تجاوز حجم المبادلات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي 60 مليار أورو خلال سنة 2024، تحتل المبادلات الفلاحية منها حصة تناهز 15%، أي ما يعادل 9 مليارات أورو، بفائض تجاري لفائدة المغرب يفوق 1.4 مليار أورو. هذه الأرقام التي كشف عنها الاتحاد الأوربي بمناسبة الملتقى الفلاحي الدولي بمكناس، تكرس موقع الفلاحة كدعامة محورية للشراكة الاقتصادية الثنائية، في وقت تشهد فيه الموارد المائية ضغوطًا متزايدة بسبب التغير المناخي، ما يجعل من الدورة 17 للمعرض الدولي للفلاحة بمكناس (SIAM 2025) محطة مفصلية لإعادة التأكيد على التوجهات الاستراتيجية المشتركة.
ويشارك الاتحاد الأوروبي، إلى جانب ممثليه في المغرب ومكاتب البرامج الممولة منه، في فعاليات المعرض الممتدة من 21 إلى 27 أبريل، ضمن جناح مخصص لموضوع «الحلول المستدامة للحفاظ على الماء لفائدة الفلاحين». ويشمل البرنامج ندوات متخصصة حول إعادة استخدام المياه العادمة، وحماية الأحواض والموارد المائية، وتوجيه الفلاحين نحو ممارسات زراعية أكثر كفاءة في استهلاك الماء.
هذه المشاركة تندرج في إطار «الشراكة الخضراء» التي تم توقيعها بين الرباط وبروكسيل في أكتوبر 2022، وتشمل أربعة محاور استراتيجية: الانتقال الطاقي، التكيف المناخي، الاقتصاد الأخضر والأزرق، وحماية البيئة، مدعومة بمحاور عرضية تمس التمويل الأخضر، الابتكار، والتعاون الثلاثي. وقد أدى هذا الإطار إلى تعميق الحوار التقني والسياسي بين الطرفين، وشمل ملفات حساسة مثل آلية تعديل الكربون على الحدود، تسعير الانبعاثات، وتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر.
في هذا السياق، تم إطلاق برنامج «أرض خضراء» بقيمة 1.26 مليار درهم لدعم الفلاحة والغابات، وتحقيق مزيج بين التنافسية والعدالة الاجتماعية والابتكار. كما يواكب الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الوكالة الفرنسية للتنمية، تنفيذ مشروع «إحياء» في ثلاث جهات فلاحية (الشرق، فاس مكناس، سوس ماسة) بميزانية تبلغ 1.877 مليار درهم، منها 220 مليون درهم كمنحة أوروبية، بهدف تشجيع خلق مقاولات زراعية خضراء وتشغيل الشباب والنساء.
في المجال الغابوي، وقعت المملكة مع بنك الاستثمار الأوروبي اتفاقية لتمويل مشروع إعادة تأهيل الغابات على مساحة تفوق 600 ألف هكتار، بتكلفة تتجاوز 5.2 مليارات درهم، ويُتوقع أن يخلق المشروع أكثر من 27 ألف منصب شغل مباشر. أما على صعيد الطاقات المتجددة، فقد تم إطلاق برنامج «الطاقة الخضراء» خلال قمة COP28 بميزانية 552 مليون درهم، لدعم إصلاح سوق الكهرباء، وتشجيع الإنتاج الذاتي، وتعزيز اندماج المغرب في السوق الطاقية الأوروبية.
في ما يخص تمويل القطاع الخاص، خصص الاتحاد الأوروبي 290 مليون درهم كدعم مباشر لبرنامج «الاستثمار في التخفيف من الكربون والمرونة المناخية»، الذي يهدف إلى تعبئة أزيد من 4.3 مليارات درهم كقروض خضراء لفائدة المقاولات المغربية.
أما في قطاع الماء، فيرتبط التعاون الثنائي بمشاريع ملموسة مثل المشروع المائي في سهول سايس وغريت، الممول من طرف البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والهادف إلى تعميم استعمال المياه السطحية المستدامة في الري، وتحقيق الاستدامة الهيدرولوجية.
ومع رفع الاتحاد الأوروبي لمتطلبات الولوج إلى سوقه الموحدة بموجب التعديلات الجديدة في السياسة الفلاحية المشتركة، يُنتظر أن تكتسب المواكبة الأوروبية للفلاحين المغاربة بُعدًا استراتيجيًا أكبر، خاصة أن أكثر من 3800 تعاونية مغربية استفادت مؤخرًا من برامج التأهيل التقني والتكوين المهني ضمن برامج أوروبية مشتركة.
وتتزامن هذه الدينامية مع الحاجة المتزايدة لمواجهة تحديات الأمن الغذائي والمائي في محيط إقليمي مضطرب، ما يجعل من SIAM 2025 مناسبة لتجديد التأكيد على أن الفلاحة ليست فقط قطاعا إنتاجيا، بل فضاء للتعاون السياسي والتنموي طويل المدى بين المغرب وأوروبا.