المؤتمر الدولي حول الترجمة و تدبير الاختلاف بطنجة:

إشكالات الترجمة تتداخل فيها عدة جوانب معرفية ولغوية وثقافية وسياسية

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى لها أهمية بالغة في التعريف  بالدين الإسلامي

 

 

ناقش المشاركون في المؤتمر الدولي حول «الترجمة و تدبير الاختلاف»، المنظم من طرف مدرسة الملك فهد العليا للترجمة، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بتطوان بشراكة مع مختبر الترجمة والإعلام التواصل بين الثقافات، ومختبر الترجمة والمصطلحات وصناعة القواميس، على مدى يومي 17 و18ماي 2022، مجموعة من الإشكاليات التاريخية المرتبطة بالدراسات الترجمية، حيث أوضحوا أن  دراسات الترجمة وإن برزت كمجال أكاديمي وعلمي قائم الذات  بشكل حديث نسبيا، فإن ذلك لا يمنع من أن الإشكاليات ذات الصلة بالترجمة  باعتبارها عملية معقدة تتداخل فيها الجوانب المعرفية واللغوية والثقافية والسياسية، قد أسالت الكثير من المداد على مر التاريخ.
من هذا المنطلق  تطرق  الدكتور  محمد أديوان، نائب رئيس جامعة القرويين بفاس، الى ترجمة النص المقدس باعتبارها من أقدم  الترجمات التي استرعت اهتمام الباحثين  والنقاد.
وأشار المتحدث  ضمن مداخلته إلى  أن ترجمة  معاني النص الديني، على تسلسله من التوراة والإنجيل، ثم القرآن الكريم، ظلت تتثير اهتماما رئيسيا وتتبعا خاصا عبر التاريخ، سواء  في المجال العقائدي أو الفكري أو التربوي، بل وغيرهما من الدوائر الفعالة والحساسة في المجتمع.
وإذا كان الرهان كبيرا منذ الأزل، على الترجمة باعتبارها الوسيلة الرئيسية والوحيدة لإيصال الرسالة الدينية الجديدة إلى الآخر ، فإن قدسية النص الديني وما يرافقها من جدلية بين خيار الترجمة الحرفية للنص المقدس أو خيار ملاءمة هذا النص مع قواعد وخصائص  لغة الوصول، ظلت قائمة في الكتابات النقدية حول الترجمة منذ القديم.
في هذا السياق، أشار الدكتور أديوان إلى أن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، لها أهمية بالغة في التعريف  بالدين الإسلامي ، وكذا تعزيز الحوار الديني بين المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى، إلا أن العملية لا تخلو من سلبيات نابعة من الإشكالات والصعوبات المصاحبة لهذه الترجمة.
ويمكن تلخيص العوائق التي يمكن أن تعترض ترجمة النص القرآني  في ثلاثة جوانب: الجانب الدلالي للألفاظ والجانب البلاغي والجانب التركيبي، وكذا الجانب المتعلق بمراعاة المكون الثقافي خلال عملية النقل والترجمة.
ضمن مقاربة تاريخية كذلك، ركز  الدكتور عبد الرحيم بن حادة، على  دور الترجمة في  تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدان على مر التاريخ، وذلك  انطلاقا من خلفيته كمتخصص في تاريخ وشؤون  الدولة العثمانية، وعلاقاتها الخارجية.
وتوقف  الأستاذ في معهد الدوحة للدراسات العليا عند  نموذج الدولة العثمانية، مشيرا إلى ثلاث محطات أو لحظات تاريخية تبرز  إدراك العثمانيين في وقت مبكر لأهمية الترجمة، لعل من أهمها تأسيس ما يعرف بدائرة الترجمة بصورة فعلية في عهد السلطان محمد الفاتح في النصف الثاني من القرن التاسع.
وقد أسهمت حركة الترجمة في ذلك الوقت في عدة مجالات، من بينها التاريخ والفنون والطب والثقافة والفلسفة والفلك والادب وفي المجالات العسكرية. ويعزو الأستاذ الباحث، هذا الانفتاح الكبير على الترجمة في الدولة العثمانية إلى وضعها اللغوي، المتسم بالحاجة إلى الترجمة في المجال الشاسع الذي سيطرت عليه هذه الدولة ولمدة تزيد عن ستة قرون.
