاته».

 * (شاعر وباحث
جمالي مغربي)


الكاتب : عزالدين بوركة *

  

بتاريخ : 05/05/2020