الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في ندوة إصلاح منظومة الانتخابات: المغرب في حاجة لقطائع واضحة ونهائية مع شكل وأسلوب الانتخابات السابقة لتعزيز منسوب الثقة في المؤسسات والحفاظ عليه

أكد إدريس لشكر أن صمود الدول اليوم قائم على مدى الثقة بين مؤسساتها، موضحا أن بلادنا إذا نجحت إلى الآن في محاربة جائحة كورونا فذلك لأن الثقة التي كانت في المؤسسات يسرت هذا الأمر. وأضاف في الكلمة التوجيهية التي ألقاها، مساء الأحد، في افتتاح ندوة «إصلاح منظومة الانتخابات» التي نظمتها عن بعد لجنة الشؤون السياسية والمؤسساتية والحقوقية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتي شارك فيها، إضافة إلى الكاتب الأول للحزب، أعضاء من المكتب السياسي والمجلس الوطني وأكاديميون وعدد من الفعاليات الحزبية، أن هذه الثقة حتى تستمر في حاجة إلى قطائع نهائية مع شكل وأسلوب الانتخابات السابقة. و شدد الكاتب الأول لحزب القوات الشعبية على أن هذه القطائع الواضحة من شأنها أن تُطمئن الرأي العام و تُشعر الشعب المغربي بالثقة، ونحن بصدد مرحلة التعايش مع فيروس كورونا، حيث أنه إذا لم تكن هناك قطائع نهائية مع الأساليب السابقة للحفاظ على منسوب الثقة في ظل هذه الجائحة وتطويره في المستقبل، فإن نجاح معالجة الآثار المدمرة للجائحة اقتصاديا و اجتماعيا التي تتطلب جهدا أكبر، والتغلب عليها سيكون صعبا.


و دعا إدريس لشكر إلى ضرورة تفعيل الممكنات التي تسمح بحماية التعددية والحفاظ عليها لكي نضمن أن تكون الانتخابات المقبلة أكثر شفافية وأكثر من حيث المشاركة، موضحا أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في أدبياته توصل بعدما وقع في 2015 و 2016 إلى أن القطبية المصطنعة لربما سيكون لها تأثير على التعددية ، ولاسيما في ديمقراطية ناشئة كالمغرب، حيث يبدو أن الحفاظ على التعددية في هذا الزمن السياسي، سيكون أكثر ضمانا لاستقرار وأمن البلاد و ديمقراطيتها.
و نبه إدريس لشكر إلى ضرورة البحث عن الصيغ الكفيلة بتقوية المشاركة في العملية الانتخابية ، لأن ما نعيشه اليوم من ظروف الجائحة، وكل الاستحقاقات التي جرت في ظروف الجائحة حتى في الديمقراطيات العريقة، أبانت عن ضعف كبير في المشاركة، كما حدث في الانتخابات الجماعية الأخيرة بفرنسا و كذا في بلدان أوروبية أخرى، ونفس الشيء يمكن توقعه بالنسبة للانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة التي ستجري في نونبر المقبل.
وأوضح أن الهدف الأساسي بالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والذي ناضل من أجله منذ نشأته، هو نزاهة و شفافية العمليات الانتخابية، و هو رهان يفرض أولوية القضايا المتعلقة بالقوانين الانتخابية وقانون الأحزاب والتمويل العمومي للحد من مظاهر الفساد في العملية الانتخابية.