أما المحطة الثانية، فقد ارتبطت بعلاقات الدولة العثمانية بدول أوروبية مثل فرنسا وانجلترا وروسيا وبروسيا، وهو ما جعل ترجمة الرسائل الصادرة منها والواردة إلى تلك الدول، أمرا مفروضا.
وتتعلق المحطة الثالثة بمجال تبادل المعارف منذ الفتح العثماني للقسطنطينية، حيث وظف السلاطين العثمانييون التراجمة لنقل التراث الإغريقي إلى اللغة التركية، والنهل من تطور العلوم في أوروبا.
من جهتها، أشارت  هند بنمحجوب، الأستاذة الباحثة في مدرسة الملك فهد العليا إلى  الترجمة، الى التجربة المبكرة للترجمة لدى العرب، في أوج ازدهار الحضارة الإسلامية.  وسلطت الدكتورة بنمحجوب الضوء على هذا النموذج من خلال التطرق لدور بيت الحكمة، الذي يعود إلى العصر العباسي في عصر المأمون والخليفة أبي جعفر المنصور،  باعتبارها معلمة تراثية  شكلت ملتقى للمؤلفين والمترجمين. وأبرزت الباحثة  دور هذا الصرح العلمي في نقل المعارف في علوم الفلك والطب والفلسفة ترجمة وتأليفا، وإسهامها  في حركة النهضة العلمية في العلوم والفلسلفة.
وعن السمات التي ميزت معايير الترجمة المعتمدة لدى  العلماء العرب، ذكرت المتحدثة نفسها  حرص العلامة  يعقوب ابن إسحاق الكندي  على معيار الإتقان في نقل العلوم من اللغات الإغريقية والرومانية إلى العربية، بالإضافة إلى التمحيص والتدقيق خاصة مجالات الطب والفلسفة. وأشارت إلى أن حنين ابن أبي إسحاق قد كان سباقا إلى الاعتماد على الفهرسة والتبويب،  للإغناء وتقديم الشروحات الإضافية داخل  الكتب المترجمة.
إذا كان العرب قد تفوقوا في ترجمة  أمهات الكتب في العلم والفلسفة والطب، فماذا عن بعض الفنون الأدبية التي تعتبر دخيلة على الثقافة العربية التي عرفت باحتفائها بالشعر؟
انطلاقا من مؤلف خورخيه لويس بورخيس «بحث ابن رشد»،  تحدث  الأستاذ الباحث في جامعة القرويين، فؤاد بن أحمد عن اللبس في الفهم الذي أضاع على العرب فهم  فنون الإغريق. وينقل الباحث عن بورخيس إشارته إلى أن ابن  رشد لم يتمكن من فهم كلمتي «تراجيديا» و»كوميديا»  في النصوص الإغريقية.
وذكر المحاضر ذاته  بأن عدم قدرة العلماء العرب، المتعاطين للترجمة على تبديد غموض الكلمتين حال دون تحقيق نقطة الالتقاء بين الأدبين العربي واليوناني لفترة طويلة، وذلك رغم البراعة المشهود بها للمترجمين العرب في المجالات الفكرية والعلمية والفلسفية.
وبالعودة إلى تجربة ابن رشد، يقول الباحث في جامعة القرويين بفاس، إن فشله في رفع الالتباس عن كلمتي تراجيديا وكوميديا، يرجع إلى اعتماده على الترجمة عن ترجمة سابقة أنجزها إسحاق ابن حنين، «لفن الشعر» لأرسطو، حيث لجأ إلى إسقاط تصنيفات الشعر العربي على نظيره اليوناني فبدا له خطأ، بأن التراجيديا تندرج في إطار شعر المديح بينما تندرج الكوميديا في الهجاء..
خلال الجلسة الثانية   التي ترأسها الأستاذ الباحث مزوار الإدريسي، أشارت الأستاذة الباحثة في جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، كريمة حجاج إلى أن  الترجمة هي رحلة في حد ذاتها تتمثل في الانتقال من لغة بحمولتها الثقافية والحضارية والإيديولوجية، إلى ضفة أخرى تسمى لغة الوصول.
