الكتابة والصحراء قراءة في مؤلفات فردية وجماعية .. 17 .. السمارة الحاضرة الروحية والجهادية للصحراء المغربية 2/1

  ماهي العلاقة بين الكتابة والصحراء؟ وكيف تلازمتا منذ زمن بعيد؟ ألم تكن الكتابة مرتبطة بالصحراء، هل هناك حدود للكتابة في الصحراء أم لا حدود لها مثل كثبان الرمال؟ وأيهما أقرب إلى ثقافة الصحراء: الكتابة أم الشفاهية؟
إنها تساؤلات عميقة تنبعث ونحن نتأمل المتون والمؤلفات التي اتخذت من الصحراء تيمة لها. فلقد شكلت الصحراء دوما فضاء غنيا بامتياز وباعثا على الإبداع والتدوين. بإرثها التاريخي العميق ،وبتنوع تضاريسها، وغنى مواردها الطبيعية التي تجمع البحر والبر في التحام وتناسق جميلين ،كما شكلت ملتقى للحضارات المتعاقبة على المغرب ، لذلك نبغ منها شعراء عديدون ومفكرون كانوا من رموز زمانهم ، ومثقفون ألفوا وأنتجوا كتبا ما يزال بعضها رهين خزانة المخطوطات ينتظر التنقيح وإخراجه من ركام الأتربة ليستفيد منه الأحفاد بعدما أنتجه الأجداد منذ زمن غابر 

 