وأكد أن هذا الوضع يطرح مجموعة من الأسئلة، مستطردا « فعندما نقول العملية الانتخابية يستتبع ذلك أن أهم مفسد لها هو المال و استغلال الدين واستغلال نفوذ بعض رجال السلطة، فكيف لنا انطلاقا من القانون و من القواعد القانونية أن نحد من تأثير هذه العناصر الثلاثة المفسدة للعملية الانتخابية. ويقتضي ذلك البحث عن السبل القانونية للحد من الرشوة الانتخابية التي لا تقتصر على فترة الحملة الانتخابية بل يمكنها أن تمتد على طول السنة، ويكفي استحضار الظواهر التي شابت شهر رمضان الأخير و على امتداده، و قد شاهدنا جميعا كيف أنه حتى عندما حاربت السلطة استغلال فكرة الإحسان عن طريق القفة، لم تتورع بعض الأحزاب في توزيع الأظرفة المالية، وسيتكرر ذلك في عيد الأضحى و في مناسبات أخرى قبل الانتخابات. إذن فالأمر لا يقتصر على القوانين فقط، بل ينبغي أن نطالب بقرارات و دوريات تصدرها وزارة الداخلية من الآن.»
وقال أيضا « في هذا الصدد طالبنا بإشراك بعض مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الحكامة و منها المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي كان قد طالب بأن كل إصلاح للمنظومة الانتخابية ينبغي أن يقوم على منهجية تشاركية، وكذا الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها التي ينبغي أن تضطلع بدور فاعل في هذا الموضوع لأن محاربة الرشوة الانتخابية لربما أجدر و أهم من محاربة مظاهر الرشوة الأخرى، لأنها تؤثر في المستقبل العام لبلادنا لسنين وربما لعقود.»
وأوضح إدريس لشكر أن هذه الرهانات كلها ترتبط بشكل وثيق بالإجابة عن سؤال التمويل العمومي للانتخابات، وكيف يمكن أن يكون عادلا ومتكافئا، و معنى ذلك اعتماد معايير جدية للتوزيع المالي، واعتماد إجراءات عقابية في التمويل القادم للأحزاب التي لم تقدم حسابات نقية و مسؤولة لصرفها للتمويل العمومي في الانتخابات السابقة.

ودعا الكاتب الأول إلى اعتماد تمويل متكافئ وفق معايير موضوعية تؤسس على قاعدة الصرف المسؤول للتمويلات السابقة…
وتوقف الكاتب الأول عند مشكل التقطيع الانتخابي والسبل الكفيلة بضمان نوع من التوازن فيه، و قال في هذا الصدد» إننا لا نفهم كيف تكون دائرة انتخابية في هذا الإقليم تضم ستة مقاعد أو سبعة، و إقليم آخر يضم خمسة مقاعد ويتم تجزيئه إلى دائرتين انتخابيتين. و هو ما يفرض ضرورة توحيد القاعدة، باعتماد توزيع عادل مبني على التكافؤ إما على أساس الأقاليم و العمالات أو على أساس الحد الأدنى و الحد الأقصى من المقاعد.»
وعرج إدريس لشكر على مسألة اللوائح الانتخابية و كذا الآليات الممكن اعتمادها لتمكين مغاربة العالم من المشاركة، و كذا مشاركة الأجانب وفق شروط محددة في الانتخابات المحلية، و جعل المحكمة الابتدائية صاحبة الاختصاص في كل الطعون المتعلقة بالتسجيل في اللوائح الانتخابية.
و بخصوص الترشيحات دعا لشكر إلى البحث عن الصيغ التي تمكن من توسيع تمثيلية النساء و الشباب، و توسيع حالات التنافي المتعلقة بعدم الجمع بين المسؤوليات الانتدابية المتعددة من أجل تدبير أنجع. مؤكدا على ضرورة إيلاء عملية الاقتراع نصيبا من التفكير من أجل صيانة العملية الانتخابية من كل الشوائب التي تؤثر على نزاهتها بما فيها يوم الاقتراع، حيث أن يوم الجمعة يستغل استغلالا سيئا يتحول فيه المسجد إلى قاعدة للحملات الانتخابية .
و أكد إدريس لشكر في كلمته التوجيهية أن ظروف الجائحة تفرض التفكير في إجراء كل الانتخابات سواء كانت جماعية أو جهوية أو تشريعية في يوم واحد، مشددا على ضرورة مراجعة طريقة الاحتساب التي اعتبرها تخدم القطبية فقط، وكذا مراجعة خيار نظام الاقتراع باللائحة، وتشديد العقوبات بخصوص الأفعال الماسة بنزاهة الانتخابات وتدقيق الأفعال المؤدية للعقوبات.