واستندت  ذات المتحدثة  في  مداخلتها، إلى كتابات الكاتب والصحفي الغواتيمالي إنريكي غوميس كاريو، وتحديدا كتابه «سحر مدينة بوينس أيريس في رحلة الحداثة.» وكشفت الدكتورة المتخصصة في الأدبين الإسباني واللاتيني، أن الكاتب الغواتيمالي زار مناطق عديدة في العالم بحكم عمله كمراسل صحافي واهتمامه بأدب الرحلة، بما في ذلك دولا أوروبية وعربية مثل مصر والمغرب وفلسطين.
ولفتت الباحثة إلى أن أعمال الكاتب الغواتيمالي، كانت أيضا عاكسة لنظرة كولونيالية، وهو المتأثر بالشاعر والأديب الفرنسي شاطو بريان ، تتجلى مثلا من خلال تمثله لبوينس أيرس على أنها باريس أمريكا اللاتينية، وتركيزه الجوانب الجمالية والمشهدية دون الخوض في المشاكل التي تعاني منها ساكنة المناطق التي قام بزيارتها بين الحربين العالمية الأولى والثانية.
الأستاذ في  المركز الجهوي لمهن التربية و التكوين بطنجة مصطفى الورياغلي،  ركز في مداخلته على الصورة النابعة مما كتب على خلفية رحلات البعثات الإسبانية إلى المغرب خلال الفترة الكولونيالية.
وأفاد بأن ترجمة بعض من هذه النصوص والاطلاع عليها، يبرز اعتماد استراتيجيات متعددة لطمس الهوية المغربية، وتغييب خصوصياتها الحضارية والثقافية بهدف تقديم صورة سلبية عن المملكة، عنوانها التخلف والجهل والتطرف، تنسجم مع الخطاب الإمبريالي.
ويقدم ذ. الورياغلي في هذا الإطار مثالا عن تقرير المفوض الإسباني إلى المغرب في عهد الحماية فرانسيسكو غوميز، عن الحياة الاجتماعية في المغرب في بداية القرن العشرين. بالإضافة إلى الرحلة التي قام بها الروائي الإسباني أنطونيو دي سان مارتين إلى مدينة فاس، ليكتب مؤلفه «مدينة النعاس، رحلة إلى داخل المغرب».
ويستند الأستاذ في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، أيضا إلى المقارنة مع رحلة طبيب فرنسي إلى المغرب قدمت صورة معاكسة عن الكتابات الإسبانية لمطلع القرن العشرين، ليوضح  أن كتابات الإسبان  عن المغرب في الفترة الاستعمارية قد توسلت بأساليب مغرضة، بهدف الترويج لصورة مغلوطة عن المغرب من خلال  قطبين أساسيين:
يتعلق الأمر بقطب الإنكار  الذي يقوم على  تغيبب الحقائق والإشارات الإيجابية عن الحياة الاجتماعية والثقافية والروحية بالمغرب، أما الثاني يتعلق بقطب التشويه  ويقوم على إعطاء صورة  سلبية عن المجتمع المغربي.
وبدورها سعت الأستاذة الجامعية بكلية الآداب بتطوان، رندة الجبروني  في مداخلتها لإبراز ملامح الكتابات المنبثقة عن الرحلات  الأدبية التي  قادت كتابا أجانب إلى المغرب في الفترة الاستعمارية.
وسلطت الضوء على  أهمية ترجمة خطاب الكاتب الأرجنتيني روبيرطو آرلت كمسافر في بلد الآخر. وذلك من خلال  تحليل آخر ترجمة من إنجازها إلى اللغة العربية، لنصوص ألفها الكاتب في فصلين في كتابه أكوافيرطيس إسبانيولاس، يتحدث فيها عن رحلته إلى المغرب.
وخلصت إلى أن كتاب أرلت قد مكن من إيضاح نظرته الاثنوغرافية الدقيقة كشاهد للحقيقة التاريخية عام 1935 لمدينة طنجة الدولية و لمدينة تطوان زمن الاستعمار، ليقدم  مشاهد تؤرخ للثقافة المغربية وتجعل  الأفق مفتوحا حول قراءات جديدة للباحثين بالخصوص، وللقراء على العموم.
