«المؤثرون».. بين «الشهرة الرقمية» والمسؤولية الاجتماعية

يجد عدد كبير من متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي أنفسهم أمام محتويات ينعتها عدد من المنتقدين بـ «التافهة»، التي قد يطلع عليها المبحرون في الشبكة العنكبوتية مرة أو مرتين، لكن الخوارزميات تجعل منها مقاطع مفضلة تصبح لها الأولوية عند كل تصفح إذ تدرجها بل وتفرضها على المشاهد.
هذا التوجه يجد حضوره القوي بسبب تفضيل عدد كبير من الأشخاص للمحتويات السريعة، ورغبة البعض في تفادي التركيز وتشغيل العقل في المحتويات الجادة، لذلك يصبح البحث عن الترفيه والهروب من الضغوط محددا لاختيار هذا المحتوى دونا عن الآخر، مما انعكس إيجابا على عدد ممن تتم تسميتهم بـ «المؤثرين»، الذين يحققون الشهرة من خلال محتوى سطحي يعزز انتشار هذا النمط، لسهولة إنتاجه مقارنة بالمحتوى الجاد.

 

باتت مواقع التواصل الاجتماعي تشكل ساحة مفتوحة يتنافس فيها المؤثرون على جذب ملايين المتابعين، ليصبحوا مرجعيات «اجتماعية وثقافية» للشباب المغربي، لكن وسط هذا الزخم الرقمي، تبرز إشكاليات جوهرية تتعلق بنوعية المحتوى وتأثيره على المجتمع، مما يطرح تساؤلات العديد من علامات الاستفهام المرتبطة بتنظيم هذا المجال.

صناعة الشهرة بأي ثمن

مع الانتشار الواسع للأنترنيت، تحوّل العديد من الشباب إلى مؤثرين رقميين، مستغلين المنصات الاجتماعية لبناء قاعدة جماهيرية والتأثير في الرأي العام، البعض من هؤلاء يقدم محتوى هادفا يساهم في نشر المعرفة والتوعية، لكن بالمقابل هناك فئة اتجهت نحو اعتماد أساليب مثيرة للجدل، تقوم على الاستفزاز، والإثارة، ونشر الأخبار غير الدقيقة لتحقيق نسب مشاهدة مرتفعة.
هذا السباق نحو التفاعل دفع بعض المؤثرين إلى تجاوز الخطوط الأخلاقية، مما أدى إلى نقاش عام حول تأثير هذا النوع من «الصحافة الرقمية غير المنظمة» كما يراها البعض، خاصة في ظل غياب رقابة واضحة على جودة المحتوى المتداول.

التأثير على الشباب

لا يمكن إنكار أن المؤثرين أصبحوا قدوة للعديد من الشباب والمراهقين، الذين يسعون إلى تقليدهم في أسلوب الحياة والآراء وحتى القيم. ويؤكد عدد من أخصائيي علم الاجتماع أن التعرض المستمر للمحتوى السطحي قد يؤدي إلى فقدان المعايير الحقيقية للحياة، بل ويتسبب في مشكلات نفسية مثل الإدمان الرقمي والقلق الناتج عن المقارنة الاجتماعية.
وبينما يرى البعض في هذا العالم الرقمي وسيلة للهروب من الواقع ومشاكله اليومية، فإن الفراغ وغياب الأهداف يجعل آخرين يقضون ساعات طويلة في استهلاك محتوى غير مفيد، ما قد يؤثر سلبا على إنتاجيتهم وتفاعلهم مع الحياة الواقعية.

