الكتابة والصحراء قراءة في مؤلفات فردية وجماعية -09- «حرب أعلام في الصحراء- محنة اسبانيا» لـ»آنخيلا هيرنانديث مورينو»

ماهي العلاقة بين الكتابة والصحراء؟ وكيف تلازمتا منذ زمن بعيد؟ ألم تكن الكتابة مرتبطة بالصحراء، هل هناك حدود للكتابة في الصحراء أم لا حدود لها مثل كثبان الرمال؟ وأيهما أقرب إلى ثقافة الصحراء: الكتابة أم الشفاهية؟
إنها تساؤلات عميقة تنبعث ونحن نتأمل المتون والمؤلفات التي اتخذت من الصحراء تيمة لها. فلقد شكلت الصحراء دوما فضاء غنيا بامتياز وباعثا على الإبداع والتدوين. بإرثها التاريخي العميق ،وبتنوع تضاريسها، وغنى مواردها الطبيعية التي تجمع البحر والبر في التحام وتناسق جميلين ،كما شكلت ملتقى للحضارات المتعاقبة على المغرب ، لذلك نبغ منها شعراء عديدون ومفكرون كانوا من رموز زمانهم ، ومثقفون ألفوا وأنتجوا كتبا ما يزال بعضها رهين خزانة المخطوطات ينتظر التنقيح وإخراجه من ركام الأتربة ليستفيد منه الأحفاد بعدما أنتجه الأجداد منذ زمن غابر

صدر هذا الكتاب الصادر عن منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتبادل الثقافي سنة 2006 والذي ترجمه : ماء العينين مربيه ربه. ويضم أكثر من 300 صفحة وثلاثة فصول إضافة إلى ملاحق مختلفة.
وفي تقديم المترجم للكتاب يؤكد أن هذا المؤلف يتضمن رؤية موضوعية برواية اسبانية للمأساة الصحراوية منذ بداية الاستعمار سنة 1884 حتى اليوم، حيث عرضت المؤلفة لسياسة الحكومة الإسبانية أثناء فترة احتلالها مع جرد جميع الحركات والمنظمات التي عرفتها الصحراء وجوارها، مع تحليل دقيق لنشأتها وتطورها، لتخلص إلى استنتاجات الباحث المدقق المحايد والصارم في تعامله مع مادة بحثه.
ويضيف أن الكتاب GUERRA DE BANDERAS EN EL SAHARA الذي يعرض لمحنة اسبانيا في الصحراء، يتضمن وثائق تنشر لأول مرة تزكي مضامين الكتاب وتثري التحليل العام الذي يبرز أن المغرب كان دائما يعتبر الصحراء جزءا منه (وسبق أن طالب بها منذ عهد محمد الخامس)، وكيف حاولت اسبانيا بمختلف الأساليب أن تعاكس ذلك، وتخلق فيها كيانا مصطنعا مختلفا ليتسنى لها ضم الإقليم أو البقاء فيه زمنا أطول للاستفادة من موارده الطبيعية (خلق»الجمعية العامة»،»الحزب الثوري التقدمي»،حزب الاتحاد الوطني الصحراوي»،اللجنة الاسبانية الصحراوية للدراسات التاريخية..») ثم كيف سعت إلى استقطاب البوليساريو والتفاهم مع الجزائر ومع بعض التيارات في موريتانيا، والتقارب مع ليبيا…
يضم الكتاب ثلاثة فصول:
الفصل الأول:أطراف النزاع
الفصل الثاني:مجالات متنازع عليها والرحيل الاستعماري
الفصل الثالث:بناء ماهو صحراوي عبر مباحث مختلفة هي :
صور متنازعة
المغرب واسبانيا: صورة الصحراء الغربية في المغرب
الصورة الاستعمارية للصحراء الغربية.
محكمة العدل الدولية والمسيرة الخضراء.
هل هناك صحراء صحراوية؟
مرحلة ماقبل الاستعمار
حجج بناء ماهو صحراوي
هدم ماهو صحراوي…. تحديد الصحراوي
ومن خلال تفحص الكتاب فإن ما يضفي عليه قيمة علمية يكمن فيما يلي:
اعتماد الكاتبة على أرشيفات ضخمة ذكرتها في أماكن متنوعة.
تضمن الكتاب العديد من الصور الموثقة للموضوع.
عضدت الباحثة بحثها بشهادات متعددة من شخصيات مؤثرة مازالت على قيد الحياة وعايشت مختلف الأحداث، وتنمي إلى تيارات مختلفة في كل من: مدريد والعيون وتندوف والرباط .
تضمن الكتاب في نهايته العديد من الوثائق بلغات مختلفة.
كما تؤكد الباحثة في نهاية الكتاب أن مصطلح الصحراوي لم يكن موجودا أصلا، بل تم اختراعه لخدمة أجندة معينة . وإذا كان قد كتب له النجاح فلأنه كان موجودا قبل إنتاجه، فقد تولد من مفهوم كان قائما قبل الاستعمار هو «البيضان» الذي مازال يغذيه،ثم تم استعماله في الخطاب الاستعماري.ومع ذلك فإنه لايمكن نفي التنوع الثقافي والمميزات الخاصة بالمنطقة .ولكن ابتداء من طرح مسألة تصفية الاستعمار بصفة خاصة،بدأ التعامل معه قصد استعماله كذريعة أولا، من طرف السلطات الاستعمارية ثم بعد ذلك من طرف البوليساريو التي لم تدافع عنه في البداية ولم تتبناه.وإذا تم الخلط بين ماهو خاص وماهو عام، فقد حرض هذا الشعور الفاعلين، وتحول بعد ذلك إلى سلاح في يد القومية والاستقلاليين .ولم تظهر مطالب دعاة القومية إلا عند انهيار المشروع الاستعماري ولم يعد أمام السكان سوى الدفاع عن وجودهم. فأمام *التهديد* المغربي الذي قدم على أنه هدم واضطهاد ظهر الدفاع القومي الصحراوي كمنقذ وحيد .
ويؤكد د الناقوري في ص96 من كتابه -الشرفاء الركيبات دراسات أناسية تاريخية اجتماعية-
أن هذا الكتاب اتسم بروح تتوخى الموضوعية، وهو كتاب تراجم وتاريخ وعرض وقائع يلقي الضوء على أحداث الصحراء في مرحلتها المعاصرة، ويعرف بكيفية مباشرة وغير مباشرة بأبطال اللعبة السياسية فيها، والتابعين لهم، وبالحركات التي تأسست في خضم الصراع من أجل تحرير الصحراء وضمها إلى الوطن الأم المغرب.


الكاتب : م محمد البوزيدي

  

بتاريخ : 11/03/2025