الكتابة والصحراء قراءة في مؤلفات فردية وجماعية 6- «أعلام من الصحراء المغربية» لمحمد الجيلاني

 

ماهي العلاقة بين الكتابة والصحراء؟ وكيف تلازمتا منذ زمن بعيد؟ ألم تكن الكتابة مرتبطة بالصحراء، هل هناك حدود للكتابة في الصحراء أم لا حدود لها مثل كثبان الرمال؟ وأيهما أقرب إلى ثقافة الصحراء: الكتابة أم الشفاهية؟
إنها تساؤلات عميقة تنبعث ونحن نتأمل المتون والمؤلفات التي اتخذت من الصحراء تيمة لها. فلقد شكلت الصحراء دوما فضاء غنيا بامتياز وباعثا على الإبداع والتدوين. بإرثها التاريخي العميق ،وبتنوع تضاريسها، وغنى مواردها الطبيعية التي تجمع البحر والبر في التحام وتناسق جميلين ،كما شكلت ملتقى للحضارات المتعاقبة على المغرب ، لذلك نبغ منها شعراء عديدون ومفكرون كانوا من رموز زمانهم ، ومثقفون ألفوا وأنتجوا كتبا ما يزال بعضها رهين خزانة المخطوطات ينتظر التنقيح وإخراجه من ركام الأتربة ليستفيد منه الأحفاد بعدما أنتجه الأجداد منذ زمن غابر

 

في تقديمه للكتاب يبرز الباحث محمد دحمان أهميته في كون الكتابات التي سبقته وكان موضوعها المناطق الجنوبية قد ركزت على قبيلة أو شخص بذاته، بينما هذا المؤلف حاول التطرق لمجمل قبائل هذه المنطقة من حيث الانتماء العرقي والفعل الجهادي والمنتوج الثقافي والممارسة الاقتصادية بالتزام وحياد موضوعي ولو على صعيد القبيلة التي ينتمي إليها ،إنه مادة مصدرية هامة بين أيدي الباحثين الناشئين والمهتمين بالمنطقة من نواحي شتى علمية وثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية .ويواصل د.دحمان أن هذا الكتاب يأتي ليؤكد أن أرض وادي نون والساقية الحمراء ووادي الذهب لم تكن أبدا أرضا خلاء، بل عرفت مجموعات بشرية متعددة ومتنوعة عبر فترات تاريخية عريقة في القدم ولها ممارسات اقتصادية تجارية وفلاحية. كما بلور علماءها مدارس علمية ثقافية فريدة في العالم العربي والإسلامي،كما أن الكتاب يستمد قيمته حسب الدكتور دحمان في كونه يبرهن أن المجتمع الصحراوي لم يكن أبدا مجتمعا منغلقا على ذاته وبدائيا ،بل كان مجتمعا منفتحا على محيطه البيئي والسياسي والاجتماعي حيث كانت رئاسة القبيلة ومدارسها العريقة نموذجا للتواصل مع السلطة المركزية بالشمال والمجتمعات الزنجية جنوب الصحراء حيث توحدت هذه القبائل ونظمت الجهاد ضد المستعمرين الفرنسي والاسباني ولذلك تأخر احتلال المنطقة إلى سنة 1934.
ويضم الكتاب الذي يمتد على 160صفحة من الحجم الصغير مجموعة من المعلومات التاريخية التي جمعها الكاتب من خلال برنامج كان يبث على أمواج إذاعة الداخلة تحت عنوان: أعلام من الصحراء المغربية .حيث تطرق للتعريف بمختلف القبائل و لحياتها اليومية ومدى روابط ماضيها بحاضرها وكيفية ارتباط شمالها بجنوبها والمراحل التاريخية التي عاشتها قبل الانصهار في الحياة المدنية الجديدة .
ولتحقيق هذا الهدف اتبع ذ محمد لجيلالي منهجا خاصا عرف فيه بالأشخاص الذاتيون والأشخاص المعنويون وهم :
قبائل الشرفاء الركيبات، قبيلة أولاد دليم، قبيلة أولاد اللب، قبيلة الشرفاء العروسيين، قبيلة تكنة، قبيلة ايت بعمران، قبيلة الشرفاء أبناء أبي السباع، قبيلة آل الشيخ ماء العينين، قبيلة أولاد تدرارين، كما تطرق لبعض الزوايا خاصة زاوية محمد بن محمد سالم المجلسي،وزاوية كنتة وزاوية تجكانت، وزاوية أهل اشفاغ موسى، وزاوية آل بارك الله، وزاوية تندغة، وزاوية فلالة وزاوية آل اشفاغ الخطاط، ومحضرة ادو علي السملاليون الشرفاء.
واختتم المؤلف بملاحق تتضمن تعاريف ببعض المصطلحات المتداولة في المنطقة والتي قد لا يستوعبها القارئ كأسماء الآبار أو الأودية أو الجبال….مع عدم الغوص في الموضوع لما قد يثار من نزاعات خاصة في مجال التملك مما يبرهن بما لا يدع مجالا للشك وباتفاق المؤرخين والباحثين أن الصحراء عرفت تقلبات، وعاشت حضارات عدة ولم تكن أرض خالية ولا مواتا كما قد يدعي البعض، بل إن الحضارات التي عاشتها عاش معها صراع كاد يقضي إذا لم يكن قضى فعلا على ما تم إنجازه في فترات تاريخية مختلفة .
كما جرد الكاتب بعض المراجع المتمثلة في مؤلفات اعتمد عليها إضافة إلى مخطوطات تاريخية ورسائل وترجمات لوثائق اسبانية ومقتطفات من كتب تاريخية مهمة وظهائر سلطانية ونبذة وجيزة من حياة الشيخ مربيه ربه.
و رغم غياب الصرامة العلمية المتجلية في اعتماد روايات شفوية دون تعضيدها بمصادر أو وثائق تاريخية وإغفال قبائل صحراوية وأعلام تاريخية أخرى.فإن الكتاب الذي صدر سنة 2002 عن زاوية ومحضرة محمد بن محمد سالم وادي الذهب استطاع تقديم طبق متنوع للقارئ حول الصحراء يجمع بين الأدب والتاريخ. إنه فسيفساء جميل بنكهة إذاعية متميزة.


الكاتب : م محمد البوزيدي

  

بتاريخ : 07/03/2025