وتحت عنوان «مقاربة الاختلاف في أدب الرحلة»، بعيون جاك أطالي، ركز الأستاذ الباحث  بمدرسة الملك فهد للترجمة حامد بركاش من جهته، على  مسألة  علاقة الترجمة والتواصل بين الثقافات. وأشار الأستاذ الباحث إلى أن تجربته في ترجمة نص الرحلة لأطالي  «La confrérie des éveillés «  قد حولت فضوله المعرفي إلى عدد كبير من الإحالات الدينية المرتبطة بالديانات السماوية الثلاث، وأخرى فلسفية تنهل من كتابات الفلاسفة العرب مثل ابن اشد وابن ميمون.
ويرى الأستاذ  بركاش في هذه المرجعيات المستخدمة من طرف الكاتب الفرنسي، مثالا حيا على التواصل بين الثقافات عن طريق الترجمة وإن كانت هناك عدة محددات تحكم هذا التواصل،  أهمها الخلفيات الثقافية والفكرية ومعارف المترجم على المستوى الجغرافي والجيوسياسي وغيرها…
كما شدد الباحث على ضرورة ترجمة الآخر بفكره وخصوصياته الثقافية،  لتحقيق معادلة التلاقح الثقافي.
أما الدكتور أحمد الكمون، الأستاذ في جامعة محمد الأول بوجدة، فقد  سلط الضوء على تجربة الترجمة الشعرية لما تكتسيه من خصوصيات بلاغية وثقافية. وعنون مداخلته «من الترجمة الشعرية إلى شعرية الترجمة: ترجمة أشعار فيديريكو غارسيا لوركا إلى العربية أنموذجا».
وتحدث في محاضرته عن مميزات شعر لوركا، التي ذكر منها توظيف سيميائيات الصورة، والرسوم التوضيحية. وتوقف عند الصعوبات التي طبعت ترجمة لوركا من الإسبانية إلى العربية ، بالنظر لصعوبة ترجمة  الطابع السريالي الذي يطغى على  نصوصه، حيث تتعدد الشخوص وتتداخل العوامل الهندسية والثقافية.
ويخلص ذ.الكمون إلى أن الإلمام بالعوالم الشعرية، والتمتع بحس أدبي وشعري عال من الشروط الأساسية التي ينبغي توفرها في مترجم الشعر خصوصا ومترجم الأدب بشكل عام.
الترجمة: «القوانين والأخلاقيات» كانت محور الجلسة الثالثة للمؤتمر، التي أدار أشغالها الأستاذ محمد برهون،  حيث يرى الأستاذ في مدرسة الملك فهد العليا للترجمة حسن رجاء، بأنه لا يمكن مقاربة صعوبات الترجمة القانونية، بمعزل عن منظومة العدالة وعن التأويل القضائي. ويشير الباحث في هذا الإطار إلى أنه يسمح  للقضاة في كثير من  الحالات بالخضوع للسلطة التقديرية العادلة من خلال الاجتهاد القضائي، الأمر الذي ينعكس على صعوبات الترجمة  القانونية بشكل أو بآخر.
ويصنف الباحث بين تيارين من الخبراء في مجال الترجمة القانونية، الأول يعتقد أن هذا النوع من الترجمة يدخل في نطاق النصوص البراغماتية المتسمة بصيغة بسيطة ومتعارفة، والثاني يتسم بالتركيز على ما يجعل منها مهمة تنطوي على مجموعة من الصعوبات بالنسبة للمترجم.
ويذكر في  هذا السياق  بأن المشرع المغربي، يقر اعتماد اللغة العربية لغة للتقاضي والترافع، وهو ما يفرض الاستعانة بخدمات ترجمان محلف في جميع الحالات التي يكون فيها أحد المتقاضين أو الشهود متكلما بلغة  أجنبية، مع إمكانية الاستعانة بترجمان غير محلف في بعض الحالات الاستثنائية وفق شروط يحددها القانون. .
وفي سياق متصل أفادت أستاذة القانون في مدرسة الملك فهد بطنجة، سميرة شكري،  ضمن مداختلها حول موضوع الخطأ في الترجمة القانونية إلى أهمية الترجمة باعتبارها أداة تواصل في المجتمع الدولي، وأولويتها  في  المعاملات القانونية الدولية، وهو ما يفرض على المترجم القانوني  التسلح بالدقة المتناهية والإلمام بمواضيع  القانون واختصاصاته، وكذا التمكن من الأنظمة المقارنة بالنظر للصعوبات التي تميز مجال تخصصه.
