«الكسكس» كان مغربيا، صار مغاربيا

توحد المغاربيون (بعد تنافس مفتعل ومزايدات إعلامية)، على موضوعة «أكلة الكسكس»، بعد اجتماع موسع لما وصف ب «الخبراء» في التراث اللامادي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط منذ أكثر من أسبوع، من بلدان المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، حيث تقدموا بطلب مشترك إلى منظمة اليونيسكو لتسجيل ذلك الطبق اللذيذ ضمن قائمة التراث العالمي، بصفته «أكلة مغاربية».

جاء هذا التوافق، بعد استراتيجية ذكية من بعض الجهات من الحكومة الجزائرية، التي اعتمدت منهجية هجومية، بادرت من خلالها إلى طرح فكرة تقديم الطلب لوحدها إلى اليونيسكو كي تتبنى أكلة «الكسكس» كتراث عالمي بصفتها أكلة جزائرية، حتى والحقيقة التاريخية غير ذلك. ولتجاوز ذلك التدافع المفتعل بين المغرب والجزائر وتونس، تم فتح النقاش للتوصل إلى الخلاصة العامة أنه «مغاربي» وتقديم الطلب بالتالي باسم كل البلدان المغاربية الأربع المذكورة فوق. فكانت النتيجة أن سحبت صفة خصوصية «كسكسو» من المغرب والمغاربة.
هذا أمر قد يكون متفهما سياسيا، لكنه حضاريا وتاريخيا غير متصالح مع الحقيقة، اعتمادا على معطيين رئيسيين:
أولها، أن طبق الكسكس، هو إبداعية مغربية أندلسية خالصة، منذ قرون، مثله مثل «الحريرة» وكل أنواع «الملوي» وأنواع من الخبز وأنواع من العصيدة.
ثانيها، أن بنية الطبخ التونسي والجزائري، قد تأثرت بحكم التراكم، بالمرجعية الفاطمية والمرجعية العثمانية والمرجعية الشامية والمرجعية المتوسطية لإيطاليا والبلقان، أكثر من تأثرها بالخصوصية المغربية – الأندلسية. وذلك يظهر واضحا من خلال تشابه أنواع من الخبز ومن الحلويات لديهم، التي لا تشبه منظومة المطبخ المغربية.
دون إغفال، معطى جغرافي حاسم، هو أن تأثير الفضاء الصحراوي على الطبخ الجزائري والتونسي أكبر بكثير من المغرب (مثلا التمر حاضر بقوة في أغلب الحلويات التونسية والجزائرية، عكس المغرب).
وبالعودة إلى كتب مرجعية في مجال تاريخ الطبخ، مثل كتاب «فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان» لصاحبه الفقيه المغربي ابن رزين التجيبي، الذي يعود إلى سنة 1292 ميلادية، نجد هندسة مدققة لتاريخ الأكلات المغربية الخالصة، التي رتبها في أبواب وظيفية، وذكر من بينها في باب الموازنة بين المغربي والأندلسي أكلات (كما وصفها لغويا ونطقا): «كسكسو، العصيدة، القلية، المركاس، الخبيزات، البرانية، الصنهاجية …». وهكذا.
إن طبق «الكسكس»، إذن، مغربي خالص، على مستوى الإعداد والتقديم وصنع آلية العرض (القصعة، التي هي إنتاج طيني مغربي خالص لا وجود لأشباهه هندسيا في باقي الجغرافيات المغاربية، تماما مثلها مثل الطاجين)، وأنه انتقل ضمن التفاعل الحضاري من الجغرافية المغربية إلى الشرق والجنوب، باتجاه الجزائر وتونس وليبيا وأيضا باتجاه بلاد شنقيط والسودان الغربي.
وأنه تكيف، تاريخيا، مع ما تمنحه أراضي تلك المناطق من منتوجات فلاحية، فخلق شكلا جديدا ومختلفا لأنواع من «الكسكسي»، مختلف عن أصل طبق «كسكسو» المغربي، الذي يسميه المغاربة أيضا «الطعام»، كناية على أنه معنى «الطعام» الأسمى لديهم، وأنه صورته الكاملة بالنسبة لهم.
وهذا موضوع طويل ليس هنا مجال عرضه بدقة، لأنه أطروحة كاملة.


الكاتب : لحسن العسبي

  

بتاريخ : 04/04/2019