الكان في مراكش: الاحتفال في كل مكان

حيوية احتفالية تنساب في مراكش مواكبة لكأس إفريقيا للأمم التي تحتضنها بلادنا، لم يعكسها ماحدث في المقابلة الأولى بالملعب الكبير للمدينة، التي جرت بين منتخبي جنوب إفريقيا وأنغولا بجمهور قليل خلافا لباقي الملاعب الأخرى بالرباط والدار البيضاء. لكن خارج المدرجات و في مختلف الأحياء، وبغض النظر عن الاستعدادات الرسمية لهذه التظاهرة القارية، بدا الكان حدثا شعبيا تُلمس ملامحه في واجهات المحلات وفي مداخل المقاهي و في تأهب الناس ونقاشاتهم و حتى في الأنشطة الفنية.
في أجواء كأس إفريقيا لم تكن مراكش، مجرد مدينة مستضيفة لحدث رياضي قاري، بل تحولت في مظاهرها إلى مسرح مفتوح للاحتفال الجماعي، حيث تداخلت كرة القدم مع الثقافة والسياحة والاقتصاد المحلي في مشهد حضري لافت.
منذ الأيام الأولى لانطلاق المنافسات، اختارت المدينة أن تحتفي بالكان باعتباره حدثًا مجتمعيًا شاملًا. الشوارع الكبرى والساحات العمومية اكتست بحلة إفريقية واضحة؛ أعلام الدول المشاركة ترفرف جنبًا إلى جنب، ولافتات البطولة تزين الواجهات، فيما أضفت الإضاءات الليلية أجواء كرنفالية أعادت تشكيل المشهد البصري للمدينة الحمراء، خاصة بمحيط ساحة جامع الفنا، وشارع محمد السادس، والمناطق السياحية الحيوية. بدا كل شيء يوحي بأن مراكش تستعد لعرس كروي كبير.
المقاهي و المطاعم التي استفادت من ترخيص استثنائي بتمديد فتحها خلال أيام الكان إلى الثالثة صباحا، اقترحت عروضا خاصة على زبنائها، ومنها من فتح فضاءه للأمهات لمتابعة المباريات مجانا. وعمد بعضها إلى تزيين الطاولات بأعلام صغيرة للبلدان المشاركة في المنافسة، ووضع بعضها التميمة الرسمية للتظاهرة في حجم كبير أو مجسم الكأس الإفريقي في مدخلها. وامتزجت المكونات السيميائية للمناسبة بالمظاهر التقليدية للاحتفال برأس السنة من أضواء نشيطة وأشجار السابان المزينة. وحتى المحلات التجارية، عمد الكثير منها إلى ترصيع واجهاتها بالبالونات الخضراء و الحمراء التي ترمز للعلم الوطني.
وفي أماكن أخرى، بدت هذه الحيوية الاحتفالية في شكل احتفال بالقميص الوطني، حيث انتشرت باعة الذين يعرضون قمصان لاعبي المنتخب المغربي بأرقامهم وأسمائهم، في حين علقت بعض المحلات صورا كبيرة الحجم لبعض اللاعبين من أمثال أشرف حكيمي وياسين بونو وإبراهيم دياز.
الفن أيضا واكب هذه التظاهرة وانصهر في انسيابها الاحتفالي رغبة منه في تخليد هذا الحدث الرياضي القاري الذي لم ينعقد بالمغرب منذ 1988. و قبل يومين من انطلاق التظاهرة، افتتح برواق « خالد فاين آرت» بشارع الرميلة بالمدينة العتيقة معرض تشكيلي جماعي تحت شعار» لنلعب» ساهم عدد من الأسماء المرموق في التشكيل المغربي، تضمن لوحات فنية حول المنافسة، منها منحوتات فنية للكأس الإفريقية، ولوحات مرسومة للاعبين أفارقة مثل أشرف حكيمي ، وأعمال أخرى تدمج فضاءات الملاعب ضمن نسق تشكيلي مبهر.
وحتى الفرق الشعبية المعروفة ب» التقيتقات» ابتكر بعضها أغاني تحتفل بالتظاهرة القارية و بالمنتخب المغربي.
فضاء «فان زون» بمراكش، الذي أقيم بالقرية الضخمة التي انعقد فيها مؤتمر الأنتربول بباب الجديد، ليس مجرد مكان للمشجعين، بل تحول إلى نقطة التقاء تتدفق فيها الحياة تجمع بين الحماس الرياضي والاحتفال الثقافي. المكان يتموج بألوان الفرق المشاركة وأهازيج الجماهير التي جاءت من كل مكان، في مشهد يعكس تنوع القارة الأفريقية وحيوية جمهور كرة القدم. والأجواء فيه مزيج من عروض فنية محلية، وأكشاك تعرض منتجات تقليدية، وشاشات عملاقة تنقل المباريات في أجواء احتفالية.
هذه الدينامية الجمالية رافقها تنظيم لوجستي هدف إلى تسهيل تنقل الجماهير، عبر تعزيز وسائل النقل العمومي واعتماد تدابير استثنائية لضمان الانسيابية نحو الملاعب وفضاءات المشاهدة الجماعية. كما تم تأمين محيط هذه الفضاءات بحضور منظم للسلطات والمصالح المختصة، ما خلق إحساسًا عامًا بالأمان خارج الملاعب.
لكن ضغط الاكتظاظ في الطرق الناجم عن تحويل مسار بعضها قبيل المباراة الأولى التي جمعت بين جنوب إفريقيا و أنغولا، أملى تعقيدات أثرت على نسبة الحضور الجماهري بالملعب. فقد اشتكى عدد من المشجعين من ولوج معقد، ومسارات غير واضحة، وطوابير طويلة، وغياب التوجيه. وهي عناصر حولت قرار مشاهدة مباراة قارية إلى اختبار للصبر. بل إن الكثير من المشجعين اشتكوا من منعهم من ولوج الملعب رغم أنهم يحملون تذاكر، دون تحديد الأسباب.
ورغم ذلك، تظل لغة الاحتفال والحماس هي السائدة، احتفال بالقارة الإفريقية وبانتساب المغرب لها، وبقيم كرة القدم التي تتحول فيها المنافسة إلى حماس من أجل التعارف والتعايش والحوار، وبتقاليد البهجة الراسخة في روح مراكش الحالمة.


الكاتب : n مراكش: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 24/12/2025