رفاهية حقيقية أم وهم «مثالي»؟

أصبح العديد من الشباب و المراهقين يرون حياة المؤثرين وكأنها المثال الأسمى للنجاح والرفاهية، فهؤلاء الأشخاص يسافرون إلى أماكن فاخرة، يحصلون على ملابس وأطعمة باهظة الثمن بالمجان، ويتلقون الهدايا من المعجبين، وكل ذلك مقابل محتوى على الأنترنيت.
هذا النمط في العيش المبني على الترف والبذخ بدون مجهود وعناء كبير، يتطلب دراسة وتحصيلا علميا وعملا ومثابرة يومية، بالنسبة لفئات عريضة من «المؤثرين»، يجعل الكثيرين مشدودين إليهم، مما يجعل عددا من المنتقدين ينبهون إلى أنه لا يجب على الشباب والقاصرين تحديدا أن يقعوا في فخ المقارنة أو الاعتقاد بأن السعادة مرتبطة بعدد المتابعين أو الهدايا، فالحياة الحقيقية ليست فقط ما ينشر على الشاشات، بل ما نعيشه على ضوء الواقع.

مخاطر نفسية واجتماعية لمواقع التواصل

رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي تقدم فرصا كبيرة للتعبير والتواصل، فإنها تحمل مخاطر عديدة، مثل العزلة الاجتماعية والإدمان الرقمي واضطرابات النوم، فضلا عن التأثير السلبي للمقارنات الاجتماعية على تقدير الذات، خاصة في ظل تتبع المحتويات المختلفة لعدد من هؤلاء «المؤثرين».
ويرفع التعرض للتنمر الإلكتروني والمضامين السلبية من معدلات التوتر والاكتئاب، ما يستدعي مقاربة متوازنة في استخدام هذه المنصات، عبر وضع قيود زمنية لمتابعتها، واستهلاك محتوى إيجابي، والانخراط في أنشطة واقعية تقلل من التأثير السلبي للتكنولوجيا على الصحة النفسية.

أسئلة الرقابة وحماية الأفراد

لا يوجد حتى الآن إطار قانوني محدد ينظم عمل المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ذلك هناك توجهات نحو تنظيم هذا المجال لضمان الامتثال لضوابط القانونية والأخلاقية. وفي مواجهة هذه التحديات، اتخذت السلطات المختصة مجموعة من الإجراءات لتنظيم هذا القطاع، منها فرض ضرائب على المؤثرين، مما يفرض عليهم التصريح بمداخيلهم والالتزام بالقوانين المالية، الأمر الذي خلق جدلا واسعا خلال الآونة الأخيرة في بلادنا.
ومن بين الخطوات كذلك مكافحة المحتوى الزائف والمضر، عبر مراقبة الحسابات التي تروج للأخبار الكاذبة أو المضامين غير الأخلاقية، والتي وصلت في بعض الحالات إلى الاعتقال أو إغلاق الحسابات.و ثم حماية الحياة الخاصة ومكافحة التشهير، حيث يفرض القانون الجنائي المغربي عقوبات صارمة على انتهاك خصوصية الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

بين الشهرة والمسؤولية

لا يمكن إنكار أن المؤثرين يشكلون فئة متنوعة تختلف أهدافها، فمنهم من يسعى لتحقيق مكاسب مالية عبر الإعلانات والترويج التجاري، وآخرون يبحثون عن الشهرة والاعتراف الاجتماعي، بينما هناك قلة تستخدم منصاتها لنشر الوعي حول قضايا اجتماعية وسياسية، رغم أن هذه الفئة لا تحظى بنفس الشعبية التي يحققها أصحاب المحتوى الترفيهي السطحي.
لقد باتت ظاهرة المؤثرين في المغرب واقعا لا يمكن التغاضي عنه، لكنها بحاجة إلى توجيه وتنظيم لضمان أن تكون وسيلة إيجابية تشكل قيمة مضافة عوض أن تتحول إلى مصدر للسطحية والانحدار الثقافي، ولا تقع مسؤولية هذا الأمر على عاتق الدولة فقط، بل تشمل المجتمع والأفراد كذلك، الذين ينبغي عليهم اختيار المحتوى الذي يستحق المتابعة، ودعم المؤثرين الذين يقدمون قيمة مضافة حقيقية.

* صحافية متدربة


الكاتب : لمياء الرايسي*

  

بتاريخ : 18/03/2025