وبدوره أكد جواد شفيق، عضو المكتب السياسي، أن الحزب في آخر اجتماع للمجلس الوطني قد أصدر بيانا تضمن فقرات حول إصلاح منظومة الانتخابات، مشددا على مراجعة طريقة الاقتراع، ومحاصرة ظواهر الإفساد الانتخابي بالوسائل القانونية وتجديدها، وبإبعاد المرشحين الفاسدين وفق إرادة تستدعي حاجيات بناء تربوي جديد تبعد السلوكات المتجاوبة مع الإفساد الانتخابي سواء من قبل المترشحين أو الناخبين.

وتساءل جواد شفيق إن كان الشرط الاقتصادي والاجتماعي للمغرب في ظل النتائج الكارثية للجائحة، يؤهل للرفع من نسبة المشاركة في العملية الانتخابية ومحاصرة العزوف عن التصويت؟ معتبرا أن هذا الإشكال يفرض وجاهة إقرار توحيد موعد كل الانتخابات في يوم واحد.
وشدد على أن الإجابة السياسية عن سؤال تأهيل المنظومة الانتخابية لن تتوقف عند حدود المعالجة القانونية، وإنما تتعداها إلى مداخل تنموية و تربوية و ثقافية و اقتصادية و اجتماعية. مؤكدا على أن كل المؤسسات معنية بتجويد و تحسين العملية الانتخابية و تحصينها حماية للمسلسل الديمقراطي من أي انتكاس.
وفي الكلمة التقديمية التي القاها الأستاذ عبد الحق عندليب، المنسق الوطني للجنة السياسية والمؤسساتية والحقوقية، والذي سير أشغال هذه الندوة أبرز أهمية موضوع إصلاح منظومة الانتخابات، خاصة ونحن على مسافة بضعة أشهر عن موعد انتخابات 2021 وبأن المشاورات بين الأحزاب ووزارة الداخلية قد انطلقت عمليا، مما يفرض علينا كحزب كانت له في كل المحطات الريادة في بلورة الإصلاحات السياسية والقانونية والدستورية، أن نكون مرة أخرى في الموعد وأن نبلور بالتالي مقاربة تهدف إلى أن نكون مرة أخرى في الموعد وأن نبلور بالتالي مقاربة تهدف إلى أن تصبح العمليات الانتخابية بشتى أصنافها آلية حقيقية للتمثيل الديمقراطي الشفاف والنزيه للشعب في المؤسسات المنتخبة باعتباره مصدرا لكل السلط.
وكان المنسق الوطني قد رحب بالمحاضرين في هذه الندوة مؤكدا على الخروج بتصورات واضحة وبتوصيات واقتراحات عملية قد تمكن قيادتنا الوطنية من الأدوات اللازمة للدفاع عن مواقف الحزب في ترسيخ قيم ومبادئ الديمقراطية في تسيير وتدبير الشأن العام الوطني منه والجهوي والمحلي.