صدر هذا الكتاب في طبعة ثانية سنة 2002 ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير وهو تجميع لأشغال ندوة منظمة بالسمارة يومي 1و2فبراير 1999 وذلك ضمن الندوات التي تنظمها الكلية بمختلف المدن الجنوبية .
وقد استهل الكتاب بعد كلمات الجهات المنظمة بشهادة للسيد رئيس المجلس البلدي للسمارة حول الشيخ سيدي أحمد الركيبي وجوانب من تاريخ قبيلة الركيبات، حيث قدم نبذة عنه وحول كراماته المختلفة مبرزا الدور الفعال للقبيلة في مؤازرة جيش التحرير، ثم مواجهة الاحتلال الفرنسي والاسباني دفاعا عن حوزة الوطن والمعارك التي قادتها، حيث ذكر أن قبيلة الركيبات هاجمت ما يربو عن 55 مركزا للقوات الفرنسية حيث استشهد العديد من أفرادها وكبدوا المستعمر خسائر عديدة في الأرواح والعتاد .
وتضمن الكتاب 17 مقالة موزعة على أربعة محاور وهي :
المحور الأركيولوجي وتضمن مداخلة بعنوان البدايات الأولى للاستقرار البشري بالجنوب المغربي من خلال آخر معطيات اركيولوجيا ما قبل التاريخ: مدينة السمارة نموذجا ل ذ عبد العزيز بوزوكار
وقد جرد فيه التقسيمات الكرونولوجية العامة لعصور ما قبل التاريخ بمنطقة السمارة ونماذج من الأدوات الحجرية التي تم العثور عليها سنة 1943 ونتائج عمليات التأريخ لمواقع ما قبل التاريخ بالجنوب المغربي عن طريق الكاربون المشع ليخلص إلى قدم الاستقرار البشري في كل الجنوب المغربي، وأن هذه المناطق لم تكن أرضا خالية، بل عمرها الإنسان منذ العصور الحجرية ودعا لتكثيف الأبحاث للتعرف بدقة على تعاقب فترات ما قبل التاريخ.
المحور التاريخي وقد تضمن 5 مداخلات :
1+مقاومة قبائل الصحراء للاستعمار الفرنسي-الاسباني 1912 1934 قبائل الرقيبات نموذجا لنور الدين بلحداد، الذي قسم بحثه إلى مراحل ثلاث: الأولى من 1912 إلى 1920 وهي المتعلقة بالتصدي للمشاريع الفرنسية وسياسة فرنسا تجاه قبائل وادي الذهب،و الثانية من 1920 إلى 1926 متحدثا عن محاولات فرنسا لإخضاع قبائل الساقية الحمراء ووادي الذهب،ومحاولات اسبانيا احتلال ساحل سيدي افني ،والثالثة من 1926 إلى 1934 وتجدد الهجومات ضد المراكز الفرنسية ورد فعل القبائل الصحراوية .
2+مقاومة قبائل الرقيبات للاستعمار الاسباني لأحمد الدليمي موزعا البحث إلى جزئين :الأول وهو جهاد قبائل الركيبات من سنة 1905 إلى 1934، والثاني مقاومة قبيلة الرقيبات بصفوف جيش التحرير خلال الخمسينات من القرن العشرين.
3+الشيخ ماء العينين ومعركة الداخلة 1885 لمربيه ربه ماء العينين ناقش فيها هذه المعركة انطلاقا من مؤلفات عدة سواء للشيخ ماء العينين وهو هداية من حار في أمر النصارى، أو كتابات بعض الباحثين الاسبان ،كما توقف عند الحضور المادي والمعنوي للسمارة في هذه المعركة، فجل قبائل الإقليم شاركوا فيها ،كما توقف عند الأثر البالغ للمعركة في توجيه السياسة الاستعمارية الإسبانية ودورها في تأخير توقيت بداية الاستعمار،كما ختم بقصيدة نظمها أحد المشاركين في هذه المعركة وهو الشاعر العتيق بن محمد فاضل الذي توفي بعد 8سنوات بفاس وهو في طريقه للحج حيث حضر جنازته السلطان مولاي الحسن وأعيان الدولة والعلماء.
4+الساقية الحمراء إبان تأسيس زاوية السمارة مقاربة سوسيو تاريخية لمحمد دحمان حدد فيها الشروط التي سبقت تأسيس زاوية السمارة ومميزات تلك الشروط خلال النصف الثاني من القرن 19 محاولا الجواب عن سؤال هل كانت السمارة تتويجا طبيعيا لتلك الشروط أم العكس؟ ليخلص أن منطقة الساقية الحمراء في النصف الثاني من القرن 20 لم تكن أرض خلاء ولا مالك لها كما يقول الكتاب الفرنسيون، بل كانت تعمرها قبيلة وافرة لها نظام اجتماعي واقتصادي خاص وتوازن داخلي خلقته الحروب التي نجم عنها تناغم سياسي مؤسس على المكانة الهامة للسلاح و أهل لمدافع .
5+تأملات حول تحديد الهوية لمحمد علي خنفار و تناول فيه تحديد الهوية الثقافية لصحراء المغرب وتحديد هوية إنسان صحراء المغرب وضوابطها ، محددا بعض العناصر المتكاملة وهي: اللغة الحسانية، والخط المغربي الأندلسي الموحد، والدين الإسلامي والتراث العلمي والأدبي خاصة الشعر الحساني والموسيقى والعادات والتقاليد المشتركة والانتماءات القبلية والتشابه في البيوت الوبرية، وهندسة البيوت المدرية والرغبة في الوحدة الاجتماعية والوطنية والدفاع عن المقدسات الدينية والتمسك بالسيادة الوطنية ولعل خير ما يجسد هذه الرغبة هو :1 وصية سيدي أحمد الركيبي 2وصية الشيخ ماء العينين 3نداء محمد الخامس للقبائل الصحراوية كافة والركيبات خاصة 4المسيرة الخضراء للحسن الثاني .
المحور الديني وتضمن سبعة مداخلات :
1. بعنوان مساهمة الشيخ ماء العينين في توحيد الطرق الصوفية لمحمد الظريف
حيث استفاض في الحديث عن دوره في القضاء على أوجه الخلاف التي كانت تمزق الطرق الصوفيىة وتعرقل ائتلافها والمؤاخاة بينها ،مما مكن من تجديد التصوف وتطهيره مما أصابه في العصور المتأخرة من تحجر وجمود وسلبية حيث استعاد فعاليته من جديد في صورة أكثر إشراقا وحيوية، كما تخلى عما أصاب الطرقية من انعزالية وتواكل وتخاذل. هذا البعد الوحدوي لم يقتصر على الطرق الصوفية بل تعداه إلى توحيد الجنوب المغربي ومواجهة الأطماع الأجنبية .


الكاتب : م محمد البوزيدي

  

بتاريخ : 20/03/2025