الكتابة والصحراء قراءة في مؤلفات فردية وجماعية 20 – مجتمع الصحراء في الكتابات الاستعمارية

ماهي العلاقة بين الكتابة والصحراء؟ وكيف تلازمتا منذ زمن بعيد؟ ألم تكن الكتابة مرتبطة بالصحراء، هل هناك حدود للكتابة في الصحراء أم لا حدود لها مثل كثبان الرمال؟ وأيهما أقرب إلى ثقافة الصحراء: الكتابة أم الشفاهية؟
إنها تساؤلات عميقة تنبعث ونحن نتأمل المتون والمؤلفات التي اتخذت من الصحراء تيمة لها. فلقد شكلت الصحراء دوما فضاء غنيا بامتياز وباعثا على الإبداع والتدوين. بإرثها التاريخي العميق ،وبتنوع تضاريسها، وغنى مواردها الطبيعية التي تجمع البحر والبر في التحام وتناسق جميلين ،كما شكلت ملتقى للحضارات المتعاقبة على المغرب ، لذلك نبغ منها شعراء عديدون ومفكرون كانوا من رموز زمانهم ، ومثقفون ألفوا وأنتجوا كتبا ما يزال بعضها رهين خزانة المخطوطات ينتظر التنقيح وإخراجه من ركام الأتربة ليستفيد منه الأحفاد بعدما أنتجه الأجداد منذ زمن غابر

يضم هذا الكتاب الذي صدر سنة 2010 بدعم من وكالة الجنوب أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه فريق البحث في العلوم الاجتماعية التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير بتعاون مع مركز الدراسات الصحراوية يوم 19 مارس 2008 بكلية الآداب أكادير بهدف تقديم حصيلة أولية ونماذج من دراسات الفترة الاستعمارية حول مجتمعات الرحل في الصحراء من خلال الكتابات المختلفة سواء منها الأرشيفات الإدارية أو الدراسات الأكاديمية .
ويأتي تنظيم ذلك اللقاء حسب منسق الكتاب  ( رحال بوبريك ) من أجل إعادة الاعتبار للصحراء الأطلنتية التي ظلت  مجالا خارج الكتابة التاريخية لموقعها الهامشي بالنسبة للعالم العربي والإسلامي، ولطبيعة مناخها الصحراوي، وكثافتها السكانية الضعيفة وقلة المراكز الحضرية.
كما أن المؤرخين لم يحيطوها بالعناية الضرورية، فالمؤرخ العربي اعتبرها ممرا للقوافل وموطن قبائل رحل تثير الاضطرابات، وتشكل مصدر إزعاج دائم للمستقرين، وسلالات توالت على السلطة بالمغرب ،كما أن معظم الكتابات تدخل في إطار أدب الرحلة، مما جعلها تتميز بنظرة متعالية ومحتقرة للبدو، وذكر نماذج من هذه الكتابات كابن بطوطة والحسن الوزان التي اقتصرت على عادات وتقاليد وممارسات بدو الصحراء مما جعلها تتضمن أحكام قيمة سلبية.أما الأجانب فاقتصرت كتاباتهم على وصف سطحي وقدحي للعادات وسلوكيات أهل الصحراء، لكن رغم هذا وذاك لاينفي رحال بوبريك عن هذه الكتابات  التي تنوعت بين مراكز بحثية ونشرات ومؤتمرات علمية.القيمة الإثنوغرافية في وصف حياة البداوة .خاصة في القرن العشرين حيث أن الاستعمار الفرنسي ولمعرفة المجتمع الذي يريد استعماره، كرس مجهودات عدة  قصد التأسيس لبنيات البحث العلمي التي تضمن له معرفة بنيات ونظم وتاريخ ووقائع القبائل والمناطق المستهدفة من أجل تسهيل السيطرة عليها ووضع سياسة مضبوطة مبنية على معرفة علمية وموضوعية للواقع.
وتوقف الكاتب طويلا عند سؤال الخلفية من الإسراع بترجمة الكتابات الاستعمارية التي لها منطلقات وخلفيات معينة من أجل تقديمها للقارئ .وهنا يحاول الجواب في نقاط يحددها في :
1. معرفة المضمون العلمي للكتابات بغض النظر عن الموقف منه، ومن خلفياته الإيديولوجية.
2. عجز الباحث المحلي عن إنتاج ما يضاهي أو يشبه هذه الكتابات بعد الاستقلال سواء من ناحية الكم أو الكيف، أو التغطية المجالية والصرامة العلمية لبعضها، والأدوات المفاهيمية والمنهجية .
3. تميز الكتابات الاستعمارية بخصوصية علمية، وجرأة في التناول بعيدا عن الإكراهات التي تكبل الباحث المحلي.
4. تميز البعض منها، لدرجة أصبحت مصدرا لأبناء القبائل في رواياتهم الشفوية حول أصولهم ( منوغرافية مارتي حول موريتانيا ) وهو ما يطرح إشكالا بالنسبة للكاتب وهو *صنع الذاكرة المحلية من طرف مرجعية خارجية *
ويتضمن الكتاب الموزع على  166صفحة من الحجم الصغير ثمانية أبحاث وسنتوقف على أبرزها وهي:
1+ رحل شمال إفريقيا من خلال كتاب روبير مونطاني حضارة الصحراء  ذ الكبير عطوف ،حيث اختار الفصل الثامن من هذا الكتاب للبرهنة على أن العديد من الكتابات الاستعمارية مليئة بالمغالطات الناتجة أساسا عن الجهل أو خلفيات ايديولوجية وسياسية معينة.
وهكذا، وبعد تقديم قراءة نقدية لمضامين هذا الفصل المعنون ب *فتح إفريقيا* في 41 صفحة رد الكاتب بقوة على معلومات خاطئة أوردها روبير مونطاني خاصة فكرتين رئيسيتين:
1/العرب إذا تغلبوا على الأوطان أسرع إليها الخراب.
2/*أصبح الرجال يرتجفون داخل المغرب ويموتون بالقبائل / إنها الفوضى الكبيرة التي باتت  تعم المغرب المنقسم إلى عدة إمارات صغيرة ومتناحرة فيما بينها / إن هذه البلاد أصبحت لقمة سائغة تحت رحمة الحروب المظلمة بين العرب والبربر/هكذا أضحت إمبراطورية المرابطين والموحدين عبارة عن أرض مخربة كنتيجة حتمية لاجتياح وغزو عربي بدأ بإفريقيا أولا وذلك منذ أربعة قرون مضت *ص 245
وأرجع ذ الكبير عطوف سبب الأخطاء المعرفية إلى أن روبير مونطاني لم يقرأ نص المقدمة الأصلي لابن خلدون ،ولكنه اعتمد على نص جورج مارسي في كتاب les arabes en berberie p 308 Georges marcais  وهو مليء بالخلفيات الإيديولوجية. كما أن القراءة الاستعمارية للواقع المحلي  تعتمد على ثنائية البربر ضد العرب والصراع الأزلي فيما بينهم وهذه النزعة تدخل في إطار أوسع روجت له الكتابات الاستعمارية التي لعبت على وتر ثنائية عرب /بربر ،زوايا/محاربين،بلاد المخزن بلاد السيبة..

 

 


الكاتب : م.محمد البوزيدي

  

بتاريخ : 24/03/2025