المبادلات المغربية الروسية ترتفع ب30 % في النصف الأول من 2025

280 مليون دولار من الصادرات الزراعية الروسية نحو المغرب

و1.1 مليون طن من القمح خلال 2025

 

 

شهدت المبادلات التجارية بين المغرب وروسيا خلال النصف الأول من سنة 2025 ارتفاعًا لافتًا بلغ نحو 30 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق ما أكده وزير الفلاحة الروسي دميتري باتروشيف، الذي شدد على أن «المغرب يظل أحد أهم شركاء روسيا في القارة الإفريقية، وأن الحوار الاقتصادي بين البلدين يتعزز رغم الظرفية الجيوسياسية الراهنة». هذا التطور، الذي رصدته وسائل إعلام روسية رسمية، يعكس دينامية جديدة في العلاقات الاقتصادية الثنائية، تمتد من الحبوب والصيد البحري إلى مشاريع الطاقة والنقل، بما يعزز موقع المغرب كفاعل متنامٍ في الشراكات متعددة الاتجاهات.
أرقام حديثة صادرة عن مركز «أغرو إكسبورت» الروسي تظهر أن قيمة الصادرات الروسية نحو المغرب من المنتجات الزراعية بلغت نحو 280 مليون دولار خلال سنة 2024، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف المستوى المسجل في 2023. ويبرز القمح في مقدمة هذه الصادرات، حيث ارتفعت الكميات الموردة إلى المغرب إلى أكثر من 1.1 مليون طن بحلول نهاية يونيو 2025، بزيادة تناهز 130 في المائة مقارنة بالموسم السابق، وهو ما جعل روسيا تتصدر قائمة موردي القمح للمغرب متقدمة على فرنسا.
في المقابل، عزز المغرب حضوره في السوق الروسية من خلال صادراته الفلاحية الطازجة، حيث سجلت روسيا استيراد ما يقرب من 1.3 مليون طن من الفواكه والخضر المغربية خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025، بزيادة تقارب 8 في المائة على أساس سنوي، وفق بيانات وكالة «تاس». ويعتبر هذا الأداء ثمرة تنويع القنوات التجارية وتطوير البنيات اللوجستية التي تربط الموانئ المغربية بنظيراتها الروسية على البحر الأسود.
هذا الزخم في المبادلات يعكس، من الجانب المغربي، توجها استراتيجيا نحو تنويع الشركاء وتقليص الاعتماد على الأسواق الأوروبية التقليدية، خصوصا في ظل تقلبات سلاسل التوريد العالمية. أما من الجانب الروسي، فهو يترجم إرادة موسكو في ترسيخ حضورها الاقتصادي في إفريقيا عبر بوابة المغرب الذي يوفر منصة مستقرة للولوج إلى أسواق القارة.
في القطاع الطاقي، برز اهتمام متجدد بتوسيع التعاون بين المؤسستين الطاقيتين في البلدين، سواء في مجال تطوير البنيات التحتية لنقل الطاقة أو في الطاقات المتجددة، حيث يُنظر إلى المغرب كفاعل رائد في الطاقات النظيفة يمكن أن يشكل شريكًا ذا قيمة مضافة لروسيا في التحول الطاقي. وتؤكد مصادر روسية أن اجتماعات اللجان المشتركة الأخيرة ناقشت مشاريع استثمارية في مجالات الغاز المسال والطاقة الشمسية، إلى جانب استكشاف فرص في الصناعات المعدنية واستغلال الموارد الطبيعية.
أما في مجال الصيد البحري، فقد تمت المصادقة في 2025 على اتفاقية جديدة تمتد لأربع سنوات، تتيح للأسطول الروسي استغلال ما يصل إلى 80 ألف طن من الموارد البحرية في المياه المغربية، تشمل السردين والماكريل والأنشوفة، مقابل مساهمات مالية وتقنية موجهة لدعم البحث العلمي والرقابة البحرية المغربية. هذه الاتفاقية تُعيد تأكيد الطابع الاستراتيجي للعلاقات الثنائية، التي لا تقتصر على التبادل التجاري، بل تشمل كذلك تبادل الخبرات والتكوين في مجالات المراقبة والتثمين الصناعي للمنتجات البحرية. وبالنظر إلى الاتجاهات المسجلة خلال العامين الأخيرين، يتضح أن العلاقات المغربية الروسية تتجه نحو نمط جديد من التعاون القائم على المشاريع المشتركة، لا على المبادلات الكلاسيكية. فموسكو تسعى إلى توطيد شراكات في مجالات الصناعة والنقل والزراعة، بينما يراهن المغرب على جذب استثمارات نوعية تُسهم في تحديث قطاعاته الإنتاجية ورفع قدرته التنافسية في السوق الإفريقية.
غير أن هذا التوسع يطرح في الآن ذاته رهانات تتعلق بتوازن المصالح وضمان استدامة الموارد المحلية، خصوصا في مجالي الحبوب والصيد البحري، حيث تفرض التحولات المناخية وضغط الطلب الداخلي على المغرب اعتماد مقاربة دقيقة تحفظ مصالحه الاستراتيجية دون الانزلاق نحو تبعية توريدية.
وتبرز المعطيات الجديدة أن العلاقات الاقتصادية بين الرباط وموسكو تسير في منحى تصاعدي مدروس، قائم على المصالح المتبادلة والانفتاح على مشاريع ذات بعد استراتيجي طويل الأمد، بما يؤكد أن الشراكة المغربية الروسية أصبحت اليوم أحد النماذج البارزة للتعاون المتوازن بين البلدين.


الكاتب : عماد عادل 

  

بتاريخ : 19/10/2025