وتضيف الأستاذة الباحثة  في ما يتعلق بالمسؤولية القانونية التي تلحق بالمترجم، في  حالة ارتكاب  أخطاء  من شأنها إلحاق الضرر بأحد الأطراف المتقاضية، بأن  الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها المترجم المقبول لدى المحاكم تتدرج بين الخطأ العادي والخطأ الجسيم.
وتشير المتخصصة في الدراسات القانونية إلى أن الخطأ المهني تلحقه المسؤولية الجنائية طبقا للقانون 50.00، الذي يشمل تجريم إفشاء السر المهني وجنايات تزوير المحررات القانونية والانتحال وشهادة الزور.
في سياق آخر ركز الأستاذ المحاضر، عبد الجليل وجاط على الصعوبات التي تواجه المترجم القانوني على المستوى المصطلحي. وتحدث الأستاذ في المدرسة العليا للترجمة بطنجة في هذا الإطار، عن مستويين من الصعوبات.
يتعلق الأول بترجمة المصطلحات التي تنتمي إلى المنظومة القانونية ذاتها، كما هو الحال في المغرب حيث تصدر التشريعات والقوانين باللغتين العربية والفرنسية. وينطبق الأمر على بلجيكا أيضا على سبيل المثال،  بوجود لغتين رسميتين تحملان حمولة ثقافية مشتركة ومفاهيم قانونية واحدة.
ولعل مكمن الصعوبة على المستوى المصطلحي هو إيجاد مقابلات لغوية  لمصطلحات  تغيب عن  الثقافة  القانونية للغة  الثانية المترجم إليها،  نظرا لعدم ارتباطها بالمنظومة القانونية للبلد الذي تنتمي إليه .
أما المستوى الثاني  فيتعلق  بترجمة المصطلحات التي تنتمي إلى المنظومة القانونية الوطنية، إلى نظيرتها في بلد أجنبي أو العكس، وهو الأمر الذي  يتطلب من المترجم كفاءة عالية وإلماما متعمقا بالقانون المقارن.
ويضيف الأستاذ مصطفى زهير ضمن مشاركته في نفس محور النقاش،  بأن تطور النظامين القانوني والفقهي يتحكم في معاني المصطلحات القانونية،  مضيفا بأن المصطلحات القانونية وإن كانت لا تقبل عادة التأويل أو التعويض بمصطلح بآخر فهي في تطور مستمر من حيث الدلالة. ويستند الأستاذ الباحث في جامعة عبد المالك السعدي بتطوان،  في مداخلته على مجال  اشتغاله في وضع معجم قانوني فرنسي عربي  متخصص في ترجمة المصطلحات  القانونية المتعلقة بالمعاملات المالية.
ويوضح بهذا الخصوص بأن البحث في ترجمة المصطلحات المتعلقة بالتعامل المالي، يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعاجم المتخصصة لكونها الوسيلة والأداة الأساسية التي لا غنى للمترجم عنها في فهم النصوص والوثائق بشكل يؤهله لاستيعاب مصطلحاتها، ومن ثم نقلها من لغة قانونية أصل تحكمها ثنائية الفقه والقانون إلى لغة هدف.
ويتبين للمتمعن في نصوص القانون، خاصة في شقه المتعلق بالتعامل المالي، أن تلك النصوص تتضمن مصطلحات تتلاءم في فحواها مع مبادئ الشريعة الاسلامية عامة والفقه المالكي تحديدا مصطلحات تؤسس لأحداث وأفعال تتعلق ببيئة مغربية مسلمة، ومصطلحات أخرى أكسبها المشرع معاني مجردة طامسا السياق الزماني والمكاني والثقافي والديني الذي أنتجها إذ أقلمها مع روح القانون الوضعي المعاصر.
إذا كان الجانب القانوني  يرخي بظلاله على مستوى تنظيم مهنة المترجم القانوني ووضع أسسها وضوابطها،  كما يرتبط بشكل وثيق بعمل المترجم في صيغته المهنية على المستويات المصطلحية والمعرفية، فإن  مهنة المترجم  القانوني، والمترجم بشكل عام، تخضع قبل كل شيء لميثاق أخلاقي  يحدد التزامات  المهنيين ومعايير اشتغالهم.