أرضية الندوة، التي قدمتها عائشة الزكري، نائبة مقرر لجنة الشؤون السياسية والمؤسساتية والحقوقية تضمنت مدخلا عاما تناول الانتخابات كآلية أساسية لترسيخ الديموقراطية الحقيقية، وذلك من خلال محاولة الإجابة عن عدد من الأسئلة التي تتمحور حول النموذج الديموقراطي الذي نريد، تم التركيز فيها على المحاور التالية:
-المحور الأول: أي نمط للاقتراع الذي نريد ؟
– هل نظام اللائحة لا يزال قادرا على تحقيق التمثيلية الديموقراطية الحقيقية ؟
وأي دور للمنتخب في الممارسة السياسية الفعلية ؟
-وأية عمليات حسابية لاحتساب الأصوات وتوزيع المقاعد والتي تضمن أكبر قدر من العدل والإنصاف والديمقراطية الحقيقية وتساعد على فرز مؤسسات ذات تمثيلية حقيقية للمشهد السياسي ؟
– وأي تقطيع وأي توقيت يمكن أن يحقق هذه الديموقراطية ويكون ملائما لتطور المجتمع ويستوعب كل تناقضاته ؟
-المحور الثاني : أي دور يمكن أن يلعبه قانون الأحزاب في تقريب السياسية من المواطنين؟
– وفي تخليق الحياة السياسية ؟
-وأي دور للمؤسسات الحزبية في المشهد السياسي ؟ بمعنى ما هو الدور المنوط بالمنتخب داخل المؤسسات المنتخبة ؟ هل هو دور ذاتي أم دور مؤسساتي انطلاقا من الرؤية والتوجيه الحزبي والبرنامج الحزبي ؟
-ثم ألم يحن الوقت بعد لإعادة النظر في طريقة فض النزاعات الانتخابية وتعزيز مكانة السلطة في هذا المجال ؟
وفي مداخلته قال الدكتور بن يونس المرزوقي، أستاذ التعليم العالي في القانون الدستوري بجامعة محمد الأول بوجدة، إن على الحزب ان يبتعد عن العديد من النظريات التي أصبحت متجاوزة ولم تعد عمليا صالحة. وأن الواقع كذب كل النظريات المتعلقة بأساليب الاقتراع في المغرب ، مشيرا الى أنه يجب تحديد ماذا نريد، وعن نظام اللائحة قال المرزوقي بأننا طورنا أساليب الاقتراع وتطورت معه أساليب التزوير. وأكد أن الحزب يجب أن يستفيد من تجربة دول من نفس وضعيتنا، إذ ليس بالضرورة أخذ نموذج دولة وتطبيقه حرفيا حيث إن هذا النمط قد ينجح في هذه الدولة لكنه غير صالح لدولة أخرى، مبرزا أن نتائج الانتخابات سواء في استحقاقات 2002، 2007، 2013، 2016 الطريقة التي يتم بها تقديم النتائج لا تسمح للباحثين للاطلاع على الخلل الموجود فيها. ومن هنا ليست لدينا ، يقول الدكتور المرزوقي، دراسات تعطينا مقاييس محددة التي على ضوئها يمكن اختيار الأسلوب الناجع للانتخابات. وتحدث عن يوم الاقتراع، والذي رأى أن يكون يوم العطلة الأسبوعية، كما شدد على ضرورة إعادة النظر في طريقة ومقاييس التمويل، وإعادة النظر في مكاتب التصويت.
من جهته طرح الدكتور أحمد مفيد، أستاذ التعليم العالي في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في بداية مداخلته، عدة أسئلة من قبيل :
ما هي أنماط الاقتراع؟ وأي نمط اقتراع ممكن في أفق الانتخابات المقبلة سواء منها المهنية أو الجماعية أو التشريعية؟
وأكد أنه لا يوجد نمط اقتراع مثالي، وبعد أن تحدث عن الانتقال من الاقتراع الفردي إلى الاقتراع النسبي باللائحة أبرز أن الهدف المتوخى من ذلك لم يتحقق وهو الحد من الفساد الانتخابي وأن هناك العديد من الإشكالات المرتبطة بالنزاهة والشفافية مازالت مطروحة.
وقال مفيد إن نمط الاقتراع النسبي في التجربة المغربية أصبح في حالة نظام اقتراع فردي مقنع حيث إن التركيز يكون على وكيل اللائحة وبالتالي فبدلا من الحديث عن اللائحة التي تمثل حزبا فإننا نتحدث عن وكيل اللائحة. ووكيل اللائحة هو اللائحة في حد داثها وبالتالي فالعناصر الأخرى في اللائحة هي فقط تكمل المشهد لكنها ليست فاعلة، وهذا ما أدى إلى التركيز على الأشخاص عوض التركيز على البرامج الحزبية.. وبالتالي فالناخب يصوت على الشخص وليس البرنامج أو الحزب، كما أكدت ذلك دراسات سوسيولوجية لاعتبارات القرب أو العائلة أو القبيلة وغيرها، إلى جانب العوامل الأخرى التي تعد غير قانونية.
