الليبرالية قيمة مركزية للملكية!

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

إبان الاستقلال، جعلت هذه الموارد والإكراهات من الليبرالية خيارا موثوقا وطبيعيا، بل إن الليبرالية قد أصبحت مهيمنة في الممارسة الحكومية أو على الأقل في ما يتعلق بطريقة تتبع التدخل الاقتصادي والاجتماعي. وعليه، وبالنسبة للحاكمين في تلك الفترة، لم توضع مكانة الرأسمال الفرنسي الخاص موضع مساءلة في حين ترك السوق للتنظيم الذاتي بما في ذلك سوق الشغل.
هذه الأماكن التي تنتشر فيها الليبرالية بشكل مختلف، تتيح لنا فهم التوافق حول ركيزتين من ركائز النظام السياسي المغربي: التعددية والملكية الخاصة.
فالتعددية وجدت ترجمتها الأولى في التعدد الحزبي؛ ففي هذه اللحظة التأسيسية يشكل الحزب السياسي بالفعل العنصر التكويني المهيكل للحياة السياسية. ولكن، وبكيفية أكثر خصوصية وأكثر أهمية ربما، نجد أن التعددية الحزبية قيمة مركزية للملكية، التي أثبتت هكذا اختلافها في محيط دولي يهيمن عليه مفهوم الحزب الوحيد، كما يدافع عنه بقوة وعلانية أصحاب تصفية الاستعمار والبناء الوطني كما نطر له بورقيبة وعبد الناصر …
وعليه، فإن التعددية الحزبية أقل تلاؤما مع نزوع مفترض للمجتمع المغربي نحو الانقسام، باعتبارها إرثا للثقافة الانقسامية بجذرها القبلي، بقدر ما هي متلائمة مع أحد الملامح الرئيسية للنموذج المثالي الامبراطوري: استحالة قبول هيمنة صوت واحد هو في الحالة هاته صوت حزب الاستقلال. ولهذا أيضا تعبر التعددية عن نفسها بطريقة ملتبسة. وعليه ، فإن تجديد الحياة السياسية يتحقق عبر الانفتاح على أوساط اجتماعية مختلفة وأجيال مختلفة، وعلى أناس أكثر بعدا عن السلطة. أما الملكية الخاصة فإنها تشكل، مرة أخرى، عنصر تمييز عندما ينتصر الاتجاه نحو التأميم ، ونزع ملكية المعمرين وتطبيق مبادئ الاقتصادية الاشتراكية في كل مكان من البلدان المستقلة حديثا، وبالتالي فإن اعتماد المرجعية الليبرالية، مهما كان طابعها التوظيفي ، يتيح للملكية أن تثبت قوتها أمام الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ( المنشق عن الاستقلال ) كما تذكرنا بذلك الصراعات في البدايات الأولى للستينيات حول الإصلاح الزراعي وتأميم الأراضي والتخطيط حتى ولو لم تعرف نفس درجة الحرارة كما في أماكن أخرى …
إن المواجهة بين الملكية والحركة الوطنية، والنزاعات داخل هذه الأخيرة، لا تلغي اقتسام طرق التفكير، بل مشاطرة نفس المخيال السياسي.
وهناك عنصران مهمان يبدو لنا من الضروري إبرازهما لتسليط الضوء على البساطة التي بدت بها، بعد عقود من بعد، النيوليبرالية، طبيعية.


الكاتب : عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 31/08/2023