الفيلسوف الصامت: عاهد سعيد

من أين أبدأ لكي أنبش في سيرة هذا الرجل ؟
أمن سعيد الإنسان؟ أم من سعيد المبدع؟
وإذا تناولت سعيد الإنسان، فلن تستطيع هذه الكلمة الوجيزة أن توفيه حقه. وإذا تناولت سعيد المبدع فهو متعدد.. فهو الشاعر والقاص والمترجم وباللغتين العربية والفرنسية وهو الصحفي المتمرس في دروب الصحافة وصنوفها .
لنبدأ بسعيد الإنسان :
عاهد سعيد رجل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. من طينة أرضية . مداسه يعشق التراب لأنه الأصل .ويترك الدوس على الزرابي لأشباه المبدعين والمناضلين والفنانين والنكافين.
سعيد عاهد، كما عهدته ،عاهد نفسه على معانقة البسطاء والعيش بينهم ومعهم بقلبه أولا ثم بعقله ثانيا، ولم يتخذ منهم مطية للظهور وقضاء الحاجات والتسلق إلى أغراض سياسية وما شابهها.
سعيد الإنسان إنسان حقا لأنه كم من إنسان لا يحمل سوى الاسم أما إذا شققت على قلبه، وجدت غابة من الحيوانات المفترسة .
عاهد سعيد سعيد بصداقتك وبرفقتك وبشغبك وبشغفك بالحياة والأدب والفن .الجلسات معك دائما تتحفنا فيها بشتى أصناف المعارف وتحكي لنا دررا من تاريخنا المغربي المعاصر، وخبايا لم نكن ندركها لولاك.
عاهد سعيد كان بيني وبينه حب كبير رغم أنه لم تكن بيني وبينه علاقة وطيدة لأنني أحترمه احتراما كبيرا إلى درجة لم أستطع أن اقتحم صداقته.ظلت بيننا مسافات .كنت أقرأ له كل ما وصلت إليه يدي . أتابعه في جريدة الاتحاد الاشتراكي حيث كان رئيس تحرير ليبيراسيون قبل مجيء الكحص، ثم لما كان مشرفا على الثقافة في جريدة الاتحاد .
في البداية كانت صداقتنا يشوبها تباعد، لأن من عادتي ألا أقتحم جدار الصداقة بين المبدعين وأترك الفرصة تأتي لوحدها. لكي تكون صداقة مبنية على الصدق وليس على شيء آخر.
عاهد سعيد صديق ورمز للأمانة ونكران الذات . لا يتكلم عن نفسه كثيرا .عاش حياته كما شاء لا كما شاءت الظروف .رسم لنفسه مسارا وأخلص له. مسار إنسان شريف عفيف لم تلطخ يده مناصب ولا كراسي ولا مجالس . عاش مخلصا لأفكار الزعماء الحقيقيين لحزبه بن بركة واليوسفي وكل الشرفاء.
عاهد سعيد من هذه الطينة .طينة المناضلين الحقيقيين. وهاهو الآن يعيش حياته حرا عزيزا محبوبا من طرف الجميع . يكتب، يشاغب، يعيش الحياة ما استطاع إليها سبيلا.
حياة سعيد منذ شبابه إلى اليوم ، غنية بشتى صنوف المعرفة والشغب والنضال لا تستطيع ورقة وكلمة عابرة كهاته أن توفيه حقه. وطالما تحدثنا وناقشنا وكنت دائما أحثه على كتابة سيرته الذاتية .ولكن لمن تحكي زابورك يا داوود. فكأنك تقود سبعا من أذنه. سعيد يهرب من كتابة السيرة.ولست أدري لماذا وهذا أوانها فأنت تشرف على السبعين من عمرك فماذا تنتظر لكتابتها .
أنا على يقين أن سيرتك ستكون من الروائع ولكن راسك قاصح . فمن هذا المنبر أدعو جميع الكتاب والمبدعين والمهتمين والمناضلين أن يوقعوا عريضة ضد عاهد سعيد كي يكتب السيرة الذاتية وأن يتخلى عن غيه ويتوب إلى رشده .
الجلسة مع سعيد أقصد جلساتي معه حين تسمح الظروف، كنت من خلالها أرى أمامي سعيد المبدع الذي يخلص للكتابة شعرا وقصا وحكيا وترجمة. فسعيد الكاتب له أسلوب خاص، سواء كتب بالعربية أو الفرنسية. أسلوبه متفرد خاص به. أسلوب عاهدي لم نعهده عند سائر الكتاب والكتبة . سعيد قارئ نهم . متح من الأدب العالمي.عند الكتابة لا ترى عند سعيد ثرثرة .بل تكثيفا وعمقا، خصوصا في الشعر. حينما تقرا أشعاره تحس به هو عاهد منكتب بين السطور. أسلوب متفرد .
عاهد سعيد صديق جميع المبدعين المغاربة. من شكري وزفزاف والمديني والخوري واللائحة طويلة أسسوا جميعا مسار الأدب المغربي . كما ساهم عاهد سعيد في تكوين أجيال من الشباب لما كان مشرفا على قسم الثقافة في جريدة الاتحاد الاشتراكي . كون وأسس بصمت ونكران الذات.ومازال إلى اليوم يساهم ويؤسس.وعزلته في مسقط رأسه الجديدة كما يحلو له تسميتها . يختلي بالعبارة فتسعفه الكأس وقد لا تسعفه العبارة .متبتل في خلوته يعارك الحرف. مريد في زوايا الوله.
هذا هو صديقي سعيد كما أراه بعين تعشق الحرف ولا شيء سوى الحرف .


الكاتب : شكيب عبد الحميد

  

بتاريخ : 31/05/2024