وتشير الأستاذة نسيبة الروسي في هذا السياق إلى كون أخلاقيات الترجمة ليست وليدة السياق المعاصر،  فقد برزت إرهاصاتها الأولى على الصعيد العربي، منذ العصر العباسي في ذروة النهضة العربية الإسلامية التي طبعت  بدايات القرن التاسع، تحديدا في نصوص المفكر  ابن حيان التوحيدي.
وتذكر الباحثة في جامعة عبد المالك السعدي بتطوان بأن نصوص التوحيدي  كانت سباقة إلى وضع  أخلاقيات الترجمة من خلال التنصيص على أولوية حسن فهم النصوص المترجم عنها، وسعة إطلاع المترجم وثقافته العامة وتمكنه من اللغتين المترجم منها والمترجم إليها.
وتجد  ذة. الروسي بأن هذه المعايير الأخلاقية تشترك مع الأخلاقيات المنظمة للترجمة حول العالم في العديد من الجوانب، خاصة ميثاق الرابطة الأمريكية للمترجمين في تأكيده على ضرورة اطلاع المترجم على آخر المعارف بلغتي اشتغاله، وتعميق وتحسين مهاراته اللغوية والتقنية والرجوع إلى الكتب بشكل دائم.
وتخلص  المحاضرة إلى أن في كتابات التوحيدي ما من شأنه أن يدرج في المواثيق الأخلاقية لتناسب واقع الترجمة العصرية
اختلاف الثقافات وإن كان في صلب الصعوبات التي تعترض الترجمة، فهو يشكل كذلك مصدر غنى وإثراء للغات موضوع الترجمة وللتراث الإنساني والحضاري عموما.
من هذه الفكرة انطلقت مداخلة الدكتور محمد المديوني الأستاذ بالشعبة الإنجليزية بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة،  تحت عنوان «تدبير اختلاف المفاهيم بين الثقافات من منظور علم المصطلح». وذلك في آخر جلسات المؤتمر، التي سيرها الأستاذ أحمد البنيان.
وتحدث د.المديوني عن صعوبة البحث عن التكافؤ في المصطلاحات في  ظل اختلاف المفاهيم في الثقافات، وأشار إلى المراحل الإجرائية التي تحدد فهم المترجم ونقله النصوص والمصطلحات من لغة الانطلاق إلى لغة الوصول.
ويرى الباحث بأن اتباع هذه المفاهيم في المجال القانوني، يسلط الضوء على صعوبة إيجاد التكافؤ بين المفاهيم، في ظل اختلاف المصطلحات من منظومة قانونية إلى أخرى، وهو ما يطرح غياب مقابلات في كثير من الأحيان. ومن ثم فإن التكافؤ في المصطلحات من وجهة نظر الأستاذ الباحث، هو جزئي وليس كاملا، كما تثبت ذلك تجارب الترجمة على الأرض.
من جهتها تطرقت  الأستاذة في الدراسات الإنجليزية أمينة عراقي، الى فرضية إعادة ترجمة النص الأدبي بعد التقادم لغويا ومصطلحيا وثقافيا. وهي الفرضية التي يرجع الفضل في تسليط الضوء عليها، إلى المتخصص في علم الترجمة أنطوان بيرمان.
ويرى بيرمان من هذا المنظور، بأن عدم ملاءمة الترجمة مع مقتضيات العصر يفرض ترجمات جديدة تتلاءم مع التطور اللغوي والثقافي  لإيصالها إلى القارئ، وتشير الباحثة بهذا الصدد إلى كون هذه العملية تكتسي أهمية بالغة بالنسبة لبيرمان الذي يعتبر أن الترجمة غير مكتملة إلا عبر مرورها في نسق الترجمة الثانية.
وقدمت في هذا الإطار نظرة عن نموذج الترجمات الحديثة لقصيدة البردة للإمام البصيري من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية،  كاجتهاد شخصي منها، تلقي فيه الضوء على اختلاف دوافع إعادة الترجمة، التي يمكن ردها من جهة  إلى رغبة المترجم في إضفاء لمسته الخاصة على الترجمة، ومن جهة أخرى إلى تقادم الترجمة الأولى، والمنافسة في الحفاظ على الجمالية أسلوبا ومضمونا.
