رغم الخطوات الهامة التي اتخذت على مستوى نشر وتداول الكتاب الأمازيغي ، لايزال هذا الكتاب يعاني من محدودية الانتشار، سواء الكتب الصادرة عن الهيئات الثقافية الرسمية ودور النشر أو الكتاب المنشور من طرف الجمعيات المهتمة بنشر الكتاب والإبداع الأمازيغي في مختلف مشاربه وأصنافه. هذا الوضع المرتبط بمحدودية الانتشار، رغم بعض الشروط الخاصة المرتبطة باللغة الامازيغية التي رغم ترسيمها دستوريا، لا تزال أجرأة آليات هذا الترسيم متعثرة سواء داخل المؤسسات التعليمية أو في الإدارات، يعزى في جانب كبير منها الى إشكالية عامة وبنيوية تخص اشكالية ضعف القراءة بالمغرب والتي تنسحب على الكتاب المكتوب بالغة العربية أو الأمازيغية، ولهذا يظل الإقبال على الكتاب الأمازيغي محصورا في المهتمين كالطلبة والأساتذة والباحثين والمبدعين.
وبالرجوع الى وضعية نشر وتداول الكتاب الأمازيغي، نجد ـأنه في آخر تقرير حول «حالة النشر والكتاب بالمغرب خلال 2022/2023» الذي أصدرته مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات شهر ماي 2024، فقد حلت الإصدارات بالأمازيغية رابعة في الترتيب بنسبة (1,51%) علما أن النشر الرقمي بالأمازيغية منعدم، ما يجعل نسبة النشر بالأمازيغية لا تتعدى 0,9% باحتساب النشر الورقي والرقمي، مع الإشارة إلى أن أزيد من 81% من الإنتاج الأمازيغي الذي بلغ 53 مؤلفا في سنتين، إبداع أدبي.
وعلى الرغم من ترسيم خط التيفيناغ خطا رسميا للغة الأمازيغية، إلا أنه لا يزال يلاحظ أن هناك تشظٍ على مستوى توحيد الخط الذي تكتب به النصوص الأمازيغية بالمغرب، بحيث لا تزال هيمنة الأبجدية اللاتينية مستمرة في ما ينشر من كتابات بالأمازيغية في 30 إصدارا، 20 منها بخط لاتيني أوحد، و 19 عنوانا بخط مزدوج لاتيني – تيفيناغ، أما ما صدر بالتيفيناغ، فانحصر في 7 عناوين فقط.
هذا الوضع الذي يقلق المبدعين والمهتمين بالكتاب الامازيغي ، كتابة ونشرا، يرى بعض الكتاب أنه رغم كل هذه الإكراهات، فإن الكتاب الأمازيغي عرف «طفرة نوعية» خلال العقدين الأخيرين، خاصة مع الديناميكية ومستوى الإنتاج التأليفي للغة الأمازيغية، خصوصا في مجالات البحث والتاريخ والكتابة الإبداعية، سردا وشعرا، حيث يرى الباحثون أن المنتوج الأدبي الأمازيغي بكل تجلياته وأشكاله التعبيرية الشفهية غني ومتنوع، تنوع وغنى لم يشفع له في الفوز بجائزة المغرب للكتاب السنة الماضية، فرع الأدب الأمازيغي، دون تقديم مبررات لحجب هذه الجائزة، وهو ما يناقض التوجه الرسمي للمغرب الثقافي الذي يكتسب غناه من كل مكوناته اللغوية وتفرعاتها التعبيرية.
جمعيات شريكة
إلى جانب دور النشر والوزارة الوصية، تساهم عدد من الجمعيات والمؤسسات في نشر وتوزيع وترويج ودعم والتعريف بالكتاب الأمازيغي، من بينها:
المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
منذ إحداثه قام المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بإصدار 530 كتابا؛ تناولت مواضيع تهم، على الخصوص، مجالات الأدب والفنون والديدياكتيك، وقضايا الثقافة الأمازيغية إضافة إلى 16 عددا من مجلة المعهد العلمية والأكاديمية «أسيناك»، و22 عددا من مجلة المعهد «إينغميسن»، و6 كتب بديعة ((Beaux livres؛ وبذلك يكون عدد إصدارات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي تم إنتاجه؛ خلال العقدين الأخيرين، ولحد الآن؛ 530 إصدارا، اعتمد فيها المعهد استراتيجية شمولية في ما يخص إنتاج الكتاب الأمازيغي؛
رابطة تيرا للكتاب باللغة الأمازيغية
تعتبر تجربة رابطة تيرا للكتاب باللغة الأمازيغية من التجارب الجمعوية والأدبية والتنظيمية التي تستحق الاهتمام والدراسة على الأقل بالنظر للدواعي التالية:
أولا، اعتبارها من الجمعيات القليلة المتخصصة في مجال الإبداع والكتابة بالأمازيغية ونشر الكتاب الأمازيغي.
