القصبة.. قلب المحمدية النابض بالحياة وبعبق التاريخ

القصبة قرية التجارة القديمة والدائمة التي تنبض بالحياة حتى الساعة، بأبوابها المقوسة وزخارفها القديمة بألوانها الحمراء الباهتة وجدرانها الشاهدة على الاستعمار منذ القدم، في وصفها عالم خاص، تحتوي على ثلاثة أبواب منها الباب الرئيسي الأول (باب القصبة) او بما يعرف بباب الترجمان نسبة الى رجل كان مسكنه قرب ذلك الباب وباب اخر يطلق عليه اسم «البيب». تعتبر هذه المعلمة المدينة القديمة للمحمدية، أسست من قبل السلطان محمد بن عبد الله في القرن 18، ودشن في قعرها « الجامع الابيض» سنة 1773م أي سنة 1170 م وهو من أقدم المساجد بالمغرب والذي لازال قائما الى الساعة، ويزوره السياح من كل بقاع العالم، تخرجت منه أفواج من الائمة والشيوخ والعلماء، أما من ناحية تصميمه فله قبة فوق باب المسجد مباشرة وهو تصميم إسلامي فريد في المغرب بأكمله، يزخر به مسجدان هما المسجد الأبيض بالقصبة ومسجد اخر بمدينة الصويرة..
وتتنوع الجذور التاريخية للقصبة، فقد احتلت من طرف البرتغال  واقاموا فيها حيا يسمى الملاح وهو حي خاص باليهود يقع على ايسر الباب الرئيسي للقصبة والتي لازالت بناياته  خالدة الى اليوم مدونة تاريخ اليهود بنجومها السداسية الموشومة على كل مبانيها، ومن بينها  بيت خاص له مكانة استثنائية بين كل البيوت داخل القصبة ، بيت ابيض بنوافذ رمادية تتوسطه نجمة سداسية يعود الى شيخ اليهود ، وبالانعطاف في ممر على يمين هذا البيت نجد في اول طريقه فران «زينب» الذي لازالت تشتغل فيه مجموعة من الاشخاص لتوفير قوتهم اليومي رغم ما اكل الدهر عليه وشرب  ، بجواره «باب البرتغال» والذي  اصبح يطلق عليه «باب الغرفة»  كان في القديم عبارة عن حمام  «ام ربيعة «واليوم اصبحت تقطن داخله  3 أسر، التقينا منهم ‹سارة›.. طفلة في عقدها الاول لها ابتسامة مشرقة وشعر اسود حريري تداعبه الرياح ترتدي فستانا وردي اللون وكأنها لوحة فنية من عالم اخر الا ان تلك اللوحة لن تدوم طويلا للخطر الذي يهدد مستقبل هذه العائلات التي تم إخبارها بقرار السلطات حول هدم ذلك المكان لقدمه وترحيل سكانه الى بقعة غير تلك البقعة والى ارض غير تلك الارض التي لن تعوض ولن تمحي ذكريات ذاك المكان الخاص.
وبالعودة الى نقطة الانطلاق من باب القصبة وبمجرد رمي خطواتك الأولى إلى الداخل ، تأخذك الأنظار إلى بابين من الخشب بألوانهما البنية الأول على اليمين كان قديما مدخل سجن للرجال والثاني على اليسار كان هو الاخر سجنا للنساء ،  اتخاذنا طريقنا من ذلك المنطلق  الى محلبة تقاسمت التاريخ مع نجوم كرة القدم من ابناء المنطقة ، وجدنا  في مسارنا اليها  تحت تلك الاشعة الذهبية للشمس في كبد  السماء وصوت القطط والباعة الذي يملأ كل مكان، شارعا طويلا يحتضن  مجموعة من المحلات منها الخاص بالمأكولات السريعة وبيع منتوجات الصناعة التقليدية ، بينما تظل المطاعم التقليدية لبيع السمك أكثر المحلات جذبا للسياح مغاربة وأجانب، وتنتشر بالمحاذاة من ذلك الشارع محلات تروج انواع التجارة على اختلافها ، بينما ألقت نافورة  في الجانب الايمن مقابلة لمطاعم السمك، بنيت حديثا في زمن الكورونا،  مسحة جمال بهيجة اعادت  الحياة جزئيا الى ذلك المكان..  وفي أيسرها وقف شاب بالغ من العمر 25 سنة يبيع منتوجات الألبسة التقليدية، ورغم انه لا يعرف الشيء الكثير عن ذلك المكان لحداثة سنه الا انه حكى لنا عن القصبة في زمن الجائحة وكيف اصبحت مهجورة خالية من السياح والحركة وكيف اغلقت هي الأخرى في فترة الحجر الصحي لتعيش ركودا لم تعشه سابقا الى ان جاء الفرج جزئيا وأعادت رونقها وجماليتها بفتح محلاتها من الصباح الى الساعة الحادية عشر مساء.. مضيفا أن أكثر الأوقات رواجا داخل القصبة تكون يومي السبت والاحد حيث يتوافد عليها الزوار وتنتعش المبيعات
غير بعيد عن ذلك المكان، يوجد محل تجاري مغلق صبغ باللون البني كان عبارة عن محلبة اغلقت أبوابها منذ عشرين عاما عقب وفاة صاحبها، قديما كان هذا المحل ملجأ ومزارا يلتئم فيه كل لاعبي كرة القدم لشباب المحمدية وأبرز اللاعبين المشهورين على الساحة الوطنية والدولية من ابناء المنطقة في ذلك الوقت.. منهم عبد المجيد بشير والذي أطلق ملعب البشير بالمحمدية على اسم ابيه، وكان يزوها عبد الرحيم وامين الذهبي و زكرياء شهاب وغيرهم من اللاعبين.
من أبرز المعالم التي لازالت راسخة في أذهان أبناء القصبة الاصليين، يحكي أحد شباب المنطقة يعمل مراسلا صحفيا، عن الهواري ناصر صاحب اول قاعة رياضية لحمل الاثقال بالقصبة ومحل الحلاقة الذي افتتحه حفيده الهواري بن حسن ونجد ايضا بئر الهواري الذي يناهز تاريخ إنشائه 120 سنة وبئر البوهاري وايضا هناك داخل القصبة سجن سابق يطلق عليه اسم «غبيلة» في ذلك الزمن واليوم تحول لمقر جمعية مساعدة الاطفال في وضعية صعبة. وحكى مصدرنا قصة شاب من ابناء المنطقة مقيم بالديار الفرنسية يمتلك أزيد من 300 قطعة اثرية تتعلق بما كانت تحوزه القصبة في الماضي يرغب اليوم في إنشاء متحف داخل القصبة لعرض تلك القطع الأثرية وينتظر الاستجابة لطلبه.
بيد أن كل هذه الحكايات لا تكاد تشكل إلا جزءا يسيرا من تاريخ القصبة الغني الذي لا ينتهي.. فقد واصلنا الحديث مع مراسل اخر من ابناء المنطقة وقد صرح لنا بان القصبة هي أول ما بني بمدينة المحمدية مع الميناء الذي كان في البداية خاصا بتصدير المنتجات الزراعية من حبوب وقمح وفواكه جافة. وكانت مدينة المحمدية آنذاك تحمل اسم « فضالة» وهي كما يقول رجل من أبناء المنطقة يملك أحد الحمامات بالقصبة، كناية تعني «فضل الله».
وتضم القصبة زاوية حلف المسجد الابيض تسمى» الزاوية التيجانية» وعلى جانبها حمام يسمى حمام وجان له تاريخ قديم اسس سنة 1938. وكان فيما مضى منزلا للسكن..  وأمامه مباشرة يوجد مركز كان سابقا عبارة عن» عوينة». كل هذا الزخم الذي تحمله المدينة القديمة للمحمدية جعل منها تراثا تاريخيا ينافس أكبر الحواضر التاريخية بالمغرب.

 

 *(صحافيتان متدربتان)


الكاتب : حليمة قصطلاني/ شيماء لمهول *

  

بتاريخ : 05/07/2021