وفي محاضرة للدكتورة المتخصصة في الدراسات الإنجليزية نعيمة المغنوجي، تم تسليط الضوء على تجربة تضارب الخطاب في نقل ثقافة الغرب، انطلاقا من روايات المثقفين العرب القادمين من شمال إفريقيا، مثل محمد العصفار ورفاعة الطهطاوي، في خضم حركية البعثات الثقافية التي شهدها منتصف القرن التاسع عشر في مصر بشكل خاص.
وذكرت الباحثة أن مؤلفات  هذه الشخصيات البارزة يعود لها الفضل في نشر فكر التنوير والنهضة في المشرق العربي، وقد عكست في نظرها صورة مغايرة للثقافة الأجنبية  بالمقارنة مع كتابات سابقة، اعتمدت في رسمها  بشكل كبير على الترجمة.
وقالت الباحثة إن كون هذه الكتابات قد تزامنت مع مرحلة الانحطاط الفكري والعلمي التي استمرت عدة قرون والأوساط العربية، وكذا الأطماع الاستعمارية المحدقة حينئذ بدول  العالم العربي، قد جعل منها بمثابة تلك البذرة الأولى التي أسهمت في بعث الثقافة العربية من جديد بروح من الانفتاح على الآخر.
في سياق آخر ألقت محاضرة الأستاذة هناء غيلان، الضوء على  «السترجة» باعتبارها شكلا من أشكال الترجمة، الأكثر تأثرا بالعوامل الثقافية. وذكرت بأن العلاقة الوثيقة بين اللغة والثقافة في السترجة،  تتمخض عنها صعوبات ذات صلة بالانتقال بين المرجعيات الثقافية.
وبالتركيز على تطور المجال السمعي البصري، قامت  الباحثة بجرد مجموعة من الاستراتيجيات  المتبعة في السترجة من الفرنسية إلى العربية  على ضوء نظريات الترجمة التي ناقشت الجانب الثقافي. وتحدثت في هذا السياق عن استراتيجيات وضعها الباحث بيتر نيومان للتعاطي مع الترجمة  الثقافية في حوار الفيلم المسترج، وكذا تصنيفه لأنواع المرجعيات الثقافية مثل الثقافة الاجتماعية والثقافة المادية والثقافة الاقتصادية وغيرها.
أما الأستاذ الباحث عزيز العمراني، فقد سعى في مداخلته إلى مقاربة كيفية تعاطي المترجم مع الاختلافات الثقافية والدينية في النصوص الأدبية لما بعد فترة الاستعمار، وفي تلك التي كتبت بعد هجمات الحادي عشر من شتنبر في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال إنه خلال مرحلة ما قبل أحداث شتنبر من 2001، كان هناك سعي لتشجيع الفرادة والخصوصية والتنوع الثقافي، لكن  تفجيرات الحادي عشر من شتنبر قد  غيرت التوجهات الإيديولوجية باتجاه تصاعد الخطاب الديني والأصولي بجميع أشكاله، وهوما دفع الباحثين في حقل ما بعد الاستعمار إلى التحذير من انهيار طموحاتهم بخلق عالم متعدد الثقافات يسوده التنوع اللغوي، بعيدا عن هيمة اللغة الواحدة والثقافة الواحدة.
وكانت أشغال المؤتمر، قد استهلت بكلمة رئيس جامعة عبد المالك السعدي  بتطوان، الذي قام بتقديم أهم المحاور والإشكاليات التي ستتم مناقشتها، بعد الترحيب بالحضور والتقدم بكلمات الشكر للأكاديميين والأساتذة الباحثين المتدخلين. وبدوره رحب السيد مدير مدرسة الملك فهد التي  احتضنت  فعاليات المؤتمر، بالمشاركين من طلبة وأساتذة باحثين، ملقيا الضوء على أهمية دور الترجمة، بالنظر لتداخلها مع مشاغل فكرية وثقافية عديدة، وفق تعبيره. في حين أشادت اللجنة التنظيمية بأهمية هذه اللقاءات العلمية، التي تعنى بقضايا الترجمة باعتبارها نشاطا فكريا وتواصليا يستدعي الانفتاح على كافة الميادين المعرفية، بالإضافة إلى الاهتمام بالتنوع الثقافي والحضاري.

 


الكاتب : مكتب تطوان : ع.الحطري 

  

بتاريخ : 21/05/2022