«قبائل الصحراء: أصولها جهادها ثقافتها» للدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين
ماهي العلاقة بين الكتابة والصحراء؟ وكيف تلازمتا منذ زمن بعيد؟ ألم تكن الكتابة مرتبطة بالصحراء، هل هناك حدود للكتابة في الصحراء أم لا حدود لها مثل كثبان الرمال؟ وأيهما أقرب إلى ثقافة الصحراء: الكتابة أم الشفاهية؟
إنها تساؤلات عميقة تنبعث ونحن نتأمل المتون والمؤلفات التي اتخذت من الصحراء تيمة لها. فلقد شكلت الصحراء دوما فضاء غنيا بامتياز وباعثا على الإبداع والتدوين. بإرثها التاريخي العميق ،وبتنوع تضاريسها، وغنى مواردها الطبيعية التي تجمع البحر والبر في التحام وتناسق جميلين ،كما شكلت ملتقى للحضارات المتعاقبة على المغرب ، لذلك نبغ منها شعراء عديدون ومفكرون كانوا من رموز زمانهم ، ومثقفون ألفوا وأنتجوا كتبا ما يزال بعضها رهين خزانة المخطوطات ينتظر التنقيح وإخراجه من ركام الأتربة ليستفيد منه الأحفاد بعدما أنتجه الأجداد منذ زمن غابر
يحاول الكاتب في هذا المؤلف تقديم لمحة عن تاريخ قبائل الصحراء متمسكا ما أمكن كما كتب بالصدق والتجرد من أي حساسية أمام تحليل الظاهرة التاريخية ، و بتجنبه *الكتابة عن الفتن التاريخية والتنابزات الكلامية التي أوضحنا غير ما مرة أننا لا نعتبرها مادة تاريخية بقدر ما نعتبرها إثارة للضغائن والأحقاد*، ومع إدراكه بصعوبة المهمة والعجز عن جرد كل المعلومات في هذا الإطار، خاصة أن إكراهات عدة تعترضه أهمها شساعة فضاء البحث ، وغياب المراجع المكتوبة المدققة، و*صعوبة محاولة فصل جزء من تاريخ وطن كامل بالكلام على جهة منه ظلت مندمجة في مجرى حياته العامة، فالمدرسة واحدة والمنهاج الدراسي واحد * مع تذكيره أن هذه الصعوبات تبقى موحدة بين جميع الكتابات التي جعلت من فضاء الصحراء تيمة لها.
وفي الفصل الأول حاول رسم الخريطة العامة لسكان الصحراء موزعا الفصل إلى مبحثين:
الأول تناول فيه أصل قبائل الصحراء حيث أكد جميع المؤرخين على أن نزوح السكان إلى الصحراء تم إلى الشمال والجنوب، وأنهم من سلالات شريفية إدريسية، وفيهم بعض البطون العلوية ، وبعض السلالات الصنهاجية وجذوع من زناتة وغيرهم من القبائل العربية الذين وصلوا قبل الإسلام إلى تلك الجهات، وانضمت إليهم جماعات من العرب وصلوا مع الفتح الإسلامي، واستقروا في الشمال الشرقي للمملكة بعد تأسيس إدريس الثاني لمدينة فاس سنة 192 هـ .
وتذكر جل المصادر أن قبائل حسان وبني هلال تمكنوا من الانتقال إلى جنوب المملكة خلال مراحل متفاوتة، وشيدوا حضارة بالصحراء المغربية قبل أن تندثر ولا يبقى منها إلا حفريات تكتشف بين الحين والآخر.
ويفصل الكاتب كثيرا الحديث عن أصول البربر والعرب نقلا عن كتاب الاستقصا للناصري و*مقدمة ابن خلدون * ليخرج بخلاصة مفادها أن معالم الأصول الكبرى لسكان الصحراء ترجع إلى عرب بني معقل والقبائل الحميرية العربية التي يرجح أنها هي الأصل الأعلى لجميع القبائل العربية بالإضافة إلى السلالات الشريفية التي تميزت بحفظ أنسابها .
وفي الفصل الثاني يعرف الكاتب بمختلف قبائل الصحراء المغربية مستهلا الحديث بالشرفاء الركيبات محددا نسبهم الأعلى والتركيبة الاجتماعية لهم خاصة الفروع الرئيسية الثلاث وهم: أولاد اعلي، أولاد اعمر ،القواسم، ومكانتهم في المجتمع الصحراوي ،وجهاد هذه القبائل ضد المد الاستعماري وأبرز المعارك التي خاضتها ضد المستعمر الفرنسي بداية من معركة الكويشيش سنة 1912 إلى معركة امبيقير سنة 1930.
كما يتطرق لقبائل التكنة معتمدا على كتاب الباحث مصطفى ناعمي الصحراء من خلال بلاد التكنة حيث حدد أنهم القبائل بتركيبتها الحالية التي كانت تسكن وادي نون وتمتد جنوبا حتى الضفة الشمالية للساقية الحمراء وتمتد من أقا شرقا حتى المحيط الأطلسي، مذكرا أنهم حلف وليسوا من أصل واحد مرجحا أن أصل التسمية نسبة ل *ابن تقن* الذي كان ضمن الجيوش التي صحبت عبد الله بن ياسين في إحدى جولاته إلى الصحراء فتخلفوا بأرضهم الحالية ،وأصولهم وعلاقاتهم المختلفة عبر التاريخ .