أما الأستاذ طبيح فقد بين أن للاتحاد مواقف في ما يتعلق بمنظومة الانتخابات منذ 1975 وكانت المعركة واحدة وذات عنوان واحد، « كيف نحصن العملية الانتخابية من الإفساد ؟؟ لكي تكون العملية الانتخابية عملية حقيقية تنقل بصدق الإرادة لعامة للمغاربة كلهم في جميع المؤسسات التمثيلية.


وتساءل الأستاذ عبد الكبير طبيح، المحامي وعضو لجنة التنظيم والأخلاقيات للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عن المقاربة التي يمكن أن نتناول من خلالها المنظومة الانتخابية، هل هي المقاربة القانونية أم المقاربة السياسية؟
وأجاب بأن الجوانب القانونية هي الآليات البسيطة التي يمكن أن نتفق أو نختلف عليها، لكن الإشكال الكبير هو المقاربة السياسية والتصور للمجتمع الديمقراطي كيف يمكن؟ وكيف نريده أن يكون شفافا ومعبرا عن الإرادة العامة؟
وطرح سؤالا عريضا عمن يستفيد اليوم من هذه الأوضاع ومن هذه القوانين بالرغم من أن مجهودات كبيرة جدا بذلت فيها، وقال الأستاذ عبد الكبير طبيح إنه لا يقلل من أهمية الانتخابات الجماعية لكن الانتخابات البرلمانية هي الوجه السياسي لأي بلد. وبعدما تحدث عن نمط الاقتراع سواء منه الفردي أو اللائحة أشارإلى أن المشكل ليس في النمط ولكن في الإفساد الذي يطال العملية، مشددا على أن إفساد العمليات الانتخابية اليوم هو موضوع النقاش وليس نمط الاقتراع، مؤكدا على وجوب التصدي لعمليات الإفساد، وأن التحدي يكمن في أن نفكر في تحديد تصور سياسي أول للمرحلة المقبلة وطرح أسئلة على الوضع السياسي وكيفية تدبير العمليات الانتخابية وليس على آلياتها.
وقال طبيح إن أي شيء لم يتغير منذ 1975، وأن إفساد العماليات الانتخابية مازال قائما، وأن الإدارة خرجت لكن دخل المال الحرام واستعمال الدين.
المضمون السياسي اليوم هو الذي يجب أن يكون موضوع نقاش حقيقي ثم أعطى الكثير من الاقتراحات العملية والتي يراها ناجعة .


ومن جهته أكد عبد المنعم المحسيني، مستشار رئيسي بمجلس النواب مكلف بالدراسات التشريعية، في مداخلته، أن الديمقراطية الناجحة والفعالة تقاس بمدى وجود مؤسسات ناجعة وقوية قادرة على تكريس أسسها ومرتكزاتها، مشيرا إلى أن الباحثين والفلاسفة وعلى رأسهم صمويل هنتغتون، في كتابه الموجة الثالثة، يؤكدون أن الأحزاب السياسية تتولى دورا رياديا ومحوريا ضمن المؤسسات الفاعلة في المشهد السياسي والمنوط بها ترسيخ الديمقراطية وإنجاحها والتصدي لمظاهر تراجعها في المجتمعات المعاصرة.
وأوضح أنه في النسق السياسي المغربي تتولى الأحزاب السياسية القيام بوظيفة بناء المجتمع الديمقراطي، من خلال مهمتي التأطير والتمثيل؛ وهو الأمر الذي أكدته جميع الدساتير التي شهدتها المملكة المغربية، وآخرها دستور 2011 الذي نص في فصله السابع
على أن : « تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية»
وأضاف المحسني أن أهمية هذه الوظائف الجديدة المعترف بها دستوريا للأحزاب السياسية، تتجلى في كون هذه الأخيرة لم تعد أدوارها ومهامها تنحصر وتضيق بعد إجراء الانتخابات بإفراز ممثلين ينتمون إليها انتدبوا لكي يعبرون عن إرادة الناخبين، بل على العكس من ذلك، فإن التحولات التي جاء بها دستور 2011 جعلت من ديمومة حضورها بعد العملية الانتخابية مسألة أساسية وضرورية لترجمة وظيفتها الجديدة المتمثلة في المشاركة في ممارسة السلطة العامة.
