«المبادرة الوطنية» في خنيفرة .. المرأة القروية فاعل أساسي في مسار التغيير التنموي والاقتصادي

يعد «اليوم العالمي للمرأة القروية»، الذي يحتفى به كل سنة في 15 أكتوبر، مناسبة لإبراز الأدوار الحيوية التي تضطلع بها النساء في القرى والمناطق النائية، باعتبارهن عماد التنمية الفلاحية وحارسات الأمن الغذائي والبيئي في المجتمعات المحلية، وقد خصص احتفال السنة الجارية 2025 لهذا اليوم تحت شعار «التعاونيات الفلاحية النسائية: تحرير القوة الجماعية للابتكار والأثر»، في تعبير واضح عن الرهان العالمي على المرأة القروية باعتبارها فاعلا تنمويا أساسيا لا غنى عنه في مسار التغيير الاجتماعي والاقتصادي.
في هذا السياق، شهدت مدينة خنيفرة تنظيم لقاء نسائي موسع ب «مقر الغرفة الفلاحية»، دعت إليه اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وجعلت من خلاله الاحتفاء بالمرأة القروية منصة لتبادل التجارب وإبراز قصص نجاح تعاونيات نسائية ومقاولات فتية استطاعت أن تجعل من الحلم واقعا عبر الاستفادة من دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرامجها المواكبة، وقد جمع اللقاء نساء من مختلف جماعات الإقليم، ممن استطعن بفضل مشاريعهن المدرة للدخل أن يحدثن فارقًا ملموسا في حياتهن وحياة أسرهن.
وأكدت مصادر مسؤولة بقسم العمل الاجتماعي بخنيفرة أن هذا الورش الملكي، الذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2005، جعل من النهوض بأوضاع المرأة القروية أحد محاوره الأساسية، عبر دعم استقلاليتها المالية وتحسين ظروفها الاجتماعية، وتترجم هذه العناية من خلال تمويل مشاريع نسائية فردية وجماعية، وتوفير التكوين والتأطير المستمر، فضلا عن تسهيل الولوج إلى التمويل والتسويق عبر إشراك النساء في المعارض المحلية والجهوية والوطنية.
ومن خلال اللقاء جرى إبراز أهمية البرنامج الثاني للمبادرة، الذي أتاح بناء وتجهيز مراكز اجتماعية تستقبل النساء وتواكبهن مهنيا واجتماعيا، مثل المركز الاجتماعي والاقتصادي بسيدي لامين، الذي شارك بتنظيم ورشات للتعريف بخدمات المركز والتشجيع على الولوج إلى التكوينات التي يقدمها، قبل زيارة ميدانية لدار الأمومة بنفس الجماعة للتعريف بخدمات هذه المؤسسة ودورها المهم في حماية صحة الأم والطفل، ويحتضن المركز المذكور أنشطة تأهيلية تهدف إلى الإدماج المهني للنساء.
وعلى مستوى الميدان الصحي، أشارت مصادرنا إلى ما تحقق ضمن البرنامج الرابع المتعلق بدعم الرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، والذي أسفر عن بناء وتجهيز ثماني دور للأمومة بالإقليم، لتأمين ظروف ولادة آمنة في العالم القروي وضمان صحة الأم والطفل، فضلا عما يهم محاربة الهدر المدرسي في صفوف الفتيات القرويات من خلال بناء دور الطالبة واقتناء حافلات النقل المدرسي، وهي خطوات أثمرت نتائج إيجابية تمثلت في تراجع الأمية وارتفاع نسب التمدرس في المناطق النائية.
ولم يقتصر دعم المبادرة على الجانب الاجتماعي، بل امتد إلى تعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني عبر برنامج «تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي»، الذي يمنح النساء القرويات فرصا لإطلاق مشاريع مدرة للدخل، سواء في مجالات الفلاحة المحلية أو الصناعات التقليدية أو المنتوجات المجالية، وقد أكدت عدد من المستفيدات أن هذا الدعم مكنهن من الانتقال من وضع التبعية إلى موقع الإنتاج والمبادرة، حيث استطعن بفضل التكوين والمواكبة أن يصبحن فاعلات اقتصاديات قادرات على المنافسة في الأسواق المحلية والجهوية. وشكل الاحتفال ب «اليوم العالمي للمرأة القروية» مناسبة لتشخيص تجربة برنامج «مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة»، الذي استفادت منه فئات من النساء في وضعيات صعبة، عبر أنشطة تأهيلية وتكوينية، ساعدتهن على إعادة الاندماج الاجتماعي واستعادة الثقة في الذات، وقد استعرضت بعض المستفيدات والمنخرطات تجاربهن الناجحة داخل التعاونيات، مشيرات إلى أن المبادرة لم تكن مجرد دعم مادي، بل كانت رافعة لتحول فكري واجتماعي جعل المرأة القروية تنظر إلى نفسها كقوة إنتاجية لا تقل شأنا عن الرجل.
ويأتي الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة القروية، الذي أقره المؤتمر الرابع للمنظمات غير الحكومية في بكين سنة 1995، اعترافا دوليا بمكانة هذه الفئة التي تشكل العمود الفقري للمجتمعات القروية، وتضطلع بأدوار أساسية في الزراعة والإنتاج والمحافظة على البيئة وتحقيق الأمن الغذائي، وضمن هذا الاعتراف الأممي، يترجم المغرب التزامه الواقعي من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي حولت المرأة القروية من متلقّية للدعم إلى شريكة في التنمية، ومن مهمشة على هامش الاقتصاد إلى فاعلة في صلب التحول المجتمعي.


الكاتب : n أحمد بيضي

  

بتاريخ : 30/10/2025