وقسم الكاتب التكنة إلى حلفين رئيسيين هما: جماعة ايت بلة وتضم قبائل: ايت اوسى، ازوافيط، ايت ابراهيم، ايت حماد، ايت ياسين، صبويا من ايت باعمران، ايت عثمان، ايت بوية، ايت برييم . وجماعة ايت الجمل وتضم قبائل:ازركيين، ايت لحسن، ايت موسى وعلي، يكوت، بوعيطة، ايت الخمس من ايت باعمران مجاط، لميار، الفيكات
كما ذكر الكاتب أن هذه القبائل تجمعها قواسم مشتركة موحدة، لكن لكل قبيلة خصائص تنفرد بها، ورد على بعض أطروحات الكاتب علي الشامي التي أوردها في كتابه : الصحراء عقدة التجزئة في بلاد المغرب العربي .
المبحث الثالث لكتابه خصه لعرب بني معقل من خلال ثلاثة فروع :
الفرع الأول خصصه لمعلومات مستفيضة حول عرب المعقل، ووصولهم إلى المغرب من خلال الاعتماد على ابن خلدون والناصري، وحكايات سماها *متواترة * حيث قسم هؤلاء إلى ثلاثة جذوع :ذوي عبد الله /ذوي منصور/ذوي حسان وهم الذين تمتد مضارب أحيائهم من رأس وادي درعة إلى المحيط ويستقر شيوخهم ببلاد وادي نون أو كما يذكر واد نول كما سماها ابن خلدون، ويستنتج في الأخير أن ايت الجمل ينتمون لعرب المعقل، كما يذكر بما أكده الناصري في الاستقصا أن أماكن سكناهم في أيامه من جبال ايت باعمران على امتداد الساحل جنوبا حتى نهاية الحدود المغربية مع نهاية الصحراء نحو الجنوب.
وفي الفرع الثاني يتوقف الكاتب عند سبب قدوم عرب بني معقل إلى المغرب، ويجرد العديد من الروايات في هذا الإطار خاصة الواردة في التاريخ الكبير الجزء 6 لابن خلدون ليثبت أن عرب المعقل رجعوا إلى الصحراء مباشرة بعد سقوط دولة المرابطين التي انبثقت من أرضهم وأنهم ظلوا صامدين بها يتنقلون داخلها ولم يبارحوها إلى جهة أخرى . كما جرد روايات في هذا الإطار حول سبب قدومهم (عرب المعقل) إلى المغرب.
وفي الفرع الثالث تحدث الكاتب باستفاضة عن قبائل بنو دليم الذين رفع نسبهم اعتمادا على روايات شفوية إلى جعفر بن أبي طالب، وتطرق لتنوعهم إلى قسمين: أولاد سنان ودليم الساحل، مفصلا في الأفخاذ التي تضمنها كل قسم ، كما ذكر بجهادهم ودورهم في عودة إقليم وادي الذهب إلى حظيرة الوطن الأم .
المبحث الرابع من الفصل الثاني تطرق فيه للقبائل المنفردة التي لا يجمعها بقبائل أخرى أي أصل أو حلف أو تماسك، وهي قبائل لم تكن لها تبعية في حياتها السياسية والاجتماعية ولم تكن منسجمة في إحدى المجموعات السابقة كقبائل الشرفاء العروسيين وأهل الشيخ ماء العينين وأبناء تدرارين وشرفاء فيلالة وشرفاء تبالت وأبناء أبي السباع وقبائل يضمها مصطلح واحد ولا تنتمي لسلالة ولا لحلف وهي قبائل :اديقيب، أهل بارك الله، أهل محمد سالم .
كما أسهب الكاتب في الحديث عن دور العرش والشعب في استكمال الوحدة الوطنية والحفاظ عليها بداية من مجهودات العرش في التصدي للغزو الاستعماري ووقف أي اتفاق أوروبي يستهدف السيطرة على الصحراء، كما أشار إلى رفض الصحراويين التعامل مع الإدارة الاسبانية إلا عبر خليفة السلطان بتطوان متوقفا عند اندماج الصحراء في الوطن سنة 1956 ومواجهة العرش والشعب للمخططات الانفصالية
في الفصل الأخير جرد الكاتب مجموعة من الشعراء الحسانيون وبعض قصائدهم في إطار الحديث عن ثقافة الصحراء .
وعموما فالكتاب الصادر عن المطبعة الملكية بالرباط سنة 1998الذي يمتد على 320 من الحجم المتوسط يؤرخ لتاريخ قبائل الصحراء، لكن يلاحظ عليه تكراره وإعادة بعض المعلومات داخل نفس الكتاب ،وعدم الاستناد إلى مراجع مكتوبة ومضبوطة ،بل وتضارب في بعض الروايات التاريخية، و جرد روايات دون الحسم فيها وبالتالي يظل القارئ تائها في محاولة الحصول على الحقيقة التي تبقى نسبية في مجال التاريخ.
لذلك لا يتردد الدكتور إدريس الناقوري في كتابه* ايت لحسن القبيلة – التاريخ – المواقف* في وصفه أنه :من الكتب التي ألفت على مسؤولية صاحبها، وليست عملا أكاديميا خضع لإشراف علمي دقيق ومسؤول، يسرد الأحداث والوقائع سردا سريعا دون تحليل معمق، مع غياب التوثيق إضافة للحرص على المحاباة وإرضاء الجميع، وإرضاء الناس قد يكون أحيانا على حساب الحقيقة التاريخية والعلمية وعلى حساب النزاهة والموضوعية.