وقال إنه وبعد مرور تسع سنوات من الشروع في تطبيق مقتضيات دستور 2011، يطرح التساؤل التالي: هل المشرع المغربي كان موفقا في ترجمة الإرادة التي عبرت عنها هذه الوثيقة الدستورية في الرقي بالأحزاب السياسية إلى مصاف الهيئات الممارسة أو المشاركة في ممارسة السلطة العامة؟ وبتعبير أكثر دقة، كيف أطر المشرع المغربي مسألة تمكين الأحزاب السياسية بآلیات وصلاحيات كفيلة بتأهيل الأحزاب السياسية للمشاركة في ممارسة السلطة العامة، خاصة بعد انتهاء العملية الانتخابية وتأليف المؤسسات التمثيلية؟ وكيف تعامل القضاء الدستوري والإداري مع هذه الآليات في ظل فهمه وتأويله للوثيقة الدستورية؟ مؤكدا أنه من خلال رصد النصوص القانونية المتعلقة بترجمة الوثيقة الدستورية، أن التأطير القانوني لروح الوثيقة الدستورية يظل تأطيرا باهتا وفاقدا لغايات هذه الأخيرة؛ كما يسجل أيضا أن موقف القضاء الدستوري والإداري كان محتشما ومفتقرا لمظاهر الاجتهاد الذي من المفروض أن تكون فيه.
وأكد المحسيني أن مشرع منظومة الانتخابات يفتقر للمنطق في معالجة مكانة الأحزاب السياسية في المؤسسات التمثيلية كلما تعلق الأمر بمجالس الجماعات الترابية ومجلسي السلطة التشريعية، ففي هذا الإطار، وعلى خلاف مجلسي السلطة التشريعية، يُلاحظ أنه في ما يخص انتخابات رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس العمالات والأقاليم ورؤساء المجالس الجماعية، أقرن المشرع صحة الترشيح من الناحية القانونية بضرورة حصول المترشح على تزكية من الحزب السياسي الذي ترشح باسمه ( المادة 11 من القانون التنظيمي للجماعات والمادة 12 من القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم والمادة 13 من القانون التنظيمي للجهات)، الأمر الذي يعتبر عن حق وصواب تقوية لمكانة الأحزاب السياسية في المؤسسات التمثيلية وتعزيزا لدورها في التعبير عن إرادة الناخبين وفقا لما ينص عليه الدستور. وتأسيسا على ذلك، فإنه يكون من اللازم على المشرع وتنزيلا لمقتضيات الفصل السابع من الدستور، أن يعزز ويقوي في الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان دور الأحزاب السياسية حتى في ما يخص تأليف مكتبي مجلسي البرلمان، وذلك بالتنصيص صراحة على ضرورة ربط صحة الترشيح لانتخاب رئاسة المجلسين والعضوية في مكاتبهما ورئاسة اللجان الدائمة والعضوية في مكاتبها بضرورة الحصول على تزكية من الحزب السياسي الذي تم الترشح باسمه.
النقاش الذي تم تفاعلا مع المداخلات كان مسؤولا وغنيا بالأفكار والتوصيات والمقترحات مما يؤكد أن عمل اللجنة السياسية والمؤسساتية والحقوقية نجح في بلورة عمل حزبي ناجح يعتمد على الدراسة والتحليل والإنصات إلى الأطر الحزبية والاستفادة من فعالياته الأكاديمية.


الكاتب : مكتب مراكش: محمد المبارك البومسهولي/ عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 15/07/2020