المتوج بالجائزة الكبرى للشعر الإفريقي، الشاعر «آمادو لامين سال» .. المغرب حلم، لكنه حلم يعاش ..ويرى

يروي الشاعر «آمادو لامين سال» الحاصل على «الجائزة الكبرى للشعر الإفريقي» في مقال على موقع «ماروك افريك» قصة زيارته المغرب في ماي من السنة الحالية خلال فعاليات مهرجان الشعر الأفريقي الذي انعقد أيام 5/6/7 ماي الجاري في إطار الاحتفال بالرباط عاصمة للثقافة الأفريقية، عن رحلته قائلا: «المغرب بلد الفرح الدائم، نبع دافق من الشباب والحيوية، شعب هادئ يتشرّب حب الجوامع و المساجد، حيث التراث المعماري والبديع والمضمخ بروائح التاريخ، لوحات من الإبداع الفني المتوارث و المتجذر، مسار ديناميكي ووهج ثقافي متفرد داخل القارة السمراء نوعه في أفريقيا، تفرد تحت قيادة ملك وصديق ومحب للفنون والآداب! ألا يشكل هذا حلم الكثيرين حول العالم؟».
كعاصمة إفريقية للثقافة لعام 2022، تمكن المغرب من التغلب على جميع التحديات التنظيمية التي قد تكون حجر عثرة بالنسبة لدول أخرى، تشهد على ذلك الإبداعات الفنية والأدبية التي حققها، وأنه لم ينس أي فن!. فجميع أوراش العمل، المتاحف، المكتبات، محطات القطار، المدارس والجامعات، الطرق والجسور والطرق السيارة كانت واجهة لهذا الزخم الإبداعي، الذي عكس الثقافة التي تسكن جميع مفاصل الدولة. كان الأساس الأول لهذا النجاح، هو توجيهات جلالة الملك، إيمانا بأنه «من نقطة الثقافة يبدأ كل شيء «، هذا ليس كلاما أو فكرة أو شعارا. إنه يتجاوز ذلك ليصبح حقيقة.. المغرب حلم لكنه حلم يعاش ..يرى.. يلمس.. وأنا عشته ورأيته مجسدا.
كان هذا هو السبب الرئيسي، الذي دفعني لأكون ضيف الطبعة الأولى من مهرجان الأفلام الوثائقية في شهر ماي 2023، و أيضا لأبدي إعجابي من بين العديد من إخوتي الأفارقة الحاضرين، وأعبر عن إيماني بكون المغرب يجب أن يكون مثالا يحتذى. ولهذا السبب، تقدمت بطلبي أمام رئيس المهرجان «عز العرب العلوي» و أمام كل إخوتي من القارة بطلب أن تنتخب المملكة المغربية كعاصمة للثقافة في القارة لمدة 100 سنة أخرى !. ما دفعني لتقديم هذا الطلب أيضا، هو قناعتي بضرورة أن تكون هذه الرؤية سارية لعقود عديدة لصالح الأعمال الأفريقية للسينما والتلفزيون، وأن يتم تعميمها على مهرجان أفريقيا للسينما والتلفزيون في واغادوغو (FESPACO)
كما أن الوقت قد حان لتشمل حتى «الإتحاد الإفريقي لصانعي الأفلام» ليكون لصوته صدى في الثقافة والفنون، عبر الإشراف على مسابقة «الجائزة الكبرى للفيلم الأفريقي الوثائقي» (بقيمة 3 ملايين يورو) والتي تنظم كل سنة وتمنح في مقره في «أديس أبابا» و بحضور رئيسها، و لتكون دفعة من قلب إفريقيا للسينما والتلفزيون إلى الأمام.
دائما أذكر بأن المغرب ليس بلد المغاربة فقط بل هو شجرة انتماء لكل الأفارقة، فقلب هذا البلد يتسع للجميع كما هو قلب الكعبة ! فالملك يحب أفريقيا وإفريقيا تبادله نفس الشعور.. أستحضر دائما أن زيارته ومقامه في السنغال يشكل لحظة ترقب وانتظار العديد من فناني «قرية الفنون « في السنغال، هو الذي يقتطع، قدر الإمكان، جزءا من جدول أعماله المكثف للنزهة كمتذوق وصديق للفنون ومشجع لها وجامع للقيِّم منها ، وهذا الاهتمام يجب أن يُبرَّز كتابة وقولا.
إن الروابط التي نسجت بين الرئيس الشاعر «ليوبولد سنغور» و «محمد الخامس» توطدت في عهد الحسن الثاني، وقد كنت شاهدا على ذلك حتى مجيء ولي العهد الأمير محمد السادس. فالسنغال من «سنغور» إلى «ماكي سال» شيدت في قلبها للمغرب منزلا من ذهب!.
وها أنا أعود إلى المغرب، حيث الوهج الذي لا يخبو وهج هذا البلد لا ينتهي .. أنا واحد من أبناء السنغال، واحد من بين المبدعين والشعراء الذي تم اختيارهم لنيل الجائزة الكبرى الأفريقية للشعر التي تمنحها المملكة المغربية وبيت الشعر في المغرب في شخص رئيسه الشاعر الوارف الظلال «مراد القادري» وهو عمل دؤوب استمر من خلاله الوزير محمد مهدي بنسعيد المسؤول عن وزارة الشباب والثقافة والتواصل، في أداء وظيفته في إفريقيا بكل كفاءة وتحت الأنظار اليقظة والكرم السخي لجلالة الملك محمد السادس الذي سميته شخصيا: الضوء الكاشف.
نشكرك جلالة الملك من أعماق قلبنا، على مساعدتك وإشرافك الشخصي على تطوير الفنون والآداب في القارة. قبل بضع سنوات، في الرسالة التي كتبتها لك، عبرت عن فخر الشاعر الذي اكتشف بالرباط مشروع «دار الفكر» الموجهة لكتاب وأدباء المغرب والتي كانت قيد الإنشاء في مدينة الرباط. وها أنا أعود اليوم الى الرباط وكلي شوق لزيارة موقع الأشغال والوقوف على ما أنجز، و لأتفاجأ هناك بذلك الصرح الثقافي و الأدبي الذي وهبته للمبدعين الذي أنجز وفق المواصفات والشروط التي يندر وجودها في العالم.. هذا الصرح، لا ينتظر اليوم سوى التدشين. وفي مفاجأة سارة أخرى، اكتشفت في مراكش أشغال إنشاء «مدينة الفنون والإبداع»! واحدة من بين عجائب الدنيا.. حقا أنا عاجز عن الكلام !.
من بين اكتشافاتي الأخرى يا صاحب الجلالة، التي تملأ القلب فرحة وتديم شباب الروح، كان «برج محمد السادس» (البالغ علوه 250 مترا) وأشغال بنائه الآن في طور الانتهاء، علاوة مع المبنى المذهل المتمثل في «المسرح الكبير» بالرباط من تصميم المعمارية العراقية-البريطانية «زها محمد حديد»، ناهيك عن محيط ضريح محمد الخامس، وهذه الصروح كلها تضفي على الرباط رونقا رائعا يميز عاصمة المغرب، ووجها ثقافيا وفنيا عالميا يفتن العالم، وينبغي على اليونسكو أن تولي اهتمامها لكل هذا، لأننا لسنا أمام مدينة أو اثنتين وإنما نحن أمام المغرب ككل! مدينة سترتقي إلى رتبة التراث العالمي للبشرية! على غرار المدن القديمة كمدينة الصويرة التي أحبها كثيرا، بما فيها من طيور النورس التي تشكل كل يوم بانوراما تأسر قلب أي زائر من العالم.
مرة أخرى، جلالة الملك ، أشكركم على وضع غابة أشجار أمازونية على أبواب الرباط وفي جاداتها . هنا أصبحت الطبيعة حاضرة بشكل مهيب.. غابات مدينتكم ، حدائقكم ، فضاءاتكم الخضراء ، شوارعكم الحديثة المفعمة بالأشجار والنباتات والزهور، تجعل الرباط أشبه بحسناء خرجت لتوها من صالون تجميل لتتغذى بحليب جوز الهند ، والتمر الطازج ، والألوفيرا…

شكرا لكم، مرة أخرى، على نضالكم من أجل البيئة منذ الخطاب التاريخي الذي ظل عالقا في ذاكرة كل من حضر لقمة الأرض التي عقدت في جوهانسبورغ عام 2001 لتنمية واحترام وحماية كوكبنا الذي أصبح يعيش في خطر، بفضلكم باتت المملكة المغربية رئة العالم و مصدر الأوكسجين الأخضر الذي يتنفسه.
أراني عدت إلى بلدي السنغال، وأنا في حالة من الإعجاب المزمن، أو في حالة عشق للمملكة التي تغذي الروح، وأنا متيقن أيضا من أن مصطلح أو وصف البلدان النامية قريبا ما سينقرض، حاله حال كل اختراع استعماري يقيد نهضتنا.. هناك من النساء والرجال، من هم في طور النمو – وهذا هو القول – ينقصهم التكوين والثقافة.. ولأن لديكم بعد نظر ثاقب، فهمتم منذ زمن بعيد، يا صاحب الجلالة، أن إقامة الحصون ضد الأمية أمر لابد منه، نظرا لأن الفنون والآداب هي عز هذا البلد الثقافي، الذي تنيرونه و أنتم له بلسم ومفتاح صوب العالمية.
إن تقدير الشعراء، والكتاب والمفكرين في المقررات المدرسية، هو نقطة تحسب لكم أيضا! إن تعليم التاريخ العريق لبلدكم ، للشباب المغاربة، سيحيلهم إلى معرفة قوة بلدهم العظيم الذي ينتمون إليه ! إن رفض «التبعية» (subalternity) للذي يقول : «هنا بلزاك المغربي !»، نقول له أن لدينا «محمد شفيق»، «حكيم الغيساسي»، «سعيد الملوكي»، «ثريا أولهري»، «محمد برادة»، «عبد اللطيف اللعبي» و «الطاهر بن جلون»، فهل نسيتم كل هذه الأسماء؟، بالطبع لا !.. يبقى المعيار الأمثل أن يظل التسامح والإنفتاح على العالم، و أن نفترض أن معرفتنا لا تزال محدودة بجهلنا !.
في الاخير، يا جلالة الملك، أرى المغرب بلدا في طريق التقدم يسير، بالرغم مما تعيشه إفريقيا من تقلبات داخلية عدة، و التي نرى اهتمامك بها و خوفك و قلقك على مستقبلها، حتى و إن تمكنت المملكة المغربية الشريفة من الإنتقال إلى الخطوة المقبلة أو كالذي يستبدل مصباح الزيت بالكهرباء! هذا هو بلدكم الذي بات يتفوق على العديد من الدول الإفريقية والتي غرقت في غيابات جب ضعف التنمية المقلق!! جلالة الملك، لقد نظرت إلى منجزاتكم من طرق سريعة ومحطات ومطارات والقطار السريع (البراق) وأيضا للطرامواي، و إني لفعلت ما تفعله إفريقيا المندهشة و الرامية لتصبح مثلكم و بلدكم وما بات عليه من تقدم في جل المجالات، و الذي تراه (تلك الدول) قاطرة لها تحت قيادتكم الجليلة! جلالة الملك، لم يعد المغرب بلدا فقط، بل أصبح قارة بحد ذاتها، حية بقلبها وروحها!.. فلتدم مباركة الله لكم و للشعب المغربي!.»


الكاتب : المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 13/05/2023