ثانيا، تأسيسها من طرف نخبة من المفكرين والمبدعين والمثقفين الأمازيغيين والمتوفرين على تجربة طويلة وممتدة سواء في مجال النضال من أجل الأمازيغية عموما أو في مجال الكتابة والإبداع باللغة الأمازيغية.
ثالثا، سعيها إلى جمع شتات مختلف الكتاب والمبدعين باللغة الأمازيغية وتشجيعهم، وعقد لقاءات بينهم وبين عموم القراء والإسهام في تكوينهم للرفع من أدائهم في المجال الإبداعي واللغوي في سياق يتسم بانتقالات قوية ودالة للأمازيغية من الشفوي إلى المكتوب، وذلك كله في إطار مبدإ إنساني يروم جعل فئة الكتاب والمبدعين باللغة الأمازيغية «عائلة صغيرة».
رابعا، العمل النوعي الذي حققته الرابطة في مجال الكتابة بالأمازيغية خلال الفترة الزمنية التي تلت تأسيسها في 10 يوليوز 2009، وهذا ما يتجلى في العديد من المبادرات النوعية التي تبنتها من أجل خدمة الكتاب الصادر بالأمازيغية. وقد أصدرت إلى الآن 281 إصدارا في مختلف الأجناس الأدبية الحديثة.
ومن أجل تحفيز وتشجيع الكتاب في مجال الكتابة بالأمازيغية خاصة فئة الشباب المبدع، أطلقت تيرا جائزتها السنوية في ميدان الإبداع بالأمازيغية، وتشمل المجالات الإبداعية التالية: الشعر، الرواية، القصة، المسرح، أدب الطفل. مسابقة أدبية انطلقت منذ 2010. ويتم طبع ونشر جميع الأعمال الأدبية المتوجة لتساهم الرابطة بذلك في إغناء رصيد المنشورات الإبداعية الصادرة بالأمازيغية.
الجمعية المغربية للبحث
والتبادل الثقافي
ساهمت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في نشر وتوزيع وتشجيع وترويج الكتاب الأمازيغي؛ علما بأن هذه التجربة تعود بداياتها إلى أوائل السبعينيات.
خاضت الجمعية تجربة نشر الكتاب الامازيغي
استجابة لرؤية مستقبلية للثقافة الوطنية:
ووضعت من بين أهدافها، نشر الأبحاث والكتب والوثائق المتعلقة بمجال اهتمامها الذي كان ولازال هو الثقافة الأمازيغية في أبعادها المختلفة، حيث أن هذا النهج أضحى من ثوابت عمل الجمعية إلى اليوم، وهو ما أفرز تراكما مهما في عدد منشوراتها على امتداد أزيد من نصف قرن وأنتجت ما مجموعه 485 إصدارا خلال العقدين الأخيرين.
وتتميز الإصدارات الأولى للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، بمحاربة الشفوية التي عانت منها الأمازيغية لقرون عديدة؛ غير أنه من السهل أيضا التمييز بين كل عنوان من العناوين الصادرة؛ فباستثناء كتابين فقط كتبا بالفرنسية، فإن أغلب الكتب التي أصدرتها الجمعية كانت بالعربية والأمازيغية، فالصنف الأول يغلب عليه الطابع السجالي أو الحجاجي والفكري والأكاديمي، بحكم أنها تستهدف شريحة من القراء، تطالع بالعربية، وهي الغالبة في المجتمع المغربي؛ لهذا فالجمعية، وفي إطار سعيها إلى تثمين الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة، والدفاع عن قضاياها، أخذت بعين الاعتبار هذا الواقع الذي يجعل إمكانية التواصل الأكبر؛ مع القارئ المغربي؛ تكون عن طريق مخاطبته بما يتقن من لغة للقراءة؛ غير أنها في نفس الوقت سعت دائما إلى طبع الكتب الأدبية والإبداعية باللغة الأمازيغية، لتحقيق التراكم المنشود، ولخلق شريحة من القراء